تحل فى الثامن عشر من أبريل هذا العام الذكرى الستون لمؤتمر باندونج الذى انعقد فى مدينة باندونج بإندونيسيا عام 1955 وذلك بحضور جمع من وفود 29 دولة إفريقية وآسيوية، حيث كان اللبنة الاولى التى أسست لظهور حركة عدم الانحياز فى عام 1961 والذى شارك بالحضور فيه ستة من أبرز الرؤساء الذين يعد ذكرهم عنواناً بارزا لحركة عدم الانحياز وهم: جمال عبدالناصر (مصر)، جواهر لال نهرو (الهند)، شوان لاى (الصين)، جوزيف تيتو (يوجوسلافيا)، أحمد سوكارنو (إندونيسيا)، كوامى نكروما (غانا)، حيث قاد هؤلاء الرؤساء زمام المبادرة فى إطار بيئة دولية وإقليمية جديدة شهدت أحداثا مفصلية نعتبرها الآن أحداثاً تاريخية مهمة، يعد من أبرزها الاستقطاب الحاد ما بين المعسكر الشيوعى بقيادة الاتحاد السوفيتى ممثلا فى حلف وارسو، والمعسكر الرأسمالى بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ممثلا فى حلف شمال الأطلنطي، حيث استقطب كل معسكر مجموعة من الدول الموالية له, وهو الحدث الذى عد الدافع الأكبر لعدد من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية للعمل على معارضته بالاتجاه لرسم طريقها نحو المستقبل من خلال قناعة تامة بالحياد وعدم الانحياز الذى سيضمن عدم إقحامها فى مجال الصراعات ومناطق النفوذ الخاصة بالمعسكرين، فضلا عما يمكن أن يولده هذا الحياد من تعزيز قدراتها وإمكانياتها، الأمر الذى سيدفع بها فى مجال تحقيق التنمية بأبعادها المختلفة. وقد قامت الحركة على عشرة مبادئ أساسية يعد من أبرزها إقرار مبدأ المساواة بين جميع الدول، واحترام سيادة ووحدة الدول، واحترام حقوق الإنسان، والتسوية السلمية للمنازعات، وتنمية التعاون بين الدول. وهى فى مجملها المبادئ التى استندت لأهداف عدة من بينها: تحقيق التعايش السلمي، والقضاء على الاستعمار بكل أشكاله، وتحقيق التنمية الاقتصادية من خلال التعاون الدولي، ونزع السلاح ومنع التجارب النووية، ورفض سياسة التمييز العنصري. وتشير المتابعة السريعة لنتائج حركة الانحياز على مدى ستين عاماً الى استمرار روح باندونج بشكل أو آخر، وذلك بدءا من المؤتمر الأول للحركة فى بلجراد عام 1961 وحضره (25 دولة) الى المؤتمر الاخير فى طهران عام 2012 والذى وصل عدد الأعضاء فيه إلى (120 دولة) فضلاً عن 18 دولة كمراقب، و10 منظمات، إذ استطاعت الحركة تحقيق عديد من الانتصارات على الرغم من عديد من الإخفاقات، والتى يعد من أبرزها على الإطلاق استمرارية وجودها على ساحة العمل العام الى الآن، خاصة فى إطار عديد من الأصوات التى ارتفعت خاصة عقب انهيار الكتلة الشرقية بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، والتى طالبت بإلغاء الحركة بعد نهاية الصراع بين الكتلتين وعدم وجود جدوى للحركة، إلا أن أعضاء الحركة قرروا استمرارها وأصروا على أهميتها كصرح عملاق لايزال له دور يؤديه خاصة مع تعاظم دور وقوة ونفوذ الولاياتالمتحدةالأمريكية واستمرارية المشكلات التى سعت الحركة للتصدى لها، والتى انعكست فى مبادئها وأهدافها. وعلى الرغم بعض الكبوات التى مرت بها الحركة إلا أنها استطاعت وبحق تحقيق نجاحات لها من ناحيتين: الناحية الأولى خاصة بالكم حيث ارتفع عدد أعضائها من 25 دولة فى مؤتمر بلجراد عام 1961 الى 120 دولة فى مؤتمر طهران عام 2012، عقدت خلال هذا التاريخ سبع عشرة قمة (بواقع قمة كل ثلاث سنوات) فى مختلف عواصم الدول الأعضاء, والناحية الثانية تتصل بالكيف إذ استطاعت الحركة تحقيق نتائج إيجابية عدة فى ثلاثة مجالات أساسية. ففى المجال السياسى تبنت الحركة قضايا مهمة من بينها : إصلاح الأممالمتحدة، محاربة الإرهاب، مكافحة التدخل فى الشئون الداخلية للدول، والتسوية السلمية للخلافات بين الدول وضرورة إيجاد حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة الاستخدام السلمى للطاقة النووية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة. وفى المجال الاقتصادى اهتمت الحركة بالدعوة الى إقامة نظام اقتصادى عالمى عادل، وإصلاح نظام النقد الدولى وتشجيع تعاون الجنوب - الجنوب، والعمل على إيجاد حل لمشكلة المديونية والتخلف. وفى المجال الثقافى طالبت الحركة بضرورة تهيئة المناخ لإنجاح الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة، واحترام التنوع ومعارضة فرض الثقافات والحضارات . ومن المهم التأكيد أن حركة عدم الانحياز تعبر بحق عن ملحمة حاولت دولها على مدى ستين عاماً ومازالت تحاول الإجابة على السؤال الأزلى نكون أو لا نكون؟ حيث قدمت نفسها كمنبر مهم لدول العالم النامى تمارس من خلاله جزءاً من مهامها وتعبر عن قوة مهمة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه, استطاعت بقدر كبير من التصميم أن تعبر عن عدد من أهم قضاياها من خلال إدارة قوية للفاعلين أطراف التعاقد معتمدة فى هذا على أسباب عدة للتضامن بين دولها أبرزها الأسباب المباشرة القريبة من دولها، والممثلة فى الواقع الذى تعيشه بمشكلاته وتحدياته المختلفة ورغبتها فى أن تحدد مصيرها بإرادة حرة. وتمثلت الأدوات التى ساعدتها على هذا فى اتباع السلمية كمسلك وطريق نهائي، ومن المهم على دول عدم الانحياز أن تستلهم الآن أكثر من أى وقت مضى روح باندونج لمواجهة ما يعترضها من مشكلات، مع إضافة أهداف وإدخال آليات جديدة تضفى قيمة على تضامن دول العالم النامى وتدفعه مرة أخرى الى أرض الواقع، معلنة استمرار ملحمة الإنسان وتحديه الدائم لإيجاد عالم يقوم على الحياد الإيجابى ويبعد عن القهر والاستغلال والاستقطاب. المصدر: الاهرام 15/4/2015م