المريخ يتعاقد مع السنغالي مباي وبعثته تصل تنزانيا    هذه الحرب يجب أن تنتهي لمصلحة الشعب السوداني ولصالح مؤسساته وبناء دولته    مليشيا الدعم السريع تستدعي جنودها المشاركين ضمن قوات عاصفة الحزم لفك الحصار عن منطقة الزرق    البرهان يهنئ الشعب السوداني والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    إيطالية محتجزة في المجر تعود إلى بلادها بعد فوزها بمقعد في البرلمان الأوروبي – صورة    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كان في وداعها نائب الرئيس للشؤون الرياضية..البعثة الحمراء تغادر الي دار السلام برئاسة كابو    شاهد بالفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع عمر جبريل ينعي القائد علي يعقوب ويؤكد: (لم يتزوج وعندما نصحناه بالزواج قال لنا أريد أن أتزوج من الحور العين فقط وهو ما تحقق له)    شاهد بالفيديو.. الفنان عمر إحساس يغني للممرضات وهو طريح الفراش بإحدى المستشفيات بالولايات المتحدة    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابط القوات المشتركة الذي قام بقتل قائد الدعم السريع بدارفور يروي التفاصيل كاملة: (لا أملك عربية ولا كارو وهو راكب سيارة مصفحة ورغم ذلك تمكنت من قتله بهذه الطريقة)    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    «السوشيودراما» و«رفَعت عيني للسَّمَا»    مواصلة لبرامجها للإهتمام بالصغار والإكاديميات..بحضور وزير الشباب والرياضة سنار افتتاح اكاديميتي ود هاشم سنار والزهرة مايرنو    حلمًا يدفع منة شلبي للتصدق على روح نور الشريف.. ما القصة؟    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    بعرض خيالي .. الاتحاد يسعى للظفر بخدمات " محمد صلاح "    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
نشر في سودان سفاري يوم 06 - 11 - 2014

تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
المصدر: الخليج 6/11/2014م
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf
عين فرنسا على مالي . . لماذا؟
د .إدريس لكريني
تزايد اهتمام القوى الدولية الكبرى بالقارة الإفريقية خلال العقدين الأخيرين؛ ويجد هذا الاهتمام أساسه في مجموعة من العوامل والمبررات، ذلك أن هذه القارة تضم حالياً 53 دولة مستقلة، وتحتضن ثروات بشرية هائلة تناهز المليار نسمة، يغلب عليها طابع التنوع الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
وتكتسي القارة أهمية دولية كبرى من حيث المساحة والامتداد الجغرافي والثروات المعدنية والطبيعية، فتضاريس القارة تختلف ما بين البحار والسهول والغابات والصحاري والجبال، كما تتنوع الخيرات والثروات الطبيعية بهذه القارة ما بين الغاز والماس والذهب والفوسفات والنحاس والزنك . . والنفط الذي تقدر بعض الإحصاءات نسبته بأكثر من ثمانية بالمائة من الاحتياطي العالمي .
تعرضت مجمل دول القارة إلى الاحتلال الغربي، الذي استغل خيراتها أبشع استغلال . وأمام المد التحرري الذي شهدته الكثير من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خرجت شعوب القارة من ويلات الاحتلال لتجد نفسها أمام الكثير من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عمقها هذا الاحتلال .
رغم الإمكانات المذهلة التي تتوافر لدول القارة في مختلف المجالات، فإن عدداً منها لا زال يعيش على إيقاع الصراعات والأوبئة والظروف الاجتماعية الصعبة وارتفاع نسب التضخم وتدهور البنى التحتية وانتشار الفساد ومظاهر الاستبداد وانتشار الصراعات وهشاشة الأوضاع الأمنية .
شهدت الكثير من البلدان الإفريقية في أعقاب نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن المنصرم، تحولات اجتماعية وسياسية مهمة اتخذت طابعاً من العنف والحروب الأهلية والصراع على السلطة أحياناً، ووصل الأمر إلى حد انهيار مؤسسات الدولة كما حدث في الصومال، وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في المناطق الممتدة والشاسعة في إفريقيا ملاذاً خصباً للانتعاش والامتداد، زكاه ضعف الدولة المركزية في عدد من مناطق القارة السمراء .
