إذا أحصينا مظاهر الظلم المتعمد التي ظل مجلس الأمن الدولي يلحقها -عن قصد وسبق إصرار- ضد السودان فإن من الصعب إحصاءها إحصاء جامع. ففي غضون العقود الثلاث المنصرمة فإن مجلس الأمن الدولي فى الواقع لم يكن يفعل سوى العمل على إلحاق أقصى درجات الظلم والإضرار بالسودان. وحين نقول إن مجلس الأمن ظل يلحق الظلم بالسودان فإنما نعني ذلك بدقة، إذ أن مجرد الاعتقاد أن المجلس يوجه قراراته المعيبة والظالمة ضد الحكومة السودانية لإضعافها أو إرغامها للاستجابة لما يطلبه وأنه يفعل ذلك وهو يفصل بين الحكومة والسودان كدولة أرضاً وشعباً، هو اعتقاد واهي وخاطئ ومن العسير أن ينطلي على أحد. فعلى سبيل المثال فإن مجلس الأمن أصدر قراره الشهير 1593 الخاص بإحالة الأوضاع فى دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية قبل حوالي 8 أعوام . محكمة الجنايات الدولية زعمت أنها -استجابة لقرار المجلس- حققت فى الأمر ووجدت أن كبار المسئولين فى الحكومة السودانية وفي مقدمتهم الرئيس البشير متورطين فى جرائم حرب! في العام 209 اصدر المدعي العام للمحكمة حينها لويس اوكامبو مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير فى سابقة قضائية دولية كانت تؤذن بفشل مدوّي كمحكمة للجنايات الدولية ضاربة عرض الحائط بالعلاقات الدولية والقواعد المرعية فيها، ومنتهكة للقانون الدولي الذي هو مجموعة أعراف وتقاليد دولية اكتسبت قوة القانون بمرور الوقت وأصبح من الصعب المساس بها دون نقض غزل القانون الدولي. وكنتيجة لهذا الوضع فإن مذكرة التوقيف لم تسفر عن نتيجة ايجابية، بل على العكس دفعت دولاً عديدة باتجاه محاولة التراجع عن ميثاق روما المنشئ للمحكمة. مجلس الأمن الدولي حين أحال هذه الأوضاع فى دارفور إلى المحكمة لم يكن يدرك انه بهذا المسلك ينشئ تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين ، فلو أن دولة ما قررت إنفاذ المذكرة التوقيفية ضد الرئيس البشير فإن من المحتم أن تنشب الحرب ما بين تلك الدولة السودان، لأن من شأن المساس برئيس دولة من قبل أي دولة -بلا أدنى شك- الإفضاء إلى مواجهة عسكرية لأن الرئيس -أي رئيس- هو رمز سيادة الدولة الوطنية ومن المستحيل أن تدع دولة رمز سيادتها نهباً لتصرفاتها خرقاء من دولة أخرى مهما كانت مكانتها الدولية أو قوتها. وجه الظلم في تصرف مجلس الأمن هذا أنه فعل ذك فقط لأغراض المكايدة السياسية وإشانة سمعة السودان -وليس فقط السلطة الحاكمة- ولهذا وبعد مرور أكثر من خمسة سنوات على هذه المذكرة فإن المحكمة -وبصرف النظر عن نواياها الخاصة- أعادت الأمر من جديد إلى مجلس الأمن مفصحة عن عجز المجلس والمحكمة معاً عن إنفاذ قراراته الظالمة. مجلس الأمن أشان سمعة السودان طوال هذه المدة لينتهي الأمر برد الأمر إليه! مجلس الأمن أيضاً اصدر القرار 2046 الذي ألزم فى إحدى فقراته الحكومة السودانية بالتفاوض مع قطاع الشمال! الحكومة السودانية لم ترفض القرار وإنما أبدت كامل احترامها للقرار وشرعت فى التفاوض مع القطاع. كانت المفاجأة الصاعقة أن قطاع الشمال ظل يعرقل بدأب ومثابرة كل جولات التفاوض والعرقلة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ففي كل مرة يقترب فيها الطرفان من تحديد إطار التفاوض، تتدخل الولاياتالمتحدة عبر مناديبها القريبين من قاعة التفاوض لتعيقها! عرمان من جانبه وبإيعاز من واشنطن ظل يلقي بمطالب تعجيزية لا تحتاج إلى عبقرية لكي يُفهم منها أنها بقصد عرقلة التفاوض. مؤدى قرار مجلس الأمن بالتفاوض مع قطاع الشمال -وهو مقترح أمريكي بامتياز- أن لا يتم أي تفاوض جدي! ولا شك أن هذا الوضع فيه ظلم لا أول له ولا آخر بالنسبة للسودان، فالقرار يتلاعب بعملية الأمن والسلم في السودان بطريقة واضحة، ففي كل مرة تستعد فيها الحكومة السودانية لجولة تفاوض تشرئب أعناق أهل المنطقتين -جنوب كردفان والنيل الأزرق- إلى أديس أبابا وفي أذهانهم أن هذه الجولة ربما تجلب لهم سلاماً ولكن سرعان ما يخيب رجاؤهم حين يمارس عرمان هوايته الاستخبارية المعروفة، يطلق سهماً مسموماً يفسد مناخ التفاوض، ليتم تعليق العملية التفاوضية لأجل غير مسمى قبل أن تنعقد مرة أخرى لذات الهدف فيتم تعليقها وهكذا. أليس مثل هذا المسلك المعروف بعمق لدى مجلس الأمن ظلماً فادحاً ومقصوداً بالسودان؟ وإن لم يكن هذا هو الظلم بعينه فما هو إذن الظلم؟