بضع مئات من نخبة القوات السودانية دفع بها السودان مؤخراً إلى ميادين القتال الدائر في اليمن. المهمة الأساسية للقوات السودانية وفق رؤية القيادة في الخرطوم أن تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في مدينة عدن المحررة حديثاً من قبضة القوات المعادية للشرعية في اليمن، وهي بلا شك مهمة إستراتيجية على قدر كبير من الخطورة والأهمية، كونها ترسخ لأولى مؤشرات ترجيح كفة القوات الحكومية الشرعية انتصارها الحاسم على المجموعات الحوثية والمجموعات الأخرى المتحالفة معها. وبينما تؤدي قوات النخبة السودانية كعادتها مهامها هناك بذات الكفاءة والاقتدار المعروف عن الجيش السوداني، أحد أعرق جيوش المنطقة الذي يحوز على سمعة قتالية ناصعة منذ ما قبل الحربين العالميتين مروراً بالحربين العالميتين وأؤده المدهش حينها في حرب المكسيك وحرب القرم بين تركيا وروسيا ثم مشاركته في كل حروب المنطقة العربية؛ بينما تؤدي هذه القوات دورها هناك، فإن لغطاً ما فتئ يدور محلياً وإقليمياً حول هذه المشاركة. وما من شك إن هذا اللغط في مجمله لا يتجاوز كونه تشويشاً متعمداً على السودان لأهداف لا تخفى على أحد، ففي الغالب إن تفاعل السودان مع قضايا أمته لابد أن يستثير حنق وقلق أعدائه، وعادة في مثل هذه الظروف ينسى أو يتناسى البعض السوابق التاريخية المماثلة ويتجاهلون التزامات السودان الإقليمية كعضو فاعل في العمل العربي المشترك. ولهذا فإذا أردنا أن نقرأ مشاركة الجيش السوداني الحالية في النزاع الدائر في اليمن بقوات برية جيدة التسليح لابد لنا أن نقف عند نقاط إستراتيجية أساسية، أولها أن هذه المشاركة الكبيرة -(على الأرض)- ليس سوى امتداد طبيعي للمشاركة الجوية في عملية عاصفة الحزم. ومن الغريب أن يستغرب البعض أو ينكرون هذه المشاركة البرية بينما لم يفعلوا الشيء نفسه حيال المشاركة الجوية، ولا ندري حقيقة ما الفارق؟ ثانياً، سبق للسودان كما هو معروف أن شارك في حروب عدة عبر جيشه الوطني سواء قبل الحرب العالمية الأولى أو أثنائها أو في الحرب الثانية وأثنائها وبعدها، وللتذكير فقط، فإن الجيش السوداني -في التاريخ الحديث- شارك في القوات التي تم نشرها في الكويت في العام 1961م لمواجهة تهديدات الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم بإجتياح الكويت. كما شارك السودان في حرب أكتوبر 1973 كما هو معروف والتي استدرت من خلالها القوات العربية الكرامة العربية والأراضي العربية التي كانت تحتلها إسرائيل، ثم شارك في حرب لبنان 1976م وهي جميعها مشاركات كما هو واضح تأتي ضمن سياق الاستحقاق الإقليمي الذي يفرض التفاعل الكامل مع قضايا الأمة العربية. ثالثاً، من المعروف في النظريات العسكرية القديمة والحديثة، أن الجيوش تقاتل خارج حدوها لضرورات متعلقة بالأمن القومي لأي بلد، إذ أن الأمن القومي لأي بلد لا يرتبط فقط بحدود ذلك البلد السياسية. هنالك مهددات أمنية جدية تلوح من خارج حدود أي بلد لا يجدي معها انتظارها حتى تقترب. كما أن الأمن القومي لأي بلد يعمل ضمن إطار مظلة إقليمية لمجموعة دول متطابقة المصالح إنما يبدأ فعلياً عند بداية المساس بأمن أي بلد من تلك البلدان. الجيش السوداني الآن -في واقع الأمر- يدافع عن الأمن القومي السوداني وإن كان ذلك خارج حدود السودان. ولسنا في حاجة هنا لإيراد سوابق دولية مماثلة ولكن الكل يعرف العمل العسكري الذي قامت به بريطانيا في ثمانينات القرن الماضي في جذر الفوكلاند، تلك التي تبعد آلاف الأميال عن الحدود البريطانية! مجمل الأمر أن السودان يقوم بدوره القومي في سياق إستراتيجية أمنية واضحة المعالم ومن الطبيعي أن يشغل هذا الأمر بعض أعدائه ويصيبهم بالقلق!