تجمعت مؤخرا دلائل على تصعيد الشرطة المصرية وتيرة الانتهاكات الحقوقية، ما جعل البعض «يترحم» على حقوق الانسان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك (..). وجاء مقتل الطالب الجامعي اسلام عطيتو ليطرح اسئلة خطيرة ان كانت الشرطة عادت الى سياسة (الضرب في سويداء القلب) التي ابتكرها وزير الداخلية الاسبق اللواء زكي بدر في اوائل التسعينيات من القرن الماضي لمواجهة الاعمال الارهابية، واستمرت عقدا كاملا، ما اوقع أكثر من ألف قتيل. وتقوم هذه السياسة على افتعال مواجهات مسلحة مع المطلوبين اثناء القاء القبض عليهم، وبالتالي تصفيتهم تحت غطاء (الدفاع عن النفس)، ويجادل انصارها بانها تعمل على ردع اعمال العنف، واستعادة هيبة الدولة، كما انها تحقق انتصارات معنوية واعلامية سهلة للنظام الا ان الواقع انها فشلت في منع استمرار المواجهات الدموية مع الجماعة الاسلامية لنحو عشر سنوات حينئذ. وبينما تؤكد ادلة مادية منها صور الكاميرات ان الطالب اسلام عطيتو حضر الامتحان في كليته الاسبوع الماضي، قبل ان يختفي، حيث تعرض للاعتقال سواء داخل الجامعة او خارجها، تقول وزارة الداخلية انه قتل إثر تبادل للنيران مع قوات الشرطة اثناء القبض عليه في بيته (..). والسؤال البديهي إذا كان عطيتو مطلوبا (خطيرا) كيف يمكنه ان يذهب الى الجامعة لأداء الامتحانات اصلا، ناهيك عن ان يعود الى بيته مثل اي طالب عادي؟ واعتبر بيان طلابي أمس ان مقتل عطيتو دليل على ممارسة الشرطة «ارهاب الدولة» ضد معارضين، فيما طالبت حركة (9 مارس) النائب العام بفتح تحقيقات حول انتهاكات الشرطة داخل الجامعات المصرية. ولم تقتصر الانتهاكات على الجامعات، اذ قتل محاميان تحت التعذيب في قسم شرطة المطرية (شرق القاهرة) خلال اسابيع قليلة، وقتلت متظاهرتان في القاهرة والاسكندرية اثناء الاحتفالات بذكرى ثورة 25 يناير. ويبدو ان اتساع هذه الانتهاكات الخطيرة تزامنا مع تصاعد حملة اعلامية تطالب بتسريع الإعدامات ضد (الارهابيين)، ربما يسعى الى اجهاض احتمال أي حراك شعبي او مظاهرات احتجاج على الصدور المتوقع لأحكام الاعدام الاسبوع المقبل، او اثناء فعاليات مرور عام على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم وعامين على مظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران. وكان الرئيس المصري اقر العام الماضي بارتكاب الشرطة لانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، لكنه دافع عن ذلك في ظل «الظرف الاستثنائي والمخاطر الأمنية التي تواجهها مصر» وان كان شدد على «ان الدولة ترفض هذه الانتهاكات وتحاسب كل من يخطئ»، لكن يبدو ان تصريحاته اصبحت واقعيا توفر الغطاء السياسي للانتهاكات. ولا يتعارض التحليل مع حدوث محاسبة قانونية لبعض المتهمين مؤخرا، كما في حالة مقتل الناشطة شيماء الصباغ الذي يحاكم فيه أحد الضباط حاليا، وحالات اخرى. اما الانتهاكات داخل السجون فقد كشف القيادي الإخواني محمد البلتاجي ونائب رئيس حزب الوسط الاسلامي عصام سلطان اثناء محاكمتهما السبت الماضي عن تعرضهما لتعذيب مروع وصل الى الحرمان من الماء والطعام. وعلى الرغم من انهما اتهما مسؤولا امنيا بالاسم بالمسؤولية عن هذه الاعمال، فإننا لم نسمع عن اي اجراء قانوني اتخذ بهذا الشأن، او مجرد قرار بفتح تحقيق رسمي كما يستوجب القانون. اما الرئيس المعزول محمد مرسي فاشتكى الى المحكمة انه لم يتلق اي زيارة من اهله منذ نحو عام ونصف العام، وهو ما يتعارض مع القانون الانساني ناهيك عن القوانين المصرية والدولية بهذا الشأن. ألا انها جريمة مضاعفة عندما ترتكب في حق رجل كان رئيسا لمصر في يوم من الايام، مهما كانت التهم الموجهة اليه، والخلافات السياسية التي اكتنفت فترة حكمه. وبالطبع فان كل هذا لا يزال غير كاف في نظر البعض من الذين يرفعون شعار (افرم يا سيسي)، مطالبين بأن يكون (أكثر شراسة)، معتبرين ان هذا ما يريده اغلب المواطنين في ظل ما تتعرض له البلاد من «حرب وجودية»، لكن كثيرين من الذين يفترض انهم من (حلفاء) الثلاثين من يونيو أصبحوا يحذرون بشكل متزايد من ان انتهاكات الشرطة التي كانت سببا رئيسيا في سقوط نظام مبارك، اصبحت، مع بعض القنوات الفضائية (الفلولية) الخطر الاكبر على النظام الحالي. ومع تعيين المستشار احمد الزند وزيرا للعدل، يبدو ان النظام قد حسم أمره واختار التصعيد، وهو ما يتزامن مع تصعيد مقابل في اعمال العنف طال القضاة للمرة الاولى. ومن المتوقع ان يستمر خاصة بعد صدور احكام الاعدام، واعلان بعض شباب (الإخوان) رفضهم دعوة الأمين العام للجماعة محمود غزلان قبل ايام للتمسك بالسلمية كأساس تاريخي لنهجها. والمحصلة ان مصر مقبلة على صيف آخر ساخن، يراه الطرفان منحى هاما وحاسما في وضع لا تنقصه التعقيدات اصلا. المصدر: القدس العربي 26/5/2015م