لا أحد بوسعه الدفاع عن الزيادات التي طرأت مؤخراً على غاز الطهي والفيرنس وغيرها من المحروقات في السودان، بعد مرور شهر واحد على إجازة الموازنة العامة للدولة للعام 2016م. فالجهات الموكل لها ملف إدارة الاقتصاد هي بطبيعة الحال أدرى بما يستجد من ظروف وما تتطلبه المرحلة من إجراءات. من المؤكد -اتفقنا أو اختلفنا مع صانع القرار الاقتصادي- أن قراراته هذه لديها أسبابها الملحة؛ ففي علم الاقتصاد كما نعلم هناك دائماً هامشاً للمفاجأة السارة وغير السارة مهما كانت الحسابات والتوقعات، وربما يتذكر الكثيرون قبل حوالي 6 أعوام كارثة انهيار (وول استريت) الشهيرة في الولاياتالمتحدة أحدى أهم وأضخم الدول الاقتصادية وهي كارثة سرعان ما طافت أرجاء عديدة من العالم تأثرت بها سواء على نحو مباشر أو غير مباشر. صحيح إن القرار المتخذ لم يتم تداوله بالصورة المرجوة في البرلمان باعتباره الجهة المنوط بها تمرير مثل هذه القرارات. وصحيح أن القرار ربما بدا لكثيرين صادماً ومفاجئاً، ولكن مربط الفرس هنا من الناحية الموضوعية، أن الجهاز التنفيذي بدون أنى شك لديه أسبابه الواقعية. أولاً، معاناة الاقتصاد السوداني سواء في معدل نمو التضخم مقروناً بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على هذا البلد منذ أكثر من عشرين عاماً، معاناة واضحة ومعروفة للكافة. لا أحد يتحلى بالموضوعية -بعيداً عن ظلال السياسة ومكايدتها- يتوقع أن تمضي إدارة الاقتصاد بالطريقة المأمولة. على الأقل لا بد أن نتوقع ثغرة هنا أو هناك، فالأمر ليس بالسهولة التي يتصورها ويصورها البعض. ثانياً، تزامن القرار مع قرار تحسين علاقات الجوار مع دولة جنوب السودان والذي تمثل في فتح الحدود بين الدولتين والسماح لأكثر من 4 مليون مواطن جنوبي وسوداني للتحرك بين الدولتين وممارسة أنشطة اقتصادية وتجارية فيه إشارة إلى أن السودان وفي سبيل رفع معاناة المواطن الجنوبي الذي كان يوماً ما مواطناً سودانياً أضطر إلى اتخذا إجراءات اقتصادية تتيح تحسين العلاقة بين البلدين ليصب كل ذلك في خاتمة المطاف لصالح الدولتين، حيث تتوقف الحروب المنطلقة من الحركات المسلحة. تنتعش الأسواق، يزيد معدل التبادل التجاري، بتحرك المال وهكذا فالقرار له أبعاد إستراتيجية ليس من الضروري أن تظهر في الوقت الراهن. ثالثاً، من المعروف قانوناً أن الأنظمة الرئاسية وهو النظام الدستوري القائم أن في السودان، أنظمة قائمة على مبادئ وقواعد دستورية محددة ومعروفة، إذ إن الرئيس وفقاً لشرعيته الانتخابية هو المفوض بإدارة شئون الدولة، وهو أمر يختلف عن النظام الانتخابي البرلماني، ولهذا فإن سعي البعض -غضباً أو مكايدة- لجمع توقيعات من أعضاء البرلمان لإسقاط الثقة في وزير المالية السوداني أمر لا يجد له سنداً في الدستور السوداني وغير متعارف عليه في الأنظمة الدستورية الرئاسية. الرئيس بحكم مسئولياته الدستورية هو المنوط به اتخذ القرارات التي بموجبها تدار الدولة ولهذا السبب –وببساطة شديدة– سمى بالنظام الدستوري الرئاسي. رابعاً، رفع سعر سلعة من السلع أو رفع الدعم عن سلعة من السلع لا يتم بطبيعة الحال أيضاً إذا كنا موضوعيين- بمزاج، أو بقرار لحظي عابر، وإنما قرار تمليه محددات واقعية قاطعة وواضحة، والذي يجهله الكثيرون أن القرارات كهذي حين يتم اتخاذها يتم ذلك اضطراراً وبقدر بالغ من المرارة لأنها قضية واقعية. وربما لهذا السبب هناك خبراء اقتصاديين دعوا إلى تحرير الاقتصاد السوداني بالكامل بما في ذلك تحرير سعر صرف العملة، وذلك استناداً إلى رأي علمي اقتصادي يقضي التعامل (بواقعية). وعلى ذلك فإن اكبر دليل على أن مثل هذه القرارات مبنية على حقائق واقع لا لبس فيه ولا غموض أن الحكومة السودانية لم تضع أية محاذير سياسية أو أمنية مخافة استثارة غضب شعبها، هي واجهت شعبها بالحقيقة وهي واثقة من صحة موقفها!