أدى الانقلاب العسكري في مصر إلى كسر ظهر العرب، فقد أدخل الانقلاب الدموي مصر في دوامة من العنف والتشقق والانقسام، وساهم بقلب الموازين في العالم العربي، وأعاد تنظيم الاصطفافات والتحالفات في "نادي الثورة المضادة". يعاني مصر، تحت حكم النظام الانقلابي، جملة من الأزمات الداخلية والخارجية، فهي غير مستقرة، ولا يستطيع إحكام سيطرته على الوضع، على الرغم من استخدامه الآلة العسكرية والأمنية والقضاء والإعلام على نطاق لم يشهد له التاريخ العربي مثيلا، كما أن مصر تعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة وتدهور الحالة المعيشية، وارتفاع الدين العام إلى معدلات غير مسبوقة وصلت إلى 1.5 تريليون دولار، وهي حقائق دفعت المنظمات الدولية إلى إدراج مصر في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المهددة بالإفلاس. مجمل هذه الأوضاع الداخلية تؤثر على المشهد في المنطقة، إلا أن الحركة المصرية في عهد الانقلاب قلبت الأوضاع العربية رأسا على عقب، وبدل أن تكون مصر رافعة للديمقراطية والحرية ومساعدة الشعوب العربية على الانتقال من الدكتاتورية إلى حكم صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية، نقلها الانقلابيون إلى الخندق المعادي للثورات العربية وأصبحت جزءا من "تحالف الثورة المضادة" الذي تشارك غالبية الأنظمة العربية، وبوجود مصر في هذا التحالف أصبحت العقيدة الجديدة التي تحكم المنطقة هي "الحرب على الإرهاب"، التي تعني عمليا الحرب على الإسلاميين والثوريين والناس العاديين المطالبين بالتغيير وبتداول السلطة وتوزيع الثروة، تمتد مروحة الإرهاب لتشمل " تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس والإصلاحيين المطالبين بتغيير أنظمة الحكم، والفدائيين الفلسطينيين الذين يقاتلون الكيان الإسرائيلي على مختلف توجهاتهم"، وإذا ما ترجمنا وصف عقيدة الحرب على الإرهاب بعبارة جامعة وبوصف مختصر دقيق فهي تشمل جميع القوى "السلمية والعنيفة الداعية إلى تداول السلطة في العالم العربي"، وبذلك يتحول مفهوم الحرب على الإرهاب ليشمل "كل القوى المجتمعية العربية" التي تسعى إلى تغيير الوضع الراهن حتى لو كان ذلك عن طريق صناديق الاقتراع، أو حتى مطالبة بإصلاح النظام القائم في بعض الدول المحافظة التي لا تعرف الثورات أصلا. هذه العقيدة الجديدة ل"الحرب على الإرهاب" التي اعتنقها الانقلابيون العسكريون نقلت مصر من حالة الدور الإيجابي أو "الحياد" على الأقل إلى عنصر نشط في الحرب على فكرة التغيير والديمقراطية وحكم الشعب، وقد ظهر هذا الأمر في التحالف المصري الإسرائيلي في الحرب على غزة، ومحاولة النظام الانقلابي المصري خنق المقاومة الفلسطينية وسد منافذ "الأكسجين" على الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي كانت تدك فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية في عدوانها كل شبر في قطاع غزة، كما ظهر ذلك في الدور السلبي في الغارات الجوية على ثوار ليبيا الذين يحققون انتصارات على حليفهم العقيد خليفة حفتر، مما يعني أن مصر تحولت إلى طرف في الصراع الداخلي الليبي، والآن انتقل النظام الانقلابي إلى المرحلة التالية وهي المشاركة في "التحالف الأربعيني" ضد تنظيم الدولة الإسلامية، مع إمكانية مشاركة جنود مصريين في القتال ضد هذا التنظيم مقابل إسقاط الديون عن مصر وجدولة بعضها، كما حدث في حرب الخليج الثانية، بل ذهب النظام الانقلابي في مصر إلى المطالبة بالقتال إلى ما هو أبعد من داعش كما أكد وزير خارجية الانقلاب سامح شكري بقوله: إن "مواجهة كل التنظيمات المسلحة التي تهدد المنطقة أمر حتمي، وأن الأمر لا يجب أن يكون محصوراً عند داعش". المصدر: الشرق القطرية 21/9/2014م