ثلاثون عاماً مضت والذاكرة السودانية تسترجع ذكريات الشوارع والهتاف وفرع النيم يتهادي ويتمايل علي أيدي المنتفضين ضد مايو ورمزها النميري. بلا شك كانت انتفاضة شعب وجيش أفرزتها تراكمت الحقبة النميرية (جزيرة كنز السياسة السودانية) لاحتشادها بالأحداث والمواقف التي مازالت مسيطرة علي الراهن السياسي وتداعياته والتي عن الديمقراطية كانت مايو حاضرة، وفي الشريعة والإسلام السياسي تطل مايو، وأينما ولي الشيوعيون وجههم قبل المشرق والمغرب تذكروا قسوة الأيام ونميري يجزهم إلا قليلاً من الرفاق ليحدثونا عن أناتهم وأحزانهم ويخبروا القادمون أي حزب حملوها. وحين يتحدث الناس عن المثقف والسلطة والتماهي يتذكر الناس تدجين المثقف السياسي وأنت يا مايو الخلاص وأبوكم مين نميري، وكلما لاج حزب الأنصار بذكري الجزيرة أبا والطائرات علي أجنحتها المنجنيف، وكلما جاءت ذكري المشانق ومحمود الأصيل متدليا من حبل المسد المايوي.. الخ ذكريات الأحزاب والأفراح والأشجان المايوية الباقية والمقيمة في الوجدان السوداني.. وما من حزب وإلا كان له من مايو نصيب من العذاب والثواب. واليوم ذكري أبريل.. والحزين الصاعق أنها جذوة النضال وما أثير حولها من احتفالية الخلاص وبزوغ فجر الديمقراطية، أن تلك الجذوة وبريقها انطفأ في عام واحد حينما اعتمدت هيئة التجمع والنقابات عاماً للفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات بعد غياب 16 سنة من العمل السياسي والتنظيمي، وهذا الخلل السياسي ظهرت نتائجه في حكومة ما بعد الانتقالية المنتخبة وعدم الاتفاق علي برنامج سياسي حيث كون رئيس الوزراء المنتخب الصادق المهدي أكثر من حكومة وائتلاف في عامين، هذا الاضطراب أضعف مجهودات الشعب ونضالاته في 6 أبريل بل وأدخل الإحباط الشعبي أسفا علي إضافة تلك المكتسبات، إذ تعد الإنقاذ واحدة من إفرازات التعجل في الانتخابات وقصر فترة الانتقال في مرحلة ما بعد النميري. وما بين أبريل 1985 وأبريل 2015 انتفاضة النيم والصندوق، أما النيم فهو الذكري المنسية التي وئدت حينما سرقت الأحزاب الجهد التلقائي والشعبي وحراك النقابات، وحينما أقرت الأحزاب كنس آثار مايو ومحاصرة السدنة والتضييق عليهم فحملوا مفاتيح المدينة وشفرات الأمن والخدمة المدنية والاقتصاد والمجتمع. أما الصندوق الانتخابي فهو الآخر انتفاضة صامتة تجئ متزامنة مع ذكري أبريل بدأت حينما تم أبعاد قيادات الصف الأول من الإنقاذ من كابينة القيادة التنفيذية والحزبية، الانتفاض ضد انتخاب الوالي والوقاية من أمراض القبلية والجهوية وثغرات الحكم الفيدرالي، ومؤشرات الانتخاب تشير إلي أن إبريل 2015 يؤسس لعلاقات دولية ودبلوماسية مختلفة، وضع اقتصادي مختلف، قيادات مختلفة وإنقاذ مختلفة. علي العموم تظل ثلاثينية الانتفاضة مدرية السياسة السودانية المفتوحة وبها دروس الماضي والحاضر والمستقبل وفيها تجد سيرة أهل المبادئ وأفعال الانتهازيين والمناضلين من منازلهم، وعندما استلهام (إذا الشعب يوما أراد – قوة الشعب) وفيها سيرة الحزب والإحباط، وتصلح لقياس الحال وتكرار التجربة والمقاصد والنهايات. أننا أمام أضخم لوحة سودانية شكلت لحدث السوداني مازال صداها يرن يرن وأعتقد أن 6 أبريل لعبت عبقرية النميري في زواج كل السياسيين وأحزابهم من مايو يسارا ويمينا ووسطا كلهم كانوا في فلكه يقدمون فروض الولاء والطاعة إماماً ومخلصاً، كما أن مآلات الانتفاضة وانتهازية وخلاف الأحزاب حول كيكة الحكم تجيب علي السؤال الشهير عند بداية الإنقاذ: من أين أتي هؤلاء؟. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 6/4/2015م