مع تطور استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتوسع استخدامات الانترنت والاتصالات حتى بلغ عدد المستخدمين حوالي ثلاثة مليارات مستخدم للانترنت في العالم، في ظل هذه التطورات الهائلة لاستخدامات التقنيات الحديثة نرى بذات القدر تطوراً في الجريمة الالكترونية، التي لا تعرف الحدود، وهنا مكمن الخطر، الذي ينبغي العمل لأجله وتحجيمه. فهذا الفضاء الالكتروني والعالم الافتراضي أوجد فرصاً جديدة للمجرمين لارتكاب جرائم ذات خصائص فريدة في نوعها، وهي العولمة التي تمكن الجناة من وجود فرص جديدة من تجاوز الحدود التقليدية، فربما نجد جريمة الكترونية تم ارتكابها بواسطة جاني يقيم بدولة بقارة ما، بينما الجريمة نفسها بدولة بقارة أخرى، ذلك لأن مثل هذه الجرائم لا تعرف الحدود الدولية أو القارية، هي جريمة ترتكب بفضاء واسع ليس له حدود. وأخطر هذه الجرائم – في ظني – هي جرائم المعلومات، لأن المعلومات مثل أي سلعة لها قيمة مالية ومادية وعرضة للجريمة كالاحتيال والسرقة والتعدي، فالخطورة تكمن في أن هذه المعلومات ربما تكون عسكرية أو أمنية، تتم سرقتها لصالح دولة معينة، فكثير من الدول تأزمت علاقاتها بسبب سرقة المعلومات ونقل وأسرار دولة الى أخرى كما حدث بين الولاياتالمتحدة والصين. الأخطر في الأمر أن الجريمة الالكترونية يصعب التحقق فيها والحكم على من يرتكبونها، فهم في الغالب مجرمون محترفون، أو ربما مجموعات أو مؤسسات تخصصوا في مثل هذه الجرائم، ويمتد الأمر إلى مستوى الدول ليشمل التجسس الالكتروني، هذا بجانب جرائم انتهاك الخصوصية والتنصت والتشهير، وإفشاء الأسرار والاحتيال على المالي بالبطاقات الالكترونية والابتزاز والإرهاب وغسيل الأموال. وكلها جرائم غاية في الخطورة، لذا فان الجهود الدولية للتصدي لهذا النوع من الجرائم، كانت منذ العام 1990م خلال مؤتمر الأممالمتحدة الثامن لمنع الجريمة الذي انعقد في هافانا، والذي طلب من الدول الأعضاء تكثيف الجهود لمكافحة هذه الجرائم وتطبيق جزاءات مغلظة وعقوبات جنائية بحسب قوانين كل دولة. ويعتبر السودان من أوائل الدول التي تفاعلت مع هذا النداء الدولي، إذ انه أجاز قانون المعلوماتية في العام 2007م، وانشأ نيابة ومحكمة مختصة للفصل في جرائم المعلوماتية، وقد حقق نجاحات في هذا الجانب، إذ تشير الإحصاءات إلى انه تم الفصل في (16) جريمة تشهير و (94) جريمة فيس بوك، و (955) جريمة اتصالات غير مشروعة، هذا بالإضافة إلى جرائم الهكرز، وجهود السودان في حجب المواقع الالكترونية الفاضحة، والمواقع الإباحية والمسيئة للأديان، ومواقع الخمور والمخدرات والمحرمات الأخرى. هذه الجهود وغيرها التي تبناها السودان قادته بل أهلته ليكون عضواً في مجموعة (السيسا) وهي لجنة خاصة بأجهزة الأمن والمخابرات في أفريقيا، ومن بين جهود السودان التي أعترف بها دولياً، تستضيف الخرطوم هذه الأيام مؤتمر الجريمة الالكترونية الذي تعقده (السيسا) بحضور ومشاركة (40) جهاز مخابرات أفريقي وعدد مقدر من مراكز البحوث والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية والمهتمة بالجريمة الالكترونية وممثلين للاتحاد الأفريقي. ومن المقرر أن تناقش عدداً من أوراق العمل المتخصصة حول الجريمة الالكترونية وتطورها واستعراض الجهود المبذولة لتفكيكها ومكافحتها، ومناقشة كيفية التنسيق بين دول الإقليم وتنفيذ خططها المشتركة ومواجهة الجريمة العابرة. ورشة (السيسا) التي تنتهي فعالياتها اليوم (الثلاثاء)، من المنتظر أن تكون قد توصلت إلى آليات جديدة وفاعلة لتحجيم خطر الجرائم الالكترونية، وتوعية مواطني هذه الدول الأعضاء بالخطر الذي يمثله الانتشار لمثل هذه الجرائم التي لا تعرف الحواجز وتتخطي كل الخطوط الحمراء، من المتوقع أن تخرج الورشة بمقررات مهمة تضع حداً ونهاية للجريمة الالكترونية، وتوجه بإعادة النظر في القوانين ذات الصلة بالجريمة الالكترونية وتشديد العقوبة فهيا، كون الجريمة الالكترونية تمثل هاجساً يهدداً أمن المنطقة والدول الأعضاء بلجنة السيسا، الهاجس سيظل قائماً ان لم تنجح الجهود في إنهائها وتجفيفها أو التقليل من انتشارها كمرحلة أولي على أقل تقدير، الحضور الكثيف بالورشة يشير إلى انها ستحقق الأهداف المرجوة والمطلوبة، كما إن النقاش الثر فيما يبدو أنه سيؤدي لذات المرامي. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2015/11/10م