اذا نظرنا إلى تركيبة القوى السياسية الداخلية في المشهد السياسي السوداني نجد أن تحالف قوى المعارضة يتشكل بصورة رئيسة من عدة احزاب على رأسها احزاب تقليدية عمرها أكثر من خمسين عاماً، وتوصف احزاب المعارضة من قبل العديد من المراقبين ب"المتشاكسين" حيث كثر اختلافها في العديد من الاتفاقيات والنداءات ضد الحكومة، فبعد التوقيع مباشرة تكثر التصريحات من القوى السياسية المعارضة نفسها ضد الاتفاق المبرم في احدى عواصم الدول، ل"وثيقة الفجر الجديد" و"اعلان باريس" و"نداء السودان".. والآن "نداء برلين".. الذي انتقدته بعض قوى المعارضة قبل وصول الوفود الى المكان المزمع الاجتماع به، حيث أعلن حزب البعث عدم رضائه بهذا الاتفاق واعتبره الناطق الرسمي باسم الحزب محمد ضياء الدين فرضاً لارادة دولية تقود الى تسوية سياسية مع الحكومة، مبرراً رفض حزبه للاتفاق ان اجتماع قادة المعارضة على قلب رجل واحد بات ضرباً من ضروب الخيال وحلماً بعيد المنال. الجدير بالذكر أن المشاركين في اجتماع برلين كان حوالي "50" من قادة المعارضة بشقيها المدني وحاملي السلاح على رأسهم الامام الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي ورئيس قطاع الشمال مالك عقار ورئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور والسكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب، والاستاذ كمال الجزولي وبابكر محمد الحسن بينما غاب عن الاجتماع مني اركو مناوي وجبريل ابراهيم، ووقعت قوى "نداء السودان بالعاصمة الالمانية على وثيقة "إعلان برلين"، جددت فيها شروطها للمشاركة في الاجتماع التحضيري باديس ابابا لمناقشة قضايا الحوار الوطني. وقد اجتمعت المعارضة السودانية ببرلين يومي 25 و26 من فبراير الجاري في اطار برنامج مدعوم من وزارة الخارجية الالمانية يهدف إلى إنجاح مهمة "الآلية الأفريقية رفيعة المستوى" برئاسة ثابو مبيكي في الوصول الى السلام عبر مفاوضات اديس ابابا وتحقيق تسوية بين الحكومة والمعارضة في اطار "الحوار الوطني". واشترطت قوى "نداء السودان" وتشمل "الجبهة الثورية" و"حزب الأمة القومي" و"قوى الاجماع الوطني" و"مبادرة المجتمع المدني" اشترطت لدخولها في أي حوار مع الحكومة وقف الحرب ومخاطبة ما أسمته "جذور الأزمة في السودان" والسماح للإغاثة بالانسياب إلى مناطق الحرب دون قيد أو شرط، وإطلاق الحريات العامة، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين السياسيين، وإلغاء التعديلات الدستورية الأخيرة، وشددت على أن "الحوار الوطني" يجب أني فضي إلى تكوين حكومة انتقالية لا يرأسها المؤتمر الوطني لكي تشرف على "المؤتمر الدستوري" ثم الانتخابات. يذكر أن قوى "نداء السودان" دشنت حملة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها في أبريل 2015. وفي السياق عبر وزير الخارجية الألماني فالتر شتاينماير في تعميم صحفي عن سعي بلاده لتحقيق ما أسماه "السلام والمصالحة في السودان عبر الحوار الوطني"، إلا انه ببرلين حدثت العديد من التشاكسات وخلافات داخل الاجتماع واختلاف في الرؤى الى أن وصل التنابذ والتشاكس بخلاف بين جناحي الأمة القومي والجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني