طوال عام 2014 وحتى الآن من عام ،2015 كانت روسيا تتعرض لهجوم عنيد من قبل النخبة الغربية التي دخلت في حرب اقتصادية، واستراتيجية وإعلامية في مسعى لفرض تغيير النظام في موسكو . وهذا واقع موثق جيداً الآن، ولكن ما لم يوثق جيداً هو قدرة الشعب الروسي على الصمود أمام مثل هذه المصاعب الاقتصادية والهجمات الشاملة عبر تاريخه، والبقاء مع ذلك شعباً قوياً ومتماسكاً . وروسيا هي أحد أكثر البلدان التي تنفرد بمثل هذه القدرة في العالم، وقد ردت على العقوبات والشيطنة الإعلامية بطريقة ما كان ليستطيعها أي بلد آخر، وإسقاط الحكومة الروسية هو تحد للغرب أكبر بكثير من تحدي اسقاط أي نظام آخر في العالم، كما أنه تحد يمكن أن ينجح بقدر ما يمكن أن يرتد على الغرب ويتسبب بانقسامات في صفوفه . في ديسمبر/ كانون الأول ،2014 نشر العالم السياسي والكاتب الأمريكي جورج فريدمان، مؤسس ورئيس مؤسسة "ستراتفور" لتحليل التوقعات الجيوسياسية (والمعروفة أيضاً بأنها ظل ال "سي آي آيه") مقالاً بعنوان "رؤية روسيا من الداخل"، عرض فيه بالتفصيل قدرة روسيا على "تحمل أشياء كانت لتحطم أمماً أخرى"، واستنتج بأن "روسيا لا تستجيب للضغط الاقتصادي كما يفعل الغربيون" . وكتب يقول: "تكمن قوة الروس في أنهم يستطيعون تحمل أشياء كانت لتحطم أمماً أخرى" . ولهذا يؤكد الروس أن أحداً يجب ألا يتوقع أن تدفع العقوبات، مهما تكن قاسية، روسيا إلى الاستسلام . . وهذا يفسر لماذا تشديد العقوبات، مضافاً إليها انخفاض أسعار البترول والتراجع الاقتصادي، لم يؤد إلى تآكل الثقة الشعبية، كما يمكن توقع ذلك . وتظهر نتائج موثوقة لاستطلاعات رأي أن الرئيس فلاديمير بوتين لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة . ومسألة ما إذا كان سيبقى يتمتع بهذه الشعبية مع تفاقم التدهور الاقتصادي هي مسألة أخرى . ولكن بالنسبة لي، فإن الدرس الأهم الذي تعلمته في روسيا هو أن الروس لا يستجيبون للضغط الاقتصادي بالطريقة التي يستجيب بها الغربيون" . إن سمات الدولة "الروسية والشعب الروسي تعني أن فرض عقوبات يفشل في تحقيق الأثر الذي يبتغيه المهاجم . وفعالية فرض عقوبات على موسكو كانت موضوع مقال كتبه كليفورد غادي وباري آيكس في موقع معهد بروكينغز للدراسات في واشنطن (في 3 يونيو/ حزيران 2014) بعنوان "هل يمكن للعقوبات أن توقف بوتين؟" . وقال الكاتبان في المقال: "إن الدافع للعقوبات هو فرض شدة تؤدي إلى تغيير في السلوك . ولكن احتمال أن ينطبق هذا على روسيا ضعيف جداً . فالتاريخ يخبرنا أن الروس يمكنهم تحمل شدة جسيمة . والبقاء والتغلب على الصعاب جزء من تاريخ روسيا والهوية الوطنية الروسية . ولسنا نحتاج إلى الاستشهاد بأحداث درامية مثل حصار ليننغراد خلال الحرب العالمية الثانية لكي ندرك أن الروس قادرون على التغلب على أوضاع صعبة . وقبل أقل من عقدين، في التسعينات، عانت روسيا إحدى أكبر الصدمات الاقتصادية السلبية التي واجهها بلد يوماً في زمن السلم . إذ إن المداخيل الوطنية والعائلية انخفضت بنسبة 40% على الأقل . وتظهر تلك التجربة أن العائلات والشركات الروسية يمكنها تحمل تفكك جسيم بفضل آليات للمساعدة المتبادلة والبقاء" . روسيا اليوم هي أقوى بكثير مما كانت في التسعينات، وأحد أسباب ذلك هو تدني الديون الخارجية للحكومة الروسية وامتلاك احتياطيات كبيرة من القطع الأجنبي . ولاحظ غادي وآيكس أيضاً بصورة مثيرة للانتباه أن إضعاف موقف روسيا أكثر "سيتطلب انخفاضاً شديد الحدة في أسعار البترول العالمية" . وعلى الرغم من عقوبات غايتها إضعاف تصميم روسيا، وتلاها، انخفاض في أسعار البترول، فإن روسيا ردت على الحرب الاقتصادية بطريقة مختلفة عما كانت النخبة الغربية تتوقعه . إذ إن هذا الضغط نجح في تقوية معنويات روسيا بدلاً من تحطيمها . وقد أظهر لنا التاريخ المرة تلو المرة ثبات الشعب الروسي عندما يواجه الصعاب . وروسيا في القرن الحادي والعشرين لا تشذ عن هذه القاعدة بأي حال . * باحث وكاتب أمريكي (موقع "غلوبال ريسيرتش") المصدر: الخليج الاماراتية 19/4/2015م
