يؤدي الرئيس البشير القسم يوم الخميس القادم رئيساً منتخباً للسودان في دورة جديدة.. تتجسد فيها نشوة الانتصار على الخصوم، ونيل ثقة الشعب ومنحه ضوءاً أخضر للمضي في الحكم وتأسيس أسس الدولة في العهد الجديد.. في حين يلف الأسى المعارضة السودانية ويدثرها بثوب حداد أسود على تفجعها بأن خطابها وشكواها بأن الانتخابات قد شابها التزوير وعدم الشفافية والصدق لم تجد آذناً صاغية لا في الداخل ولا في الخارج. أداء الرئيس البشير للقسم لإدارة دفة البلاد في الفترة القادمة تطوقه تحديات وأزمات ومشكلات عديدة أقل ما يمكن أن توصف به أنها عصية على الحل في ضوء المشاهد السياسية الماثلة في الأفق المدلهم بالخطوب والمحن. لعل أم التحديات التي يتوجب على الرئيس البشير مواجهتها والسعي لحلها بصفة عاجلة هي مشكلة إطلاق الحريات العامة، بما في ذلك حرية النشر، وحرية النقد والتعبير، وحرية إفساح المجال للمعارضة للتعبير عن آرائها وطرحها لإيجاد حلول ناجعة للانتقال بالسودان إلى محطة جديدة ينعم فيها الجميع بالحرية والمساواة والعدل. ففي الأسبوع الماضي فقط تم اعتقال الدكتور الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي، وعراب الجبهة الإسلامية، الذي أوصل حكومة الإنقاذ إلى الحكم عن طريق الدهاء السياسي والمكر المقيت.. وفي ذات السياق فقد تم توقيف المعارض فاروق أبوعيسى رئيس الحزب السوداني، ثم أطلق سراحه بعد مضي عدة ساعات. وفي سياق متصل أصدرت سلطات الأمن قراراً بإيقاف صحيفتي "رأي الشعب" و"أجراس الحرية" كما أصدرت قرارات أخرى بمداهمة صحف أخرى ومصادرة بعض مواردها في إطار الرقابة قبل النشر، ما ينذر بوجود سياسة تعسفية تضيق بالآراء المعارضة وتتخذ إجراءات وقرارات تعصف بالآراء المعارضة. إننا في ذات الوقت الذي نطالب فيه بإطلاق الحريات العامة وبسط حرية النشر، نطالب الصحافة السودانية بأن تتوخى الدقة والموضوعية والإنصاف والالتزام بالمسؤولية والقيم والمعايير الصحفية الراسخة. إن التزام الرئيس البشير — في العهد الجديد — بإطلاق الحريات العامة سيؤدي حتماً إلى وجود أسواق حرة للآراء والأفكار.. حيث يتاح للآراء الموالية والآراء المعارضة أن تتبارى بروح وطنية عالية أملاً في إيجاد حلول مرضية وعاجلة لأزمات: وانفصال الجنوب المحتمل، ودارفور المعلقة في الهواء الطلق، والتهميش، وإرساء وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة لكل ولايات السودان.. وبناء الثقة مع المجتمع الدولي. الحرية هي أم الأزمات التي تجابه الرئيس البشير في المرحلة القادمة، فإذا تم الوفاء بها فإنها سوف تحقق للبلاد نصراً على نهج الشمولية، الذي أتت به حكومة الإنقاذ وإلا فإن البلاد لا ولن تسلم ليس فقط من أصوات الأحرار وإنما أيضا من فحيح الأفاعي، وعواء الذئاب، ونقيق الضفاضع، و"نقة" وعويل أوكامبو، وضجيج منظمات حقوق الإنسان وما أكثرها! المصدر: الشرق 23/5/2010