دعا الرئيس عمر البشير -في كلمته أمام الدورة العاشرة الأخيرة للبرلمان الخميس- البرلمان إلى إجراء تعديلات دستورية لتقويم تجربة الحكم اللامركزي، وتمكين المواطن من المشاركة في إدارة شؤونه. ورغم أن البشير لم يقدم مزيدا من التفاصيل عن طبيعة التعديلات، لكن رئيس البرلمان الفاتح عز الدين كان قد كشف في تصريحات صحفية عن تقديم تعديلات على الدستور بشأن تعيين ولاة الولايات للبرلمان في الجلسة الافتتاحية لدورته الأخيرة. وينص الدستور على انتخاب ولاة الولايات بجانب مجالس تشريعية خاصة بها مع صلاحيات واسعة لإدارة ولاياتهم، ويراد من التعديل أن يصار إلى تعيينهم. تعيين الولاة من قبل رئيس الجمهورية بدلاً من انتخابهم وهي بلا شك قضية مهمة وفكرة وجدت استحساناً من الكثيرين، ، لأن انتخاب الولاة في الفترة الماضية لم يجد قبولاً من القيادة تقريباً ولا من الولايات نفسها، ولذلك شهدت الولايات معارك كبيرة بسبب هؤلاء الولاة الذين تمددوا أكثر من اللازم، بل البعض منهم أصبح أشبه بأمير في منطقته، فهو الآمر الناهي لا يقبل بالنصح ولا برأي الآخرين. لقد حاولت الدولة أن تتمسك بالديمقراطية والشورى ورأت أنه من الأصلح والأفيد للولايات أن يكون الترشيح هو الأفضل لاختيار الولاة، وفي الترشيح يكون المرشح من أبناء الولاية نفسها، ولكن للأسف المرشحون كانوا وبالاً على مناطقهم وعلى أهلهم ولم تسلم أي ولاية من الصراعات والانقسامات والانشقاقات بسبب أولئك الولاة. الولاة المنتخبون بعد أن استقووا طوال تلك الفترة تمسكوا بالقانون ورفضوا أي محاولة لإقصائهم بحجة أنهم منتخبون، وهذه واحدة من الثغرات التي لا تستطيع الحكومة الدخول فيها أيضاً التمسك بالقانون، ولكن ما فائدة القانون لمن لم يؤدوا واجبهم تجاه الرعية، فهل يعقل أن ينتقل عدد كبير من سكان الولاية الفلانية إلى ولاية الخرطوم بحجة صعوبة المعيشة بالولايات، فأين الوالي.. لقد أصبحت ولاية الخرطوم سوداناً مصغراً، كل سكان الريف هجروا مناطقهم وهؤلاء يسرحون ويمرحون فلم يجدوا علاجاً لمشاكل الرعية التي وضعتهم على تلك الكراسي. ومن الأسباب القوية التي حركت بعض الحادبين على مصلحة الوطن والولايات وطالبت بتعيين الولاة بدلاً من الانتخابات، تفشي القبلية والجهوية بمناطق السودان المختلفة، ولذلك أصبحت كل قبيلة تحاول أن تأتي بابنها ليعتلي سلم سلطة الولاية وهذه ظاهرة سيئة، فبدلاً من أن يعمل لمصلحة الجميع تكون القبيلة هي المحرك لهذا الوالي فيأتي بأهله وأسرته ومعارفه، بينما القبائل الأخرى لا تجد نصيباً في الولاية التي يحكمها الوالي الفلاني من القبيلة الفلانية، فمن الأفضل لهذا الوطن أن يظل متماسكاً وأن يتم اختيار الولاة بواسطة رئيس الجمهورية يعينهم ويقيلهم، ويشير مراقبون إلى أن انتخاب الولاة وحكم أبناء الولايات والحكم الفدرالي قد صاحبته سلبيات من شأنها تعريض البلاد لمخاطر جمة في المستقبل القريب، لأن قضية تعيين الولاة أثيرت من قبل وأدت إلى حل المجلس الوطني واستقالة رئيسه وقتها الدكتور حسن عبد الله الترابي، وأنه تم تكوين لجنة من 8 أشخاص من قبل رئيس الجمهورية للنظر حول كيفية اختيار الولاة بالانتخاب من أبناء الولاية، وكان رأي الأغلبية أن يتم اختيار الوالي من أبناء الولاية بالانتخاب الحر المباشر، إلا أن بعض أعضاء تلك اللجنة أكدوا وقتها أن ظروف السودان وتركيبته الاجتماعية وواقع البلاد لا يساعد على نظام فدرالي مستقر، والأيام أثبتت صحة وجهة نظر بعض أعضاء اللجنة، فالممارسة التي تجري الآن في اختيار الولاة الجدد، تؤكد وتؤيد ما ذهبوا إليه وقتها.