منذ رفض الخرطوم منح المبعوث الرئاسي الأميركي إلي السودان دونالد بوث تأشيرة دخول إلي البلاد في نوفمبر 2013، ظلت هذه القضية في صدر أي محادثات رسمية وغير رسمية بين المسؤولين في البلدين وباتت أولوية لدي واشنطن علي ما سواها من ملفات مهمة في سبيل تطبيع العلاقات. الحكومة أوقفت التعامل مع المبعوث الأميركي احتجاجاً علي ربط الولاياتالمتحدة إحراز أي تقدم في تسوية القضايا العالقة بأمور تعتبرها الخرطوم شؤوناً داخلية. بعد نحو عامين لا يبدو أن واشنطن تزحزحت عن موقفها، رغم التواصل والحوار، واتجاه إدارة الرئيس باراك أوباما تصفية ملفاتها الخارجية استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة لتعبيد الطريق أمام مرشح الحزب الديمقراطي إلي البيت الأبيض، فتمت تسوية الملف النووي مع إيران وطويت صفحة العداء التاريخي مع كوبا، إما ملف السودان فاستعصي عليها تسويته لأسباب مرتبطة بالطرفين. وفد بوث الزائر أجري مشاورات مع المسؤولين في الخرطوم بعيداً عن أعين الإعلام، وكان لقاء الوفد مع اتحاد أصحاب العمل ورجال الأعمال أكثر وضوحاً وشفافية، وسمع الوفد شكاوي عن آثار العقوبات الإنسانية علي شعب السودان، وحرمان واشنطن نفسها من موارد "عذراء" واستثمارات واعدة. نائب رئيس مكتب العقوبات "أوفاك" وهو من أصول عربية كان صريحاً وتقبل بصدر رحب ما اعتبره السودانيون ظلماً عليهم ووعد بتصحيح ذلك رغم أنه أكد أنه معني بالاستثناءات لا رفع العقوبات، لكنه لام الخرطوم علي عدم الاستفادة من الاستثناءات في العقوبات، مقارنة بإيران التي استخدمها بصورة كبيرة واستفادت من ذلك. الوفد الأميركي لم يعط أملاً في رفع العقوبات قريباً، وأعاد لائحة الشروط القديمة بأن علي الخرطوم وقف الحرب في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتمرير المساعدات إلي المتضررين في مناطق النزاعات والدخول في تسوية سياسية حقيقية لإنهاء الأزمة في البلاد في مقابل رفع العقوبات وشطب اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب. إدارة أوباما تري أنها بين مطرقة نشطاء المجتمع المدني والمنظمات وسندان صقور الكونغرس ولن تستطيع الطلب من مجلس النواب رفع العقوبات ما لم يحدث تقدم في وقف شامل لإطلاق النار في دارفور والمنطقتين وعقد طاولة حوار تجمع الفرقاء السودانيين لتحقيق تحول حقيقي في البلاد. وفي المقابل تريد واشنطن من الحكومة السودانية لعب دور في استقرار جنوب السودان والمساعدة في تنفيذ اتفاق السلام الذي وقعه سلفاكير ومشار أخيراً، بعدما باتت علي قناعة بأن الجنوب لن يستقر ما لم تلعب الخرطوم وكمبالا دوراً إيجابياً، ولكن تريد من السودان "خدمات مجانية". رغم أهمية الأوراق التي تملكها الخرطوم لكنها لم تستطع استخدامها بشكل فاعل يفتح لها الباب الأميركي الموارب في وجهها، ولم يثمر تحسن صلاتها مع دول الخليج في فتح منافذ أميركية جديدة، وتتجه علاقاتها الأفريقية إلي التقهقر، ولذلك ستظل علاقتها مع واشنطن "محلك سر" إلي حين. نقلا عن صحيفة الصيحة 30/8/2015م