حول عدم المشاركة في الاجتماع التحضيري الذي يعتزم الوسيط الأفريقي عقده في أديس خلال هذا العام للتحضير الى الحوار الوطني إلا بعد تفعيل الحكومة لاستحقاقات بناء الثقة وتجميد العملية الانتخابية المزمع إجراؤها وإلغاء التعديلات الدستورية وإطلاق سراح المعتقلين سياسياً، الا أن الخلاف لم يقف على ذلك فحسب بل عارض عبد الواحد نور مشاركة كونفدرالية منظمات المجتمع المدني في تحالف قوى "نداء السودان" بحجة أنها لا تمثل المجتمع المدني مما جعل عبد الواحد يصدر قرار الانسحاب من نداء السودان، مما يؤكد أن الخلافات كبيرة وغير محصورة في قضايا معينة، كما خرج كمال الجزولي من قاعة الاجتماعات عندما بدأ عبد الواحد يتحدث مؤكداً بذلك الموقف اعتراضه على مواقف نور الاقصائية، وتبرأ حزب البعث العربي الاشتراكي من مشاركة القيادي بالحزب فتحي نوري في مؤتمر برلين متوعداً بمحاسبته فور عودته للخرطوم، ونفس هذا الموقف وقفه الحزب الشيوعي السوداني أبان توقيع وثيقة الفجر الجديد في كمبالا حيث كان من الموقعين القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف وبعد إعلان التوقيع تبرأ الحزب من مشاركة القيادي وعضو اللجنة المركزية وأكد الحزب أنه لم يرسل مندوباً بأسمه ليوقع اتفاقاً وان تفويضه ينحصر على التباحث مع قوى المعارضة المسلحة حول إيجاد بدائل لإسقاط الحكومة، وأكد المراقبون أن هذا التشاكس بين قوى المعارضة جعل الحكومة تقبل بطلب الحكومة الألمانية لعقد المؤتمر حتى تعرف ألمانيا مدى تشاكس قوى المعارضة فيما بينهم، وهو نفس السبب الذي سمحت بموجبه الحكومة مغادرة الخرطوم لقادة الأحزاب المعارضة. وكان حزب المؤتمر الوطني قد توقع فشل الملتقى الذي دعت له الحكومة الألمانية ومعهد "ماكس بلانك" لحضور ورشة تفاكرية حول سبل حل الأزمة السودانية، واعتبر عدم توافق القوى السياسية المعارضة حوله "نتاجاً متوقعاً"، وأعلن عدد من أحزاب المعارضة على رأسها المؤتمر الشعبي، البعث، حشد الوحدوي إضافة الى حركة "علي محمود حسنين" وهيئة محاميي دارفور، رفضهم المشاركة في الورشة لأسباب مختلفة، ودمغ الوطني المعارضة الرافضة للحوار بأنها تبحث عن مصالحها الشخصية لا الوطنية، وقال رئيس اللجنة العدلية "الفاضل حاج سليمان" بأنه متوقع بأن لا تتوافق هذه القوى المعارضة والتي لم تتوافق وتجد حلولاً لمشاكلها داخل الوطن، ناهيك عن خارج البلاد وتحت مظلة دولية، واستطرد : "لو كانوا يبحثون عن حلول للوطن لكانوا رضوا بالمشاركة في الحوار الوطني وحدثت وجهات نظر متقاربة" وهاجم "الفاضل القوى السياسية المعارضة المشاركة والرافضة في ملتقى "برلين".وقال : "كل واحد بفتش عن مصالحو الشخصية وقاعدين برا البلد ومبسوطين، لكن على ارض الواقع ما عندهم وجود" وأضاف : "يعني علي محمود حسنين يتلكم عن رفضوا للمشاركة طيب هو عندو شنو على ارض الواقع في السودان من جماهير عشان يتكلم" وتوقع "الفاضل" فشل ملتقى "برلين" وقال : "من يبحث عن حلول من أجل الوطن، عليه أن يبحث عنها داخل البلاد ويعقد مؤتمراته بها لا خارجها، وبهذه النتيجة أصبح "نداء برلين" نسخة طبق الأصل من "نداء السودان" الذي انتقدته عدد من قوى المعارضة. نقلاً عن صحيفة الصحافة 1/3/215م