حال الدول العربية ومواقفها اليوم من الاستفتاء القادم في جنوب السودان حول بقاء الجنوب في دولة السودان الموحدة أو الانفصال، هو حال مريض قضى وقتا طويلا جدا في غيبوبة، ثم أفاق فجأة ليجد عالما غريبا عليه لا يعرفه ولا يعرف كيف يتعامل معه. هذا بالضبط هو ما تعبر عنه مختلف التصريحات التي صدرت عن مسئولين عرب، ومختلف المواقف التي عبرت عنها الدول العربية من القضية في الاسابيع القليلة الماضية. هذه التصريحات والمواقف تعكس في مجملها حالة من الذهول والارتباك والعجز. كأن الدول العربية اكتشفت فجأة ان السودان مهدد بالتقسيم، وان الجنوبيين بحسب المؤشرات التي باتت واضحة هم أميل الى التصويت لصالح الانفصال. يحدث هذا على الرغم من أن هذا الاستفتاء تقرر قبل خمس سنوات. ومنذ ذلك الوقت، معروف ان وحدة السودان يمكن أن تكون مهددة. ومنذ أن تقرر هذا الاستفتاء، وأصوات الكثيرين في العالم العربي بحت محاولة التنبيه الى خطورة هذا الاستفتاء وما يمكن ان يترتب عليه. وبحت أصواتهم وهم يناشدون الدول العربية التحرك والتخطيط منذ ذلك الوقت للحيلولة دون احتمال التقسيم والحفاظ على وحدة السودان. لكن الذي حدث كما ذكرنا أن الدول العربية نسيت الموضوع تماما، ودخلت في غيبوبة طويلة، الى ان أفاقت حين لم يبق على الاستفتاء سوى أسابيع، وحين اكتشفت أن دولا كبرى في مقدمتها الولاياتالمتحدة تستثمر كل إمكانياتها من أجل تقسيم السودان. وفي غمرة الارتباك العربي، وجدنا مواقف عربية غريبة ومتناقضة يعبر عنها المسئولون العرب. وجدنا مثلا مسئولين عربا يحذرون بشدة من خطر تقسيم السودان وما يمكن أن يترتب عليه، وكيف أن هذا التقسيم لو حدث فسوف يكون سابقة عربيا وإفريقيا يشجع قوى كثيرة على المطالبة بتقسيم دول أخرى. وهذا صحيح تماما. لكن، أين كان الادراك العربي لهذه الحقيقة قبل ذلك على امتداد السنوات الماضية؟ وبالأمس مثلا، وجدنا عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية يؤكد "تأييد الموقف العربي لوحدة السودان حيث ترى الجامعة في تقسيم أراضيه ضررا بالغا". ونفس هذا الموقف بتأييد وحدة السودان عبر عنه مسئولون عرب آخرون في الأسابيع القليلة الماضية. لكن أحدا من هؤلاء المسئولين لم يهتم بأن يسأل نفسه، وماذا فعلت الدول العربية على امتداد السنوات الماضية من أجل الحفاظ على وحدة السودان؟ والغريب أنه في الوقت الذي نسمع فيه مثل هذا الكلام عن تأييد وحدة السودان، يردد المسئولون العرب في نفس الوقت أنه يؤيدون إجراء الاستفتاء ويريدون أن يكون شفافا يعبر عن إرادة الجنوبيين، وانهم يدعون الى احترام نتيجته. ولسنا نعرف ما الذي يعنيه هذا الكلام بالضبط. لا نعرف كيف يستقيم هذا الموقف مع المؤشرات الكثيرة التي تشير الى الاتجاه الى الانفصال عبر الاستفتاء. وما الذي سيحترمه المسئولون العرب بالضبط؟.. سيحترمون قرار تقسيم السودان؟.. أم ترى أن هؤلاء المسئولين العرب لديهم تأكيدات أن الجنوبيين سيصوتون لصالح الوحدة؟ هي كما نرى حالة من الضياع والعجز. وفي غمرة هذا، لا نجد ملمحا لأي خطة عربية محددة في اتجاه الحفاظ على وحدة السودان والحيلولة دون تقسيمه. هل فات الاوان؟.. لا نعرف بالضبط. لكن الذي نعرفه انه لو ضاعت وحدة السودان، فستكون كل الدول العربية مسئولة ليس عن هذه الكارثة وحدها، وإنما عن كل ما يمكن ان يترتب عليها من كوارث. المصدر:أخبار الخليج 2/12/2010