السعودية تكشف عن سبب إلغاء تصاريح عدد من حجاج الداخل    منتخب مصر يواجه أزمات قبل موقعة غينيا بيساو بتصفيات المونديال    أحمد موسى يعلن موعد انتهاء تخفيف أحمال الكهرباء    تحقيق أوروبي.. استثمارات ل"اتصالات الإماراتية" في بلغاريا والمجر وصربيا وسلوفاكيا    ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول من القنصليات المصرية.. لسوء الطقس عشرات الموتى في اوساط القادمين بالتهريب الى مصر    بعثة صقور الجديان تصل جوبا    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    السعودية.. استخدام طائرات الدرون لنقل وحدات الدم والعينات المخبرية بسرعة وكفاءة بين مستشفيات المشاعر المقدسة    سفارة السودان في واشنطن تعلق على حظر وزارة الخزانة الأمريكية ل(7) شركات لتورُّطها المُحتمل في الحرب السودانية    بعد ساعات من حادث مماثل.. مصرع أسرة سودانية ثانية في مصر    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    تعليق مثير من زيدان على انتقال مبابي لريال مدريد    توتي الضحية    مصر تتفوق عالميًا بمؤشر جودة الطرق.. قفزت 100 مركز خلال 10 سنوات    نصائح مهمة لنوم أفضل    أشاد بالأداء والنتيجة..دكتور معتصم جعغر يهاتف اللاعبين والجهاز الفني مهنئاً بالانتصار    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السودان..نائب القائد العام يغادر إلى مالي والنيجر    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النزاعات: الحل الآن وبمرجعية الدوحة
نشر في سودان سفاري يوم 25 - 05 - 2015

في مقال سابق، أشرت إلى أن أفضل سياقات العلاج لقضايا النزاعات الإثنية القبلية في دارفور، بما في ذلك النزاع الكارثي المدمر الذي جرى مؤخراً بين قبيلتي المعاليا والرزيقات، هو سباق تعميق الوعي بضرورة تطبيق وثيقة الدوحة وفق ما ورد فيها من مواد أساس في مجال الحقيقة والمصالحة.
إن الباحثين في مجال العلوم السياسية الاقتصادية الاجتماعية، وعلوم الثقافة والإدارة، يعرفون تماماً أن الإدارة البريطانية في السودان هي من عملت على إفراغ الواقع الإداري التقليدي من مضامينه الثقافية الوطنية، والعمل على إشباعه بمفاهيم تواصل جديدة، تخدم الأمن والنظام محلياً، بيد انها تعمل على استنزاف الموارد الاقتصادية للبلاد، وربطها بأنساق الاقتصاد العالمي، من خلال مؤسسات الدولة التي ظلت تعمل من خلال صفوة إدارية ورثت سطوة المستعمر بسياسات تبلورت في أجهزة الدولة الأمنية والإدارية وممارسات الأفراد الذين انتموا لخدمة الدولة وفق تلك السياسات.
على صعيد الريف السوداني، أخضعت المجموعات القبلية بمفاهيم استنزاف الموارد من خلال إداريين محليين وقبليين، وفي ذلك فإن دارفور لم تكن استثناء على أن الصورة هنالك كانت أوضح.
لقد تم الإحلال والإبدال الإداري تدريجياً من خلال مؤسسة الإدارة الأهلية، بعد أن فشلت جهود الإدارة البريطانية لإبقاء دارفور منطقة عازلة ما بين السودان كمستعمرة بريطانية والمستعمرات الفرنسية غرب القارة، وبعد نجاح تجربة الإدارة الأهلية التي أعادت تأسيسها الجنرال لوقارد في نيجيريا، فضلاً عن ثراء دارفور التاريخية بأنماط من الإدارة الناجحة المتدرجة من أسفل إلى أعلي، تبدأ بالشيخ وتنتهي إلى جماع السلطة الإدارية السياسية التي يمثلها السلطان بمؤسسات أفقية متنوعة.
لقد تم تصنيف قبائل دارفور بمهنية، وعولجت فيها قضايا الإحلال والإبدال تدريجياً، بما يضمن نهاية السيادة للسلطة الوطنية، وبما تقتضيه التراتيبة الإدارية الجديدة.
في هذا السياق فقد تم تحطيم قيادات قبيلة الفور التاريخية، تحت إدارة المفتش باوستيد في مركز زالنجي، وفي حالة الزغاوة فقد وضعت القبيلة بالكامل في حالة عازلة ما بين السودان والمستعمرات الفرنسية تحت إدارة المفتش مور بمركز كتم، ذلك تكملة للخط العازل غرباً باتفاقية قلاني التي احتفظت ببعض استقلال للمسالين من خلال الإبقاء على السلطنة.
