الحزب الاتحادي حينما يصدر لسانه الرسمي بياناً يرفض فيه الحوار الوطني متعللاً بمبادرة الميرغني يصلح هذا البيان والموقف الاتحادي إن كان صحيحاً ليعبر عن الحزب ومستوياته. لكن الحال والمثل الشعبي (كالذي يرقص عارياً ويحاول أن يغطي ذقنه) فليس من المعقول أن ينغمس الحزب ورجالاته في السلطة في كل مستوياتها التنفيذية والتشريعية منذ وقت طويل ويشارك في القرارات الحكومية ويأتي في ساعة الصفر لانطلاق الحوار الوطني ويمتنع ويتمنع عن المشاركة فيه..وهو منطق لا يتسق مع الواقع السياسي للحزب ويؤكد حجم الأزمة التنظيمية وصراع القيادات وانعدام الرؤية الجامعة وهي أزمة قديمه لازمته منذ انشقاق الشريف زين العابدين الهندي وتوالي الانشطارات فيه والمرجعيات وهي سمة احتكرها الحزب العجوز المكتنز بالتيارات والشخوص المتصارعة التي أوصلت الحزب إلي مرحلة الفناء والخراب ولم يبق إلا التاريخ الذي صار هو الآخر ميراث علي الشيوخ لحين الاتفاق علي توزيع تركة التاريخ علي الفصائل الاتحادية. إن مبادرة الميرغني الصادرة 2007 والمتجددة في مارس 2014 والتي لم تجد الاستجابة من قبل القوي السياسية ورغم حيوية البنود الإطارية لحل الأزمة هي نسخة تكاد تكون مطابقة للأصل من الحديث عن مبادرة الحوار الوطني ومنسجمة مع خارطة الطريق في جزئيات اعتماد مؤسسات المجتمع الدولي (كمراقبين) ولم تتحدث عن مكان الحوار عكس الحديث المطروح الآن للمؤتمر التحضيري وبداية الحوار (برعاية) دولية كضامن لإنجاح الحوار، واستبقت المبادرة إجراءات الحوار إلي القفز نحو الحكومة الانتقالية كسقف حتمي لنتيجة مبادرة الميرغني وهذا ما أضعفها وجعلها ميتة في صرخة ميلادها وتشييعها لمثواها ودفنها بجنينه مولانا. كما أن المرجعيات التي اعتمدت عليها المبادرة هي جملة متناقضات وحلول ثنائية لا ترتقي لتشكيل الرؤية الكلية لحل الأزمة السودانية ومن بين تلك المرجعيات اتفاق نافع عقار وبرتوكول المناطق الثلاث واتفاق القاهرة ودستور 2005 واتفاق التراضي الوطني مع الأمة واتفاق الدوحة، وجل هذه المرجعيات الطرف الأساسي فيها الحكومة والمؤتمر الوطني وعلي ذلك فليس من المنطق أن يصدر الاتحادي بيانه الاستباقي من أجل مبادرته التي تقوم مرجعياتها علي حلول ثنائية في زمن الحوار الشامل الذي يستوعب المكونات السلمية وقوي السلاح التي تشكل قضايا الحرب والسلام في السودان.. إذن هنالك توافق إلي حد ما بين أطروحتي المؤتمر الوطني والاتحادي (الحوار والمبادرة) كما الاتحادي شريك أساسي للإنقاذ منذ توقيعه اتفاق القاهرة. إن بين إبراهيم الميرغني في سماته العامة هو خطاب سياسي موجه نحو قيادات في حزبه وكيانات متصارعة ولا أظنه موجها إلي المؤتمر الوطني وحواره وإلا فماذا يعني وجود الاتحادي في الحكومة؟ أليس الحزب الاتحادي الديمقراطي هو حزب التناقضات الأولي في بلادي؟. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 8/10/2015م