برغم أن القارة الإفريقية تضم 54 دولة مستقلة، وفيها شعوب وإثنيات متعددة ومتنوعة تتحدث بأكثر من 800 لغة. تتعاطى الصين مع القارة برؤية واحدة، لا تُفرق بين يمين أو يسار، ولا بين جنوب أو شمال، ولا بين الأديان والقوميات التي تنتمي إليها هذه الدولة الإفريقية أو تلك. لكن ذلك لا يعني بطبيعة الحال؛ أن للمارد الآسيوي المصالح نفسها في كل من دول القارة السمراء، بل إن هذه المصالح تختلف بين دولة وأخرى. الرئيس الصيني شي جين بينغ سيحضر شخصياً أعمال القمة الإفريقية - الصينية التي ستُعقد منتصف ديسمبر/كانون الأول في جوهانسبرغ عاصمة جنوب إفريقيا، وسيزور عواصم إفريقية أخرى. وقمة جوهانسبورغ قد تكون الحدث الأبرز في سياق تطور العلاقات الإفريقية - الصينية منذ عام 2000، عندما تمَّ تأسيس مُنتدى التعاون بين الطرفين في بكين. منتدى التعاون الصيني - الإفريقي يكاد ينحصر عمله في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الفريقين، ولا يبدو أن بكين لديها طموحات استعمارية، أو عسكرية في إفريقيا، برغم استفادتها السياسية الواضحة من العلاقة المُتميِّزة مع الدول الإفريقية في أروقة المنتديات الدولية، لاسيما عند مناقشة القضايا الحساسة الكبرى في الأممالمتحدة. لكن ذلك لا يعني أن الصين تتخلَّى نهائياً عن السياق العام للأمن الإفريقي، وهي تُشارك بقوة في عدد من الدول في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، آخرها إرسال 700 جندي إلى جنوب السودان. وتجنب الصين للمشكلات الإفريقية، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول القارة، لا يعفيها من مصاعب سياسية كبيرة ناتجة عن التباينات التي تنشأ مع الدول الكبرى التي تتمتع بنفوذ كبير في إفريقيا، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المُتحدة وفرنسا. ففرنسا التي تُعتبر اللاعب الأكبر في القارة السمراء، تخشى من النفوذ الصيني، وهذا النفوذ «يأكُلُ من معجنها» بالتأكيد. بالمقابل فإن فرنسا لا تستطيع الانفلاش أفقياً في الأدغال الإفريقية على غرار الصين، لأن السلع الاستهلاكية الفرنسية غاليةُ الثمن، ولا يتحملها مستوى الدخل المُتدني لأغلبية الأفارقة، بينما السلع الصينية رخيصة، ومتنوعة، وإنتاجها غزير، يمكن ان يصل بسهولة إلى كل زوايا الاستهلاك الإفريقي. أما الولايات المُتحدة، فهي تخشى من التغلغل الصيني في إفريقيا، وجزء من هذا التغلغل يأتي على حساب المصالح التجارية الأمريكية. فقد تقلَّصت الصادرات الأمريكية إلى الدول الإفريقية إلى 85 مليار دولار أمريكي في عام 2013، بينما ارتفعت الصادرات الصينية إلى هذه الدول إلى ما يزيد على 210 مليارات دولار في العام نفسه. وتطمح الصين إلى وصول تجارتها مع إفريقيا في عام 2015 إلى 300 مليار دولار أمريكي، وتوقعات الخبراء لا تستبعد الولوج إلى هذه النتيجة. ومقارنة أرقام التبادلات التجارية تُعطي مؤشراً واضحاً عن نجاح السياسة الصينية في إفريقيا، فقبل 10-10-2000 تاريخ تأسيس منتدى التعاون الصيني - الإفريقي، كانت الصادرات الصينية إلى إفريقيا 10.6 مليار دولار، وقد تضاعفت عشرات المرات منذ ذلك التاريخ، وتطورت الاستثمارات الصينية في إفريقيا بشكل واسع، لاسيما في القطاع الزراعي، حيث بلغ عدد الخبراء الذين دربتهم الصين في هذا القطاع 35 ألفاً حتى عام 2013. وشملت الاستثمارات أيضاً، الصناعات الخفيفة واستخراج المواد الأولية، إضافة إلى الاستثمارات في حقول النفط والغاز في عدد من الدول. من أهم ركائز السياسة الصينية في إفريقيا: عدم التدخُل في الشؤون الداخلية، وتقديم الهبات والقروض المالية، ومنح بعض الجيوش الإفريقية اعتدة ومعدات عسكرية، ومساندة القضايا الإفريقية في المُنتديات الدولية، وإعطاء منح لتعليم الشباب الإفريقي في الجامعات الصينية، والمساعدة على حفظ الأمن عن طريق المُساهمة في قوات حفظ السلام الدولية. وتستفيد الصين في تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية من الموقف القديم للصين، حيث ساندت بكين من دون تردد حركات التحرر الوطني الإفريقية ضد الاستعمار منذ خمسينات القرن الماضي، وهي لا تملك أي طموحات استعمارية في القارة أو غيرها. التحدي الجديد الذي يُطرح أمام تطور العلاقات الإفريقية - الصينية، هو الأمن. فقد قُتل ثلاثة من الخبراء الصينيين في الهجوم الإرهابي الذي استهدف فندقاً في عاصمة مالي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وتصاعُد موجة الإرهاب، أو الفوضى الأمنية، ستصيبُ حكماً المصالح الصينية، ذلك أن أكثر من 800 ألف صيني ينتشرون في القارة السمراء، ويعملون في قطاعات مختلفة، ومعظمهم من الخبراء. كما أن الاستثمارات الصينية تقع في دائرة الاستهداف، على غرار ما حصل في حقل اميناس للغاز جنوبالجزائر في عام 2013. الرئيس الصيني شي جين بينغ طلب من الإدارات المُختصة وضع خطة عاجلة للحفاظ على أمن المصالح الصينية في الخارج، ووزير خارجية الصين وانغ يي قال في أعقاب الاعتداء الذي استهدف الصينيين الثلاثة في مالي: «إن بلاده ستعزّز تعاونها مع الدول الإفريقية لمكافحة موجة التطرّف». الصين اختارت استجرار الطاقة من إفريقيا هروباً من التوتر الموجود في المناطق النفطية الأخرى، فهل يلحقها الاضطراب إلى حيث اختارت تجنّبه؟ المصدر: الخليج الاماراتية 2/12/20215م