قد يشعل اندفاع ايران الضخم باتجاه افريقيا، والتغلغل الاسرائيلي في القارة السمراء، حرباً باردة في القارة الافريقية بوجود قطبين مختلفين هذه المرة وليس الولاياتالمتحدة والصين، وفي مثل هذه الحالة قد تدفع افريقيا ثمناً بسبب فشل زعمائها في انشاء الولاياتالمتحدة الافريقية المجهزة بآليات عسكرية قوية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية، قادرة على التغلب على كل الاطماع المحدقة بها. "اورينت برس" راقبت ما يجري ووضعت التقرير التالي: تؤكد التقارير الواردة من افريقيا نجاح إسرائيل في العودة إلى أحضان إفريقيا، بعد سنوات من القطيعة، بهدف مواجهة التغلغل الإيراني، الذي وصل إلى حد الخطر حسب رأي الساسة في اسرائيل. وتوفد الدولتان رجال السياسة والاعمال والاطباء لمختلف ارجاء القارة لاقامة علاقات جديدة او انعاش علاقات قائمة مبرمة مجموعة من الصفقات تتراوح من السلاح والزراعة الى تعهدات ببناء سدود وصفقات نفطية واخرى تتعلق بالحماية بالاضافة الى الحملات الطبية. وقد يصل التنافس بينهما الى مستوى الحرب الباردة التي خاضت خلالها الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي حروبا بالوكالة في افريقيا. يقول المحللون ان اهمية القارة السوداء تتزايد بالنسبة لايران واسرائيل ويرون ان الدول الافريقية ستأخذ كل ما يعرضه الجانبان.زيارات المصالح ولفت المراقبون الى انه أخيراً زار الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد نيجيريا التي استضافت قمة مجموعة الدول الثماني النامية والتي تتولى كذلك الرئاسة الدورية لمجلس الامن، وبحسبه فان افريقيا تمثل اولوية لسياسته الخارجية وقام بزيارات متكررة للقارة خلال 18 شهرا مضت. وقبل نيجيريا كان محمود احمدي نجاد في مالي حيث تعتزم ايران بناء سد لتوليد طاقة كهربائية من مساقط المياه. وقبيل تصويت جرى في الفترة الاخيرة في الاممالمتحدة زار محمود احمدي نجاد اوغندا ملوحا بعروض الطاقة وتكرير النفط، كما اعتاد زيارة السنغال التي يصفها بأنها بوابة ايران الى افريقيا، وحيث تقيم ايران مصانع هناك، كما تتمتع إيران بعلاقات قوية مع السودان، حيث تعد طهران أكبر مصدري السلاح للسودان، كما قامت في عام 2008 بتوقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين. وأثناء زيارة الرئيس الإيراني لكينيا العام الماضي وافق على أن تصدر بلاده نحو أربعة ملايين طن من النفط الخام سنويا لنيروبي، إضافة إلى تسيير خط طيران مباشر بين عاصمتي البلدين، وقدمت طهران كذلك منحاً دراسية للكينيين للسفر والتعلم في إيران. ولا يخفى أن البعد النووي لم يكن خافياً في توجه إيران الافريقي، حيث تسعى إيران إلى الحصول على اليورانيوم من الدول الافريقية، وهو ما استهدفته زيارة أحمدي نجاد لكل من أوغندا وزيمبابوي والملاحظ أن التوجه نحو افريقيا خلال السنوات الأولى للثورة الإيرانية كان يختلف اختلافاً كبيراً عن التوجه الحالي الذي تتبناه حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد. لقد كانت إيران الثورة تنظر إلى افريقيا باعتبارها قارة المستضعفين، وأنها بحاجة إلى مد يد العون لها في مجالات الصحة والإعمار وغيرهما من المساعدات الإنسانية. لكن طوال فترة الحرب العراقية - الإيرانية التي امتدت لنحو ثماني سنوات بدأت إيران تنظر إلى افريقيا من خلال منظور أيديولوجي مختلف، فافريقيا تمثل ثلث مقاعد الأممالمتحدة وتشكل نصف مجموعة عدم الانحياز، وهو ما يعني أنها تمثل حليفاً محتملاً لإيران. كما أنها في ذات الوقت تمثل ساحة مناسبة لتبني أفكار الثورة الإيرانية. وقد تم تجسيد هذا التوجه الإيراني الجديد تجاه افريقيا في ظل حكم الرئيس هاشمي رافسنجاني، حيث قام في عام 1996 بزيارة لست دول افريقية صحبه خلالها وفد رفيع المستوى مكون من محافظ البنك المركزي ووزراء المجموعة الاقتصادية. وطبيعي أن يستمر هذا التوجه الإيراني نحو دعم العلاقات الاقتصادية مع افريقيا في ظل حكومة الرئيس محمد خاتمي الإصلاحية، إذ قام الرئيس خاتمي نفسه عام 2005 بزيارة سبع دول افريقية. وقد تصاعدت الهجمة الدبلوماسية الإيرانية الموجهة لافريقيا بشكل واضح في ظل حكم الرئيس نجاد. الاطماع الاسرائيلية في المقابل، فإن وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان ومجموعة من رجال الاعمال قاموا بجولة شملت خمس دول افريقية في سبتمبر من العام الماضي متطلعين لحشد التأييد الدبلوماسي ولصفقات الاعمال. وفيما يتعلق بالمساعدات تروج الحكومة الاسرائيلية لخبراتها في الصحة وزراعة الارض القاحلة، ويعمل رجال الاعمال من الدولة العبرية كذلك في مجالات التعدين والامن والاتصالات في مختلف ارجاء القارة. وقد وقع ليبرمان اتفاق تعاون دوليا مع نظيره النيجيري ومع المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا لتقدم اسرائيل المساعدة في مجالات الامن الغذائي وموارد المياه ومكافحة التصحر. ووقعت نيجيريا كذلك صفقة بقيمة 25 مليون دولار مع شركة اسرائيلية لبناء السفن لشراء زورقي دورية. وترغب اسرائيل في تعزيز علاقاتها مع افريقيا لاحتواء الخطر الايراني، وخطر المجموعات الاسلامية، ففي شرق افريقيا تشعر اسرائيل بالقلق من الاسلاميين في الصومال، وفي الغرب تشمل مخاوفها جالية تجارية كبيرة من اصول لبنانية قد تقدم تبرعات لحزب الله في لبنان. وبحسب المعطيات الاسرائيلية الرسمية فان قيمة اجمالي صