بقلم : د. أبو القاسم محمد حبيب الله ظاهرة التحزب في بلادنا اتخذت منحى خطيراً وطريقاً صعباً، إذ ليس من الممكن أن تكون في بلادنا ثلاثة وثمانين حزباً وقابل للزيادة لأن ما زالت الخلافات والتباين في الآراء مستمر يتطور كل يوم مع تطور الحياة السياسية في بلادنا التي لا تعرف الوحدة والاتحاد، وكل الذي تعرفه القوى السياسية والقيادات السياسية هو الخلاف والانقسام والانشقاق، كل عشرة اختلفوا مع حزبهم كونوا حزباً جديداً وهكذا ولا حتى عشرة كل اثنين كونوا حزباً. الشاهد في الموضوع أن الأحزاب السياسية في السودان كلها خرجت من رحم مؤتمر الخريجين العام نتيجة للخلافات في التعامل مع السياسة البريطانية آنذاك إلا أنها أخيراً انحصرت في حركتين الحركة الاتحادية وتمثلها الأحزاب الاتحادية والحركة الاستقلالية التي تنادي بالسودان للسودانيين وتمثلها الأحزاب الاستقلالية، ولقد استفاد الإنجليز من هذا التباين الحزبي أيما استفادة في سبيل تدعيم أركان حكمهم في بلادنا. نلاحظ أن سبيل تدعيم أركان حكمهم قد ظهرت بوادر الشقاق في الحزب الواحد، وقد ينشطر الحزب ويمر بمرحلة، فينقسم على نفسه مرتين وثلاثة، وكل هذه الأحزاب انقسمت حتى المؤتمر الوطني الذي يحكم البلاد لا يخلو من خروج بعض أعضائه كحزب الترابي وحزب غازي صلاح الدين وإذا رجعت إلى الأحزاب التقليدية في بلادنا، التي كانت تأتلف لحكم البلاد تجدها تعاني من انقسامات حادة وأمامك حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي كل هذه الأحزاب أصبحت أحزاب التجزئة أي أحزاب بالقطاعي، وهناك حزب بص كبير وآخر حافلة وآخر كريز وآخر أمجاد وآخر ركشة أي أعني هناك جماهير تملأ حجم هذه المركبات، فحتى الأحزاب الركشة تريد أن تحكم البلاد أي بمعنى أن فيها جماهير لا يتعدوا ركاب الركشة وكذلك الأمجاد وغيرها، فعلى الجهات المسؤولة عن التنظيمات السياسية في بلادنا أن تفرض عضوية معينة لكل حزب حتى تخرج من زحمة الأحزاب الكثيرة، وكل يوم حزب وكل يوم جماعة انسلخت من الحزب لأسباب غير موضوعية أو يفصلوا لرفضهم قرار صادر من المكتب القيادي، فلابد من المجلس المسؤول عن الأحزاب السياسية وضع ضوابط لتكوينات الأحزاب وإلا أصابنا مليون حزب في بلدنا التي تعاني من ظروف اقتصادية حادة وأهله يتطلعون إلى حياة الرفاهية والحرية والعدل. فلابد من أن تكبح جماح السياسيين بوضع شروط مقيدة للتنظيمات الحزبية وإلا عشنا جميعاً صراعاً حزبياً غير متكافئ لا يخدم بلادنا ولا يقدم شئ يذكر تجاه المواطنين والجماهير السودانية. إن ظاهرة التحزب أمر خطير جداً لأنه لا يخدم السياسة في بلادنا ويوسع دائرة الخلاف في القضايا الجوهرية للوطن، وإن هذا الأمر يستهدف الثوابت الوطنية ويخلق نوعاً من الفوضى وأمامنا العالم كله والدول الكبرى لم يكن فيها مثل هذا العدو من الأحزاب. وإننا نوجه الدعوة لكافة الأحزاب السودانية وتطلب منها الاتحاد والاتفاق وبناء أحزاب جديدة تحمل أهدافاً وطنية، وتسعى لتحقيق الثوابت الوطنية المطلوبة. فعلى الأحزاب أن تتفق في الرؤى ووجهات النظر وتترك الخلاف والشقاق والانقسام لنبني وطن السودان الجديد بعيداً عن العصبية الحزبية وبعيداً عن الصراع المسلح ومن حق الحركات المسلحة أن تنضوي تحت لواء أي حزب من الأحزاب السودانية وأكيد إذا اتحدت هذه الأحزاب سوف تشكل حكومة قوية وراشدة ومعارضة راشدة وقوية، وبالتالي تتخلص من الصراع الحزبي والصراع للوصول إلى السلطة لأن وقتها تكون السلطة لمن يريد أن يبني وطنه ليس من أجل مصلحة حزب أو فئة بعينها من الناس أو طائفة أو فنية، فالسودان ملك للجميع، فعلى الأخوة في الأحزاب السياسية طي الخلافات وفتح صفحة جديدة مفادها ومغزاها بناء دولة السودان الحديثة. نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 3/3/215م