الهلال الأحمر القطري يشرع في شراء الأضاحي بهدف توزيعها على النازحين    ما تقوم به عصابات ألأراضي في بحر أبيض لايقل خطورة عن النهب والسرقة التي تقوم بها مليشيات التمرد    وسط حضور جماهيري كبير ...منتخبنا يبدأ تحضيراته بملعب بلك    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    دائرة المرور السريع تفوج حجاج بيت الله الحرام وتكمل استعدادتها لتفويج المواطنين لعيد الاضحي المبارك    بعد موسم خال من الألقاب.. البايرن مستعد للتخلي عن 6 لاعبين    السنغال تعمق جراح موريتانيا بعد السودان    ((خواطر …… مبعثرة))    جون مانو يقترب من اهلي بنغازي    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    المدير العام لقوات الشرطة يؤكد ان قوات الاحتياطي المركزي قدمت تضحيات كبيرة في معركة الكرامة    البرهان يؤكد عزم القوات المسلحة القضاء على المليشيا الإرهابية وأعوانها    مجزرة ود النورة... هل تسارع في تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؟    وصلت 50 درجة مئوية.. ما وراء موجة "الطقس شديد الحرارة" في مصر؟    منتخب مصر يواجه أزمات قبل موقعة غينيا بيساو بتصفيات المونديال    ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    نصائح مهمة لنوم أفضل    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استحقاقات "إصلاح" الدولة السودانية (1-2)
نشر في سودان سفاري يوم 09 - 08 - 2015

جرعتا صراحة من العيار الثقيل تفاجأ بهما الرأي العام السوداني بالأمس، ومن المؤكد أنه يلزمه وقت حتى يستوعب منطلقاتها ومآلاتها في المستقبل القريب، ذلك أنه لم يعهد ذلك النهج، الجرعة الأولى كانت على لسان النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول بكري حسن صالح وهو يتحدث لجمهرة الصحافيين الذين احتشدوا في الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي كشف فيها للمرة الأولى عن تفاصيل تقرير اللجنة العليا لبرنامج "إصلاح الدولة" الذي أجازه مجلس الوزراء في مارس الماضي، ولا تزال تترى خطوات تنفيذ ذلك البرنامج، ما جعل لهذا اللقاء الصحافي أهمية استثنائية الصراحة التّامة التي خاطب بها النائب الأول قضايا الإصلاح التشريعي والسياسي والتنفيذي، ذلك أنه لم يلجأ إلى "حذلقة السياسيين المحترفين" في تلوين الحقائق أو التقليل من شأن القصور، كان حديثه مباشراً وبسيطاً بلا تعقيد أكسبه صدقية، وسط تراكم حالة ثقة مفقودة متزايدة في وعود الحكومة، وليس القضية أن يتفق البعض أو يختلف في بعض ما ذهب إليه أو كله، بل المهم في هذا الخصوص توفر درجة من الوضوح من شخصية مهمة في قمة السلطة الحاكمة كافية للإقرار بأن هناك حاجة ملّحة لإصلاح الدولة السودانية.
جرعة الصراحة الأخرى جاءت من وزير المالية السيد بدر الدين محمود في جلسة الاستماع التي عقدها المجلس الوطني حول مشروع "التحصيل الإلكتروني" الذي يتبناه الوزير بقوة وأثار جدلاً واسعاً منذ البدء في تطبيقه في الأسابيع القليلة الماضية، فقد أقر بدر الدين بأن المشروع يواجه ما وصفه ب"تمرد ومقاومة منظمة بأوجه عديدة" من قبل ما سماها ب"الدولة العميقة"، وأشار إلى ما سمّاها ب"جهويات مالية رهيبة أخطر من الجهويات السياسية"، موقف وزير المالية الصريح يشير إلى حجم "حالة الفلتان" وارتخاء قبضة الدولة في الولاية على المال العام، وكثير منه بحّ صوت المراجع العام وهو يعيد التحذير منه كرّة بعد أخرى في تقاريره السنوية المتعاقبة.
حسناً ما قاله السيد النائب الأول والسيد الوزير في التوقيت نفسه على ضفتي ملتقى النيلين بالأمس وتصادف توقيته ليس جديداً بالتأكيد فهو ما ظلت تنبه إليه الصحافة السودانية سنين عدداً ويتناقله الرأي العام على مدى فترة طويلة وهو يشهد ما يشبه عملية "اختطاف" للدولة السودانية وإدارتها من خارج مؤسساتها، والسيطرة عليها من قبل طبقة المصالح التي ظلّت تتشكل ويقوى عودها على مدار ربع القرن الماضي بفضل سياسة "التمكين" التي تحولت من وسيلة لتعزيز قبضة السلطة الحاكمة إلى لعنة تطاردها وخطراً يتهدّدها، فالتمكين الذي حدث لم يكن بأي حال من أجل تقوية وتعزيز للمؤسسات، بل ذهب ليخلق طبقة طفيلية تتغذى على موارد الدولة وتتعدى على حقوق المجتمع بلا خشية من تبعة أو خوف من حساب أو عقاب.
والحديث عن الحاجة لإصلاح الدولة، على أهميته القصوى، ليس كافياً وحده ليغير من الواقع المعطوب، صحيح أن توفر النيّة للإصلاح لا مناص منه، ولكن الأهم هو توفر الإرادة والعزيمة، والإدارة الحاسمة لمعالجة ملفات الإصلاح الشائكة لإرث سنوات طويلة من غياب سلطة الدولة لصالح سلطة أصحاب المصالح الضيقة من طلقاء "التمكين"، والركن الأول من أركان الإصلاح التشخيص السليم لأسباب هذه العلل التي انضمت الحكومة أخيراً للشكوى من سطوتها، وتهديدها لأسباب حياة السلطة نفسها، نعم لقد صحت متأخرة على وقع هذا الخطر، ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.
والتشخيص السليم للعلل المستوطنة المراد إصلاحها لا يتحقق بنسبة الجراثيم المسببة لها إلى المجهول وكأنها هبطت من السماء على حين غرة، بل ينبغي الاعتراف أنها وليد موضوعي للخلل الذي ظلت تدار به الدولة السودانية خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، لم يكن مطلوباً من السلطة الحاكمة أن تبدو كالملائكة لا تخطئ، ولكن بالتأكيد كان المطلوب دائماً أن تنأى عن تنزيه نفسها ومنسوبيها من ارتكاب الأخطاء، وأن تعمل بحسم وبلا مواربة على محاسبة كل من يجرؤ على تعّمد ارتكاب التجاوزات، فقد كان ما أن يوجه الناصحون النقد إلى مواطن الخلل يبّصرون بها حتى ينبرى البعض للتشكيك في نيات الناصحين، أو المسارعة إلى تصنيفهم عسى أن يقدح ذلك في ما يقدمونه من نصيحة، أو يسارعون إلى مقولة ما هو الدليل وأين الإثبات، ونسوا أن من يتصدى بدعاوى كبيرة وشعارات تطهرية للحكم فعليه أن يثبت أنه أهل لذلك، وأن يتحرى مواطن الخلل وأن يبادر إلى إصلاحها لا أن يعتصم بالخطأ تأخذه العزة بالإثم، ثم يقبع منتظرا أن يُؤتى له بدليل "هلّا جلست في بيت أبيك وأمك"، ومع أن "الدنانير أبت إلا أن تطل برأسها".
المصدر: الراية القطرية 9/8/2015م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.