إذا لم يكن من حسن حظ الحكومة السودانية أنها تقف على عتبة الانتخابات العامة وهي تتمتع بعلاقات إقليمية ودولية أفضل من شأنها أن تدعم وبقوة موقفها الانتخابي لدى الناخب السوداني، فإن من المؤكد أن من سوء حظ قوى المعارضة السودانية -سياسية ومسلحة- أن الحكومة السودانية على اية حال تخوض العملية الانتخابية والمجتمع الدولي غاضب عليها! ولا شك أن قوى المعارضة السودانية التي كادت تصاب بالجنون جراء التقارب السوداني الأمريكي الأخير المصحوب برفع جزئي للحظر الاقتصادي الأحادي الجانب المفروض على السودان منذ عقود، إنما تدفع ثمن استهتارها بالمعطيات السياسية في السودان وتقلبات السياسة وقضية المصالح الدولية الحاكم الوحيدة للعلاقات الدولية. ولو كانت الحكومة السودانية تبحث -بأي ثمن- عن أية محفزات سياسية تعينها على خوض استحقاق الانتخابي قررت قوى المعارضة مقاطعه لما وجدت أفضل من أن تنجح فى وضع قاطرة علاقاتها الإقليمية والدولية على القضبان. فالناخب السوداني اللماح سوف يسارع دون شك لوضع صوته داخل صندوق الاقتراع أملاً في أن تجني بلاده في المرحلة المقبلة حظوظاً أوفر جراء هذا التحسن في علاقاتها مع دول كبرى، ودول إقليمية مؤثرة تأثيراً بالغاً. لقد أصبح للناخب السوداني الآن حافز سياسي ضخم يدفعه دفعاً لتحديد خياره السياسي للاستفادة من هذا الانفراج الايجابي الكبير. بالمقابل فإن قوى المعارضة التي لا نلومها على عدم قدرتها على القراءة الجيدة لمآلات الأمور طالما ظلت ولطوال عقدين ونيف من الزمان تحصر نفسها فى اعتقادها الخاطئ بأنها الخيار الوحيد للحكومة القائمة، ما يزال بوسعها ان تكف أذاها عن الملعب السياسي وان تنتبه الى ان المضمار السياسي اخطر من أن يحتمل وضع البيض كله في سلة واحدة. أزمة قوى المعارضة السودانية تقف فقط عند حدود بقاءها خارج الزمن، وبعيداً عن التأثير الفاعل، ولكنها تتصاعد حتى عن إجادة قراءة المعطيات والظروف بصفة معقولة، ولهذا فإن قوى المعارضة التي ألهبت ظهر المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي الأصل وبقية قوى آلية 7 + 7 التى قررت خوض الانتخابات، هي الآن دون شك تضمر في قرارة نفسها حسداً خاصاً لهذه القوى كونها قررت منذ البداية الحوار على علّاته وخوض العملية الانتخابية مهما كانت مآلاتها وظروفها. فعلى الأقل فإن الولاياتالمتحدة الآن وفى هذه الظروف لن تسعى للتقليل من العملية الانتخابية أو الطعن فيها أو انتقادها -سلباً أو ايجاباً- وهذا إذا حدث؛ هو حادث لا محالة فإن قوى المعارضة سيساورها شعور بالنقص كونها تراهن على أن تكون واشنطن فى صفها فى مثل هذه الظروف. الأمر الآخر الأكثر أهمية أن الناخب السوداني وإضافة الى محفزاته السياسية التى اشرنا إليها لن يجد سبباً واحد لمسايرة قوى المعارضة فى خططها الرامية لمقاطعة العملية الانتخابية وإفشالها، ففي خضم الفوضى الأمنية الضاربة بأطنابها فى الجارة ليبيا، واليمن وسوريا، فى ظل المخاوف بإمكانية ظهور حركات متطرفة (داعش وبوكو حرام) فإن من المحتم أن يتجه الناخب السوداني باتجاه تدعيم وجود سلطة سياسية منتخبة، تبدو ضروراتها -لسوء حظ المعارضة- أكثر من اي وقت مضى!