لقد وضعت الإدارة البريطانية كل القبائل العربية في دارفور تحت كفالة قبيلة الرزيقات مكافئة لها في حربها المبكر ضد السلطان على دينار، بما قد ساهم في إضعاف مواجهته للمستعمر.
أما القبائل الأخرى على كثرتها فقد وضعت سياقات الاقتصاد المعيشي، تحت قبائل أكبر، أو عزلة جغرافية دون النظر إلى خصوصيتها الثقافية الاقتصادية، وهكذا وضعت دارفور بكل مكوناتها في حالة من عدم الرضا التاريخي، وأضحي قابلاً للانفجار في المستقبل.
لقد بدأت الاحتكاكات محدودة لدي بدء التكوينات الإدارية القضائية الشعبية في عهد مايو النميري، متزامنة مع حل الإدارة الأهلية وانتشار الأسلحة الصغيرة.
ثن تطورت الأحوال إلى أوضاع أوسع من الاحتجاج السياسي للقبائل مشفوعة بنزاعات بينية.
مع مطالع الحكم الإقليمي في ثمانينيات القرن الماضي، ومثقفو دارفور لم تكتمل لديهم الخبرة والدراية الكافية في الحكم الذاتي للإقليم، ولم تكتمل لديهم الرؤية المعرفية لاستيعاب تعقيدات القضايا التاريخية، برز إلى الساحة السياسية المحلية ناشطون باسم حقوق القبائل، وأضحوا قادة بذلوا كل جهد ممكن للحصول لأنفسهم على الامتيازات السياسية والتنفيذية والأمنية، من السلطتين الاتحادية والإقليمية، في وقت ما تزال القبائل ترزح تحت نظم استعمارية متجددة، تستنزفها اقتصادياً.
لعل الأوضاع تفاقمت في الإنقاذ بمحاولتها تجاوز أزمة تاريخية بسياسات القفز في الظلام وب(زندية) وأيضاً بدرجات أقل من الحكمة الاستعمارية، فانفجرت الأوضاع وأدت إلى نزاع داخلي مسلح مع مطلع الألفية الجديدة، قضي بتدخل دولي لم يستدعه السودانيون، ولم يقض على النزاعات التاريخية الاقتصادية بين القبائل.
لمعالجة ذلك الوضع الشائك، شديد التعقيد، اتجه الناشطون السودانيون وشركاؤهم في الشأن الدارفوري إقليمياً ودولياً إلى تصميم معالجة تاريخية عريضة، فكانت وثيقة الدوحة هي المشروع لاستعادة دارفور لمابدراتها الإنسانية التاريخية، الثقافية السياسية، الاقتصادية الاجتماعية، مع إتاحة الفرصة لتعظيم فرص مشاركاتها في إعادة البناء الوطني للبلاد، وفق دستور يضمن التطور السياسي ديمقراطياً والتطور اللامركزي فيدرالياً.
لقد أخذت الوثيقة بمبادئ نظرية تقاسم السلطة والثروة وفق تدابير أمنية تحقق الاستقرار والتعايش والبدء من جديد.
بتلك الخلفية اتفقت أطراف الوثيقة وذوو المصلحة فيها، على معالجة أسباب النزاع التاريخية، وفي المادة (58) من الوثيقة وردت ضرورة إزالة التوترات بين المجتمعات المحلية، في مستويات متعددة تأتي في مقدمتها نبذ العنف والإقصاء وتبني الحوار وسيلة لتحقيق السلام الاجتماعي، والاتجاه مباشرة لتبني العدالة والمصالحة والمسامحة باعتبارها مبادئ تؤدي إلى إحلال السالم، ثم إتاحة الفرصة لإعادة بناء وتعزيز العلاقات بين مكونات المجتمع الدارفوري، إضافة إلى رفع مستوى التعايش والتعاون والتكامل الاجتماعي في دارفور وترسيخ ثقافة السلام بما يتوافق مع القيم والتقاليد والإرث الثقافي، بمشاركة القبائل ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات التعليم والإعلام، هذا مع تقديم الاعتذار لضحايا النزاع من كل من تسبب في الأذى من جهات رسمية وغيرها.
والآن أضحت كل تلك التطبيقات ممكنة برغم كل المعيقات البارزة منها والمستترة، ذلك أن التمهيد قد تم بتضمين وثيقة الدوحة في دستور السودان، وصار ممكناً اليوم تقديم تشريعات جديدة ومشروعات قوانين ترفع الضرر التاريخي عن مواطني دارفور، فيما أضحي المستقبل الإداري لدارفور كإقليم بولايات هو الاحتمال الأرجح بالإجماع والتراضي، كما كان الحال في استفتاء تقرير المصير للسودان من داخل قبة البرلمان في 19/ ديسمبر /1955م.
نقلاً عن صحيفة أول النهار 2015/5/25م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.