يبدو أن العلاقات السودانية الليبية تجاوزت الاهتزاز الذي كان نتاج رمال الصحراء الكبرى المتحركة، فوصول عبد الله الثني رئيس الوزراء الليبي إلى الخرطوم، على رأس وفد وزاري رفيع المستوى يضم عدداً من الوزراء من بينهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، ووزير الخارجية، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية، ووزير الاقتصاد والصناعة، ورئيس هيئة الثقافة والإعلام، يعني أن الرجل جاء ليقول للخرطوم إن العلاقة بينك وطرابلس ما تزال على ودها المقيم، فعدد من الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين ستكون مسار لقاءات وبحث بين الوفد الزائر ومسؤولين بالخرطوم خلال ثلاثة أيام يمضيها الليبيون ضيوفاً على عاصمة النيلين. وتأتي الزيارة بعد الغبار الكثيف الذي اكتنف العلاقة بين السودان وليبيا خلال الفترة الماضية، والمياه التي جرت تحت الجسر جراء التصريحات التي أطلقتها الحكومة الليبية واتهامها للسودان بتسليح المعارضة الليبية في أعقاب دخول طائرة عسكرية سودانية إلى الأراضي الليبية، قالت إنها دخلت دون إذن من السلطات الحكومية وهبوطها في مطار الكفرة، ولم يشفع للخرطوم وقتها ما قالته من دفوعات في مواجهة الاتهامات، ولكن جاء الوقت ليتحول الطرفان إلى أصدقاء، تاركين وراءهم الماضي بهدف فتح صفحة جديدة في مسار العلاقات لتتعانق خرطوم ما بعد المؤتمر العام المؤتمر للوطني وليبيا ما بعد القذافي. ويرى عدد من الخبراء والمحللين أن الزيارة ستكون لها نتائج إيجابية على العلاقات بين البلدين خاصة بعد الفتور الذي شابها خلال الفترة الماضية، وإزالة الجفوة. وأفادت وسائل الإعلام الليبية أن الوفد المرافق للثني يضم وزير الخارجية محمد الدايري، وتأتي الزيارة تلبية للدعوة التي وجهها المشير عمر البشير رئيس الجمهورية في وقت سابق إلى عبد الله الثني لزيارة الخرطوم. وأوضحت وزارة الخارجية أن الثني سيلتقي خلال الزيارة برئيس الجمهورية والنائب الأول لرئيس الجمهورية وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين بالبلاد، وقال السفير يوسف الكردفاني الناطق الرسمي بوزارة الخارجية، إن الزيارة تأتي في إطار التشاور المستمر بين البلدين الشقيقين لبحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها والتشاور، كما تناقش الزيارة كيفية سبل تعزيز وتحقيق السلام في ليبيا وذلك في إطار مبادرة دول الجوار الليبي، والتوصل الى تسوية سياسية بين أطراف الصراع في ليبيا فيما يدعم جهود السلام، وأضاف الكردفاني في حديثه ل"التغيير" إن الزيارة تناقش أيضاً الاتفاقيات المبرمة بين السودان وليبيا، وبحث الآليات المناسبة لتفعيل هذه الاتفاقيات. وقال سيلتقي الثني بعدد من قيادات الدولة، إلى جانب بحث عدد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، كما سيلتقي الوفد الليبي الزائر برئيس اتحاد أصحاب العمل وعدد من مديري الشركات السودانية لبحث وسائل تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الشقيقين، ورحب السفير بزيارة الثني للسودان. ويرى الدكتور عبد الرحمن أبو خريس مدير المركز الدبلوماسي في حديثه ل"التغيير" أن زيارة عبد الله الثني للبلاد تأتي في وقت مناسب، خاصة بعد تحسن علاقاته مع السعودية، وأضاف أنها تصب في إطار ترميم العلاقات بين السودان وليبيا ودعم لعلاقات السودان لمحور السودان ومصر والإمارات والسعودية، كما أنها تأتي في وقت تكون ليبيا فيه أكثر حاجة للسودان لإرساء دعائم السلام في ليبيا خاصة وأن السودان لديه خبرة في ذلك، واسترسل أنها تأتي في إطار تأمين الحدود الليبية السودانية المصرية المشتركة، خاصة بعد الاختراقات الأمنية التي حدثت مؤخراً، مشيراً إلى أن فوائد زيارة الثني تتيح فرصة لتفح سوق العمل الليبي للكوادر السودانية، ووصفها بأنها مفتاحية لتصحيح مسار وتطوير العلاقات، وتوقع أن تزيل الغبار العالق بين البلدين وتقود إلى تعزيز السلم الليبي. وتوقع الدكتور حمد عمر الحاوي المحلل السياسي في حديثه ل"التغيير" أن الزيارة تأتي في إطار موقف السودان من الصراع الدائر في ليبيا واتهامه بأنه جزء من محور داعم لبعض الفصائل الليبية المعارضة للحكومة، وقال إن السودان بوابة لتحالف إقليمي متبني موقف ليبيا ومن هذه الزاوية يعتبر دوره مهماً ومحاولة الحكومة الليبية لكسبه يمثل أهمية قصوى في استقراره، ومناقشة الملفات العالقة، ولفت على أن الوقت ما زال مبكراً للتعاون الاقتصادي والآن الاستقرار في ليبيا من أهم الموضوعات. ويضيف السفير الرشيد أبو شامة في حديثه ل"التغيير" أن الهدف من زيارة الثني للبلاد إصلاح الارتباك والتوتر الذي حدث في العلاقة بين البلدين، نتيجة للطائرة السودانية التي وصلت إلى مطار الكفرة بدون إذن من السلطات الليبية، بجانب إتهام السودان بتزويد العناصر الإسلامية في ليبيا بالذخيرة والسلاح، وأضاف الزيارة خطوة دبلوماسية جيدة، كما ستساعد في تحسين العلاقات خاصة إذا أفلح السودان في إقناع الحكومة الليبية بأنه بعيد عن هذه الاتهامات وإزالة التهمة عنه، متوقعاً أن تأتي بنتائج إيجابية، ولم يستبعد أبو شامة أن تكون لمصر يد في زيارة الثني وذلك لإبعاد السودان من تهمة دعمه للإسلاميين والإرهاب. خاصة وأن مصر مؤيدة لحكومة الثني، وكذلك حفتر لأنهم ضد الإسلاميين بالإضافة إلى حاجة مصر الفعلية للسودان في مياه النيل وسد النهضة. وقال إذا كان السودان جاداً في عدم إدخال يده في المشكلة ومساعدة أي جهة ضد الأخرى، واتخاذ موقف حيادي، وهذا ما تحتاجه مصر من السودان. وينتظر أن تخرج الزيارة بنتائج إيجابية تساعد في تحسن العلاقات بين الخرطوم وطرابلس والدفع بها إلى الأمام. نقلاً عن صحيفة التغيير 28/10/2014م