ورغم ذلك، حسمت الكثير من البلدان الإفريقية مع مظاهر الشمولية والانقلابات العسكرية التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، وراكمت تجارب بعض دولها ديمقراطية واعدة دعمت التداول السلمي على السلطة .
طالما اعتبرت فرنسا مستعمراتها القديمة منطقة حيوية بالنسبة إليها، حيث عززت حضورها الثقافي ونفوذها الاقتصادي، بل إنها سعت إلى تعزيز وجودها العسكري في كثير من المناسبات، بذرائع مختلفة .
سمح تطور الأحداث في مالي بتعزيز الدور الفرنسي في المنطقة، وتشير الكثير من التقارير الإخبارية إلى أن هذه الدولة قررت إقامة قاعدة عسكرية في شمال شرق النيجر بمبرر مواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة ومحاصرة طرق مدها بالأسلحة القادمة من ليبيا .
وجدير بالذكر أن فرنسا احتلت مالي لعدة سنوات، قبل أن تحصل على استقلالها في عام ،1960 وهو ما يجعلها حريصة على مواجهة كل التهديدات والمخاطر التي تواجه مصالحها في المنطقة .
ظلت فرنسا تردد أن تدخلها العسكري في مالي جاء بناء على دعوة من الرئيس المالي وانسجاما مع قرار مجلس الأمن 2085 2012 في هذا الصدد؛ معتبرة أن الأمر يتعلق بتدبير يدعم المحافظة على وحدة واستقرار بلد صديق؛ علاوة على توفير الحماية لحوالي ستة آلاف فرنسي مقيمين بمالي .
كما أكدت أن الأمر يرمي إلى احتواء ومحاصرة النزاع، ومواجهة الجماعات المسلحة، وقطع الطريق على المقاتلين المسلحين ومنعهم من فرض سيطرتهم على كامل التراب المالي، علاوة على السعي إلى إضعاف الجماعات المسلحة في المنطقة بعد تصاعد قوتها واستفادتها من السلاح الليبي المسرب .
وفي مقابل ذلك، أكد الكثير من المهتمين والمراقبين أن التدخل العسكري الفرنسي في المنطقة ينطوي على الرغبة في تحقيق مجموعة من الأهداف غير المعلنة، وعلى رأسها الانتقام للأسرى والمختطفين الفرنسيين الذين كلفوا فرنسا إمكانات مالية كبيرة دفعت للجماعات المسلحة في المنطقة؛ والرغبة في الحد من مخاطر انتقال النزاع إلى مناطق نفوذ فرنسي أخرى مثل تشاد والنيجر؛ والسعي إلى إحداث قواعد عسكرية بالمنطقة . ثم حماية مناطق نفوذها وضمان مصالحها (نفط وغاز ويورانيوم . .) وتأمين شركاتها الاستثمارية في منطقة تعتبرها حيوية بالنسبة إليها، بعد تزايد الاعتداء عليها وعلى العاملين بها .
ومعلوم أن مالي تحتضن في إقليمها مجموعة من المعادن والخيرات الطبيعية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الذهب والحديد، فيما تعرف النيجر أيضاً بتوفرها على احتياطات مهمة من اليورانيوم، وهو يجعل الحضور الفرنسي في المنطقة ينبني في أحد أسسه على خلفيات اقتصادية .
وهي الخلفيات التي يزيد من حضورها تنامي اهتمام القوى الدولية الكبرى بالمنطقة كما هو الشأن بالنسبة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وروسيا . . مما يهدد النفوذ الفرنسي في المنطقة .
فيما أرجع بعض الملاحظين توجه فرنسا نحو عسكرة مالي في بداية الأزمة إلى المحاولات الرامية إلى إنعاش شعبية الرئيس هولاند التي بدأت تتآكل تحت محك العمل الحكومي وتداعيات الأزمة المالية العالمية؛ عبر صنع "بطولات خارجية" وتصريف الرأي العام الفرنسي عن المشكلات الداخلية المختلفة .
منذ بروز الأزمة في مالي بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس "أمادو توماني" في مارس/آذار 2012 وما تمخض عن ذلك من فراغ أمني عم البلاد وأربك مسارها السياسي، استغلته الكثير من الجماعات المسلحة لتنتشر في المنطقة بعد استفادتها من تسرب السلاح الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي ومن الفراغ الأمني الذي يسود منطقة الساحل جنوب الصحراء .
وقد وجدت الكثير من هذه الجماعات في الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة مبررا للانخراط في القتال والعودة إلى الواجهة من جديد، بعد سنوات من الاختفاء بفعل الضغوطات والتدابير العسكرية والاستخباراتية التي قادتها بعض دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب والجزائر وتونس . . في مواجهتها .
حيث اعتبرت هذه الجماعات حضور القوات الفرنسية إلى المنطقة بمثابة عودة جديدة للاحتلال لمناطق نفوذ قديمة، مؤكدة أن فرنسا الحريصة على مصالحها وبعض دول المنطقة الرافضة لأي إصلاح سياسي، تسعيان إلى الحد من "تحولات الربيع العربي" وصد تصاعد الإسلاميين في المنطقة، بل ذهبت هذه الجماعات إلى حد اعتبار أن الحرب في مالي هي "حرب صليبية" ضد المسلمين .
وعموماً، كانت هنالك مجموعة من العوامل الداخلية والإقليمية التي وفرت الأجواء للوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، فعلاوة على قرار مجلس الأمن السابق ذكره، وطلب المساعدة الذي وجهه الرئيس المؤقت المالي لفرنسا؛ وتعقد الأمر بفعل تناقض مواقف الفرقاء داخل مالي، وضعف الجيش المالي الذي تمزقه الإثنية وانخراطه في انقلاب عصف باستقرار البلاد، ووجود تنسيق بين حركة أنصار الدين التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات مسلحة أخرى كحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا . . بعدما ظلت منكفئة على نفسها خلال السنوات الأخيرة .
كما لا تخفى تداعيات تباين وتناقض مواقف دول المنطقة من الأزمة في مالي، بين من أكد رفض التطرف و"الإرهاب" ودعا إلى مواجهته بكل الوسائل الزجرية المتاحة، مع الحرص على وحدة مالي(المغرب)، وبين من أكد المقاربة السياسية ورفض التدخل الدولي باعتباره سيسهم في تدهور الأوضاع، ومنح الجماعات المسلحة ذرائع للانتشار واستهداف المصلحة الغربية في المنطقة (الجزائر قبل أن تقبل بالخيار العسكري فيما بعد) .
إن فشل دول الساحل الإفريقي والدول المغاربية في بلورة تصور لحل موحد وعلى قدر من التناغم لأجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة، أتاح لفرنسا ولأطراف خارجية أخرى فرصة لعب أدوار محورية في إدارة الأزمة في مالي، بضد على المصلحة الاستراتيجية لدول المنطقة .
والواقع أن تجاوز المشكلات الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي وما تطرحه من أخطار وتحديات على السلم والأمن الدوليين، تتطلب مقاربة شمولية على قدر من التعاون والتنسيق الدوليين والإقليميين، تسمح بالوقوف على طبيعة المشكلات والصراعات عبر إدارة الأزمات وتدبير الخلافات بين مختلف الفصائل السياسية المتصارعة والتضييق على الجماعات المسلحة، ودعم جهود التنمية في هذه المناطق . وبخاصة أن المراهنة على المدخل العسكري كحل وحيد خارج تأطير الأمم المتحدة، لن يسهم إلا في تعقد الأمور والدخول في متاهات الفعل ورد الفعل بما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها .
* مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات - المغرب
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/07e01e06-427b-4eb8-a469-52b1783454cf#sthash.Va4GokTO.dpuf


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.