لا تزال القلوب تدمي لحالات الاحتراب القبلي التي راح ضحيتها المئات من القتلى دون وجه حق وآخرها الحرب القبلية التي دارت رحاها بين الرزيقات والمعاليا وحصدت في واقعة (أبو كارنكا) نحو مائتي قتيل من الطرفين بحسب تقديرات غير رسمية، وقد شملت في أتونها الشباب والشيوخ في عصبية بغيضة وفتنة نتنة أمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ندعها، فالناظر إلى الدوافع والمسببات يجد فيها عوامل متكررة في كل حرب أهلية لكن في هذه الحرب بالتحديد ومن خلال وجودي في مناطق القبيلتين مطلع العام الحالي وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً لأي من الطرفين حيث بقى كل طرف في منطقته منذ اندلاع الفتنة في العام الماضي لدرجة أن وزراء ومستشارين في حكومة الولاية من قبيلة المعاليا كانوا يقيمون خارج مقار عملهم لأن الحرب واحنها جعلت وجودهم في الضعين عاصمة الولاية خطرا على حياتهم لإمكان الاعتداء عليهم من أي متفلت على الهوية، وكذا الحال لآخرين من الرزيقات يعملون أو يقيمون في مناطق المعاليا فغادروها لذات الأسباب، ومن خلال معايشتي للأحداث وعلاقاتي الاجتماعية استطيع أن أشير إلى عدد من مسببات أو محرضات النزاع أطلق عليها اسم الحاءات لابتدائها بحرف الحاء وهي دون ترتيب (الحواكير، حصص السلطة والثروة)خاصة في مناطق البترول، الحكامات من الطرفين اللائي يعملن على تعبئة الرجال في كل قبيلة ودفعهم إلى القتال، حمية القبلية ورعونة دافعيتها خاصة لدى فئة الشباب)، ولتفنيد هذه المحركات من وجهة نظري فإن الحواكير تمثل العامل الرئيسي حيث يعتقد احد الطرفين بأن الأرض التي سكنها طرف آخر كانت حاكورته منذ زمن بعيد وبالتالي يجب أن لا يوجد فيها الطرف الثاني بهذه الكيفية بإدارة أهلية مستقلة، بينما يرى الطرف الآخر أن وجوده امتد لمئات السنوات وان الأرض حاكورته، وكل أسباب النزاع الأخرى تغذي على هذا الدافع حيث يستخدم كمحرض للاستفزاز في التعبئة أو عاملاً لإفراغ كل الضغائن في الاحتراب باعتبار أن المسألة مسألة بقاء في الأرض التي يمتلكها الفرد بالوسائل القانونية الشرعية كمنزل أو متجر أو زرع، أما العامل الثاني فهو حصص السلطة والثروة وهذا مبعثه قضية الحواكير حيث يستند كل طرف الى تاريخية وجوده في طلب المزيد من الحصص في السلطة على مستوى الولاية وكذلك بوجود تلك الاحتياطات النفطية التي بدأ استكشافها في بعض محليات الولايات فإن فرص التنمية والخدمات مع بقية المحليات والولاية، والحكامات مثلهن مثل أي وسيلة إعلام يمكن استغلالها في الخير أو الشر وهذا يعتمد على مدى توظيفها وتكوينها المعرفي. والحكامة توظف حمية الشباب وفورتهم وعدم تمكن العقلاء من السيطرة على الأوضاع في تأجيج الفتنة. حاشية : إن كل ما ذكرناه من محركات أو مسببات ليس فيها (ما يكسر عظماً) بحسب المقولة الشعبية، لذا فإن احتواء الصراع ووقف الاقتتال ممكن ومتاح إذا تصدى العقلاء من الطرفين لقيادة مجتمعاتهم وابعدوا الجانحين عن زمام القيادة، وإذا هدأت الأوضاع بجهود الوفود الرسمية والشعبية التي نزلت إلى الميدان والتدخل المباشر من رئاسة الجمهورية، فإن الأمر الأكثر أهمية هو عدم الركون إلى الهدنة والشروع الفوري في معالجة جذور المشكلة حتى لا يتجدد القتال، فثمة عامل خارجي يعمل على تأجيج هذه الصراعات القبلية عقب كل انتصار تحققه القوات النظامية على التمرد. نقلا عن صحيفة الرأي العام 14/5/2015م