الانتقادات اللاذعة ضد الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون»، والتي كشف عنها تقرير المسؤولة السابقة في مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأممالمتحدة «إنغا بريت أهلينيوس» مؤخراً، يعد الأبرز من نوعه ضد أهم مسؤول على رأس أكبر مؤسسة دولية وقد يفضي في النهاية إلى حدوث أزمة في الأممالمتحدة. ففي المذكرة التي قدمتها «أهلينيوس»، اتهمت كي مون بتقويض جهودها الرقابية والدفع بالمنظمة الدولية إلى التراجع. وتقول المسؤولة السابقة، في المذكرة المكونة من 50 صفحة، إن بعض المحققين الداخليين في المكتب تركوا وظائفهم خلال السنوات الماضية، ولم يتم تعيين موظفين آخرين. في الوقت نفسه صدرت توجيهات من الأمين العام إلى مكتب الرقابة الداخلية بعدم فتح استجوابات في حالات اختلاس مالي أو فساد قام بها موظفون سابقون في الأممالمتحدة. وأشارت إلى أن هذا السلوك ربما يكون متوقعا من زعيم مستبد، وليس من رجل على رأس أهم مؤسسة في العالم تضم جميع الجنسيات. وترى «أهلينيوس» أن الفساد في الأممالمتحدة مصدره القيادة. وأوضحت «أهلينيوس» في المذكرة إن «بان» عمل مع مستشاريه الكبار على تخفيف استقلالية مكتبها عبر تشكيل وحدة تحقيق منافسة بإشرافه في مرحلة أولى، ثم عارض جهودها لتشكيل فريقها الخاص. وأضافت متوجهة إلى «بان»: «أفعالك ليست بائسة فقط بل تستحق التوبيخ بشدة وغير مسبوقة، وبرأيي انها محرجة لك. وآسفة للقول إن الأمين العام في مرحلة من التدهور حالياً». وعلى الرغم من جهود «بان» في تحسين صورة الأممالمتحدة إبان فضيحة النفط مقابل الغذاء في العراق، والدفع بجهود الإصلاح الداخلي، إلا أن الهدف من ذلك على ما يبدو كان مجرد الحفاظ على تماسك موقفه في بداياته الأولى بالمنظمة. والأمر الملفت للنظر إن النقاش حول القصور في الأممالمتحدة أو فساد كبار موظفيها، ما هو إلا انعكاس للقصور الذي لحق بالدول الأعضاء. وتعتبر الأممالمتحدة إقطاعية بالنسبة لسياستها، فهي حكر على الدول الغنية. ولطالما وجهت إليها الانتقادات بسبب عدم التمثيل الكافي للدول الأعضاء في مجلس الأمن. وعندما يتولى أعضاء من الدول الاستبدادية مقاليد الأمور في منظمات حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، تلاحقها اللعنات بسبب افتقارها التميز في الأداء. وبالنهج نفسه تعقد الأممالمتحدة صفقاتها من خلال مفاوضات بمساومات بارعة، سواء كان الأمر يتعلق بتقديم الدعم للدول التي ألمّت بها كوارث طبيعية كمعونات إعصار نارجيز في بورما، أو تقديمها المزعوم للمساعدات لدول فقيرة. وما تلبث إلا وتجد نفسها تحت نيران الانتقادات بسبب هذه الصفقات السرية والمشبوهة المتعلقة بتلك المساعدات. وفي الوقت نفسه، تجابه المنظمة الدولية خصوما عتاة، ليس فقط داخل الولاياتالمتحدة وحدها. وللأسف، فإن بعض هؤلاء الذين يدعون أنهم نقاد لسياسة الأممالمتحدة ما هم إلا أعداء يخفون في أنفسهم أهدافا تدميرية وليست إصلاحية للمنظمة الدولية. ومن المهم ألا ينجح هؤلاء في تحقيق أهدافهم. ذلك أن الأممالمتحدة مصدر للتوازن الدولي، في الوقت الذي تمثل مجموعتا العشرين والثمانية الكبار، مجموعات عالمية مهيمنة. «إندبندنت»