زيارة الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما للسودان، وهو قادم من القمة الأفريقية في أديس أبابا، وجدت اهتماماً كبيراً في السودان، لكونها ذات أبعاد مختلفة، وأعطت رسائل لجهات متعددة، وهي تعبير حقيقي عن تطور علاقة السودان بجنوب أفريقيا، وليس هناك أفضل من السفير عمر صديق سفير السودان لدى بريتوريا لتقييم هذه الزيارة وأبعادها.. اتصلت به «الإنتباهة» مساء أمس وحصدت منه هذه التوضيحات والإجابات. ماذا تعني زيارة رئيس جنوب أفريقيا وما هي مغازيها ودلالاتها؟ هذه هي الزيارة الأولى للرئيس جاكوب زوما للسودان، وهو رئيس دولة، ولها أهميتها في هذا الظرف والتوقيت الدقيق، وتُعتبر نقلة نوعية في علاقة البلدين.. لماذا هي مهمة..؟ جنوب أفريقيا الآن هي أكبر بلد أفريقي ومرشحة للعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي في حال إعادة هيكلة الأممالمتحدة وتوسيع عضوية مجلس الأمن الدولي، ويتوقع أن يكون لأفريقيا مقعد أو مقعدين، وجنوب أفريقيا هي المرشح الوحيد للقارة.. ما هي مقوِّمات هذه المكانة..؟ هي أكبر اقتصاد أفريقي بلا منافس، وأكبر قوة عسكرية أفريقية، وقواتها الآن تشارك في عمليات حفظ السلام في القارة في عدة دول في السودان بدارفور، وفي جنوب السودان، ومالي، وأفريقيا الوسطى، والكنغو الديمقراطية، ولوسوتو، وتنتشر قواتها البحرية في مضيق موزمبيق لمحاربة القرصنة، وتتولى جنوب أفريقيا رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي. فمدام زوما هي الآن على رأس الجهاز التنفيذي للاتحاد، كما أن جنوب أفريقيا عضو في تجمع بريكس الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل، وهو تجمع له أهميته السياسية والاقتصادية العالمية والرئيس زوما عضو في مجموعة دول السبع و وقروب العشرين. نعود لأهمية الزيارة ومجيء الرئيس زوما للسودان..؟ جنوب أفريقيا من أوائل الدول التي صادقت على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، وهذه الزيارة دلالة على موقف واضح من المحكمة واستهدافها للأفارقة والرؤساء الأفارقة. ويتسق هذا الموقف مع كل القرارات السابقة للقادة الأفارقة وخاصة موقفهم في القمة الأخيرة التي انتهت قبل أيام، وكان فيها موقف موحَّد وقوي حتى أن كينيا طالبت بالانسحاب الجماعي من المحكمة. ما هي أبرز الملفات التي بحثها الرئيسان البشير وزوما..؟ بحث الرئيسيان ملفات متعددة في مقدمتها التعاون الثنائي المشترك في عدة مجالات، وكان هناك اهتمام كبير من الرئيس زوما بما يحدث في الإطار الإقليمي خاصة مشكلة الصراع في جنوب السودان.. وهذا نابع من أن لجنوب أفريقيا إستراتيجية تدعو لوجوب حل الشماكل الأفريقية داخل البيت الأفريقي وأن تدخل الغربيين يعقد المشاكل.. ولها كذلك اهتمام خاص بما يدور في السودان وجنوب السودان قبل نيفاشا وبعدها ولا يزال الرئيس السابق ثامبو مبيكي يقوم بدوره. ومؤخراً تم تعيين نائب الرئيس زوما (راما كوسا) مبعوثاً لجنوب أفريقيا للسلام في جنوب السودان، وتشعر جنوب أفريقيا أن الحل لابد أن يتم الاستعجال من أجله لاعتقادها أن الإيقاد لا تزال بطيئة ولم تصل لحل.. وتم التداول بين الرئيسين حول هذه المشكلة، وناشدا الأطراف في جنوب السودان لإنهاء الصراع وإيقاف القتال والبحث عن حلول عن طريق التفاوض.. كيف كان لقاء الرئيسين، وما هي تمخضاته..؟ استغرق اللقاء وقتاً أكثر بكثير مما كان محدداً له، وتفهَّم الرئيس زوما أو خرج وهو أكثر تفهُّماً في أول زيارة له للبلاد لحقيقة الأوضاع في السودان.. واستمع للرئيس الشير الذي شرح له وضع السودان خلال الفترة الماضية قبيل الانفصال، وتاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب، وما صنعه الاستعمار من قانون المناطق المقفولة والحرب التي اندلعت قبيل الاستقلال ومعاناة السودان الموحَّد مع الحرب ومعاناته ما بعد الانفصال الذي كان الأمل أن يحل الاستقرار والسلام بعده.. وركَّز البشير كذلك على أن الدول الغربية أساءت فهم السودان وشوَّشت عليه وشوَّهت صورته.. _ ما هي انعكاسات ذلك على الرئيس زوما..؟ الرئيس زوما استمع جيداً وتفهَّم حقيقة ما يدور في السودان، وستكون هناك زيارة أخرى أكبر من هذه الزيارة، سيكون فيها هو وعدد كبير من وزراء حكومته ورجال الأعمال، وهي زيارة مخصصة لبرامج التعاون الاقتصادي. ما هي مجالات هذا التعاون..؟ نحن في حاجة إلى جنوب أفريقيا وتقنيتها وتطوُّرها التكنولوجي في مجالات كثيرة، أهمها التعدين. فالدخل القومي الجنوب أفريقي يعتمد بنسبة 47%على التعدين ولديهم تقنية حديثة في ذلك ولا يستخدمون الزئبق في استخلاص المعادن خاصة الذهب.. وهناك مجال الزراعة والصناعة وغيرها.. _ هل هناك خطوات للاستفادة من الخبرة الجنوب أفريقية في هذه المجالات؟ في مجال الزراعة تسعى السفارة بالاتفاق مع وزارتي الزراعة في البلدين لإقامة ملتقى زراعي ضمن ملتقيات متخصصة أخرى وسيكون التركيز فيها على البذور وإنتاج البذور المحسَّنة والتربة والري والتجارة والتسويق للإنتاج الزراعي. والسودان مؤهل لاستقطاب الفاعليات الاقتصادية من جنوب أفريقيا، فهو يملك الأرض والماء والطقس الملائم والقرب من مناطق الاستهلاك والأسواق الكبيرة في أوروبا والعالم العربي. وستكون هناك أعمال مشتركة في كل المجالات.. هل تم تأطير آليات هذا التعاون المشترك..؟ منذ 2006 تم الاتفاق على لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، تعقد اجتماعاتها بالتناوب وتجتمع سنوياً على أن تكون لها لجان متخصصة ولجان فرعية تغطي كل جوانب التعاون الاقتصادي. هذه اللجنة تم تعزيزها وسيتم العمل في إطارها قريباً جداً.. هل هناك خطوات ملموسة في هذا الاتجاه..؟ * من الخطوات الملموسة، هي الرغبة في إتمام الزيارة الكبرى المرتقبة قريباً، وفي هذا الشأن تم الاتفاق على ربط البلدين بخطوط طيران وستزور وزير الاتصالات في جنوب أفريقيا الخرطوم ومعها مدير الخطوط الجوية لبلدها. وستتبعها زيارات متبادلة حتى ينجز ما تم الاتفاق عليه.. هل التقى الرئيس زوما بعدد آخر من المسؤولين..؟ التقى بالفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي شرح له بالتفصيل الأوضاع في البلاد، ومستجداتها وما يدور في المنطقة وأهمية المُضي قُدُماً في التعاون بين البلدين، ودعا لتمتين وتعزيز العلاقة بين الحزبين الحاكمين، كما زاره في مقر أقامته رئيس المجلس الوطني د. الفاتح عز الدين وتناول اللقاء ضرورة ربط البرلمانين في البلدين. نقلا عن صحيفة الانتباهة 2/2/2015م