إن وصف عام 2015 بأنه عام مثير للاهتمام، في خضم المساعي الرامية إلى إيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووية، لا يوفي هذا العام حقه. ففي مايو/ أيار، أخفقت الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، في التوصل إلى اتفاق على الخطوات اللاحقة اللازمة لتخليص العالم من الأسلحة النووية. وفي يوليو/ تموز، توصلت إيران والدول الغربية، إلى خطة عمل شاملة مشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي أغسطس/آب، أحيا العالم الذكرى السبعين، لأول استخدام للأسلحة النووية. وبموجب نصوص معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تم تمديدها إلى أجل غير مسمى قبل 20 عاماً، التزمت الدول الخمس المتسلحة نووياً- وهي الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة- ب«متابعة المفاوضات بنية حسنة حول الإجراءات الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في وقت مبكر، وبنزع السلاح النووي...». كما وافقت الدول المتبقية- غير المسلحة نووياً- وعددها 185 دولة، على الامتناع عن تطوير أسلحة نووية، مقابل الاعتراف ب«حقها غير القابل للتصرف» في إجراء أبحاث في الطاقة النووية، وتطويرها واستخدامها لأغراض سلمية. وقد اختتم مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في مايو/أيار من هذا العام بعد أربعة أسابيع من المفاوضات المكثفة. ولكنه قصر عن التوصل إلى إجماع على وثيقة نهائية تحدد التدابير الواجب اتخاذها للتوصل إلى إيجاد عالم خالٍ من الأسلحة النووية. وقد عزي ذلك التقصير إلى عدم الاتفاق على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، كانت الدول الأطراف قد ألزمت نفسها بها عام 1995. يضاف إلى ذلك، أنه لم يمكن التغلب على الهوة الواسعة التي تفصل بين آراء الدول المالكة لأسلحة نووية، والدول غير المالكة لها، مما حدا بسفير جنوب إفريقيا لدى مؤتمر نزع السلاح النووي، الذي مقره جنيف، إلى وصف النظام «الأمني» الحالي، للدول المالكة وغير المالكة، بأنه نظام «تفرقة عنصرية نووية». ويعاني نظام معاهدة عدم الانتشار النووي الآن فجوتي مصداقية وثقة، الأولى: بسبب استمرار تخلف الدول المسلحة نووياً عن التفاوض على نزع الأسلحة، والثانية: بسبب تبني تلك الدول هدف إيجاد عالم خال من الأسلحة النووية، بينما تقوم في الوقت ذاته بتحديث ترساناتها النووية وتعريض سكان العالم للخطر. وكان الاتفاق الأخير حول البرنامج النووي الإيراني، أيضاً، مثار خلاف. فقد عارضته «إسرائيل» (التي ليست طرفاً في معاهدة عدم الانتشار النووي)، ويخطط العديد من المسؤولين الأمريكيين من الحزب الجمهوري، لمعارضته عندما يصوت مجلس الشيوخ الأمريكي للموافقة عليه قبل 17 سبتمبر/أيلول. ويحتج هؤلاء بأن نظام التفتيش في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنوات العشر الأولى من الاتفاق سيكون ضعيفاً، وأن إعادة فرض عقوبات إذا أخلت إيران به ستكون صعبة، وأن بوسع إيران، بعد 10 سنوات، أن تنتج سلاحاً نووياً. وقد رحب أكثر من 70 من كبار الساسة والدبلوماسيين والعسكريين الأوروبيين، بالاتفاق باعتباره «قمة الدبلوماسية المتعددة الأطراف»، وقالوا إنه «يوفر إطاراً سليماً لإنهاء الأزمة حول البرنامج النووي الإيراني، وأساساً لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي» وأنه «خطوة أولى ضمن عملية لزيادة مستوى أمن جميع الدول في الشرق الأوسط وأوروبا وغيرها». وسيكون رفع العقوبات جيداً لإفريقيا، حيث يقيم كثير من الدول في القارة علاقات ثنائية طيبة مع إيران. فجنوب إفريقيا، على سبيل المثال، لديها لجنة مشتركة مع إيران، وهي تدرك دور إيران المهم- إقليمياً ودولياً.. ولاسيما أنها تشغل منصب رئيسة حركة عدم الانحياز. كما أن جنوب إفريقيا تعتقد جازمة بأن الشرق الأوسط، ينبغي أن يكون منطقة خالية من الأسلحة النووية، كما حدث في إفريقيا مع معاهدة بيليندابا (التي تم توقيعها في القاهرة عام 1996 من قبل 47 دولة من دول القارة الثلاث والخمسين).. وقد قال وزير العلاقات الدولية والتعاون، في جنوب إفريقيا، «ميت نكونا ناشابي»، إن بلاده «تتطلع إلى استئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية الطبيعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عند رفع العقوبات». وفي هذا الصدد، يؤكد الاتفاق موقف إفريقيا من السعي إلى نزع الأسلحة النووية، إضافة إلى التحقق من إيجاد توازن بين سلامة وأمن المواد النووية وغيرها من المواد المشعة، وبين استمرار الحصول على الفوائد التنموية التي يمكن أن توفرها تلك المواد، من خلال أمور منها تخصيب اليورانيوم. والاتفاق مهم في منع إيران من الاستمرار فيما يدعى أنها تقوم به من بحث أو تطوير مرتبطين بالأسلحة النووية. ومع ذلك، فإن المفارقة التي ميزت مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي المذكور آنفاً، أن الولاياتالمتحدة - بتأييد من المملكة المتحدة وكندا- حالت دون إحراز تقدم بشأن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، تشمل الشرق الأوسط برمته. وكان من شأن ذلك، أن يجعل «إسرائيل»- وهي الدولة الوحيدة المشتبه بامتلاكها أسلحة نووية في تلك المنطقة - مطالبة بالتجرد من أسلحتها. وينبغي اعتبار هذه التطورات سديدة بوجه خاص، على ضوء ما قامت الولاياتالمتحدة قبل 20 عاماً، في السادس والتاسع من أغسطس/آب 1945، حين ألقت أسلحة نووية على المدينتين اليابانيتين، هيروشيما وناجازاكي على التوالي. وقد قتل جراء ذلك نحو 225 ألف مدني، وأصيب مئات الآلاف غيرهم. وقد جرى التأكيد في المؤتمرات التي عقدت مؤخراً في أوسلو، وناياريت (في المكسيك)، وفيينا، على أن آثار الأسلحة النووية الحديثة الموجودة اليوم، ستكون أكثر بشاعة مما كانت عليه عام 1945، ولن يقتصر تأثيرها على الأفراد والبنية التحتية، بل سيطال الأمن الغذائي أيضاً. سوف يختل المناخ العالمي، وسيواجه أكثر من مليار شخص خطر المجاعة. ومن شأن تفجير نووي واحد، أن يطغى على البنية التحتية الصحية العالمية، ويجعل أي رد فعل طبي فعال، أمراً مستحيلاً. والخبراء على قناعة تامة بأن العالم لا يملك القدرة على التغلب على مثل هذا الوضع. وعلى سبيل المثال، يقال إن القوة التفجيرية للأسلحة النووية المحمولة على واحدة فقط من غواصات ترايدنت البريطانية، تعادل نحو 320 واحدة من أمثال قنبلة هيروشيما. وبناءً على ذلك، فإن خير وسيلة لضمان عدم تكرار مأساة المدينتين اليابانيتين، هي التوصل إلى حظر شامل للأسلحة النووية. ومن هنا تأتي أهمية مبادرة «التعهد الإنساني» التي أطلقتها النمسا في العام المنصرم، والتي تقوم بدراسة الأثر الإنساني للأسلحة النووية، والتي تم اعتمادها من قبل 113 دولة. ومع انضمام المزيد من الدول، قد يؤدي ذلك إلى مفاوضات متعددة الأطراف لحظر الأسلحة النووية، مثلما الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية. ومن شأن مثل تلك المفاوضات أن تعالج مسألة غياب قاعدة قانونية شاملة تفرض حظراً تاماً على امتلاك، ونقل، وإنتاج واستخدام الأسلحة النووية. إن ما يسمى الاتفاق الإيراني، ومثل ذلك الحظر، سوف يبعثان الحياة أيضاً في معاهدة حظر الانتشار النووي، باعتبارها معاهدة دولية أساسية، بالتركيز على منع تطوير المزيد من الأسلحة النووية، وتعزيز الاستخدام السلمي للمواد النووية والتكنولوجيا المرتبطة بها. *باحث في معهد دراسات الأمن، في مدينة بريتوريا، بجنوب إفريقيا (موقع أول افريكا) المصدر: الاتحاد الاماراتية 31/8/2015م