كلما أطفأ الله أوار حرب قبيلة ويسر لها سبل التهدئة، اشتعلت حرب قبلية أخري، فالكثير من القبائل المتجاورة والمتعايشة علي مدي عقود من الزمن، وتكاد لا تجد قبيلتين لم تندلع بينهما حرب خاصة في جنوب دارفور حيث يكثر عدد القبائل وتتقارب سبل كسبها للعيش، فخلال الأعوام الخمسة الماضية شهدت الولاية حروبات أهلية متكررة شملت قبائل مثل الهبانية والفلاته والسلامات والرزيقات والمعالية، قبل أن تنفصل عنها ولاية شرق دارفور لتشهد الولاية الوليدة واحدة من أعنف الحروبات الأهلية التي وقعت العام الماضي بين الرزيقات والمعاليا ولا تزال تتجدد من حين لآخر . ومن الغريب أن هذه الحروبات لا تعرف حدوداً ولا أثنية، فقد وقعت من قبل قبيلتي المسيرية والرزيقات بالرغم من أن أحدي القبيلتين كانت تسكن في ولاية جنوب كردفان وقتها والأخرى في جنوب دارفور، والأكثر غرابة أن القبيلتين تنحدران من صلب رجل واحد، وهذا يعني أن مبعث النزاع ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بالانتماء العرقي، فأوجه الحياة المختلفة مليئة بمكامن الصراع والنزاع من لدن ابني آدم قابيل وهابيل حيث أول نزاع دموي بين البشر وداخل الأسرة الواحدة، لكن الخلل في توظيف حدث صغير نتيجة نزاع طبيعي بين شخصين ينتمي كل منهما إلي قبيلة لتحويله إلي حرب أهلية شاملة بين القبيلتين. وذلك أمر متكلف ومصنوع بحذاقة وبعمل استخباري وحاضنة سياسية خصبة ضمن أسلوب ونظرية هدم الجدران من أسفل، وهي نظرية تقون علي تفكيك المجتمع إلي مكوناته الأولية من عصبية عرقية أو أثنية أو طائفية ومذهبية كخطوة أولي لتفكيك الدولة إلي دويلات علي المدى البعيد واحتوائها بالصراعات التي تبعدها عن مسارها الاستراتيجي في إقرار السلام واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية لصالح تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي امتلاك أهم عناصر قوة الدولة بالمعايير الإستراتجية. لقد كنت ضمن إخوة زملاء في مهنة التدريب في جولة تدريبية مطلع هذا العام في ولاية شرق دارفور، وأتيحت لنا فرصة التجوال في مناطق القبلتين وتدريب عدد من رموز المجتمع من الطرفين وإدارة حوار شفاف حول وجهة نظر قيادات كل طرف من خلال قاعات التدريب التي تتيح الكثير مما لا يتاح في المظان والملتقيات الأخرى. نقلا عن صحيفة الرأي العام 12/5/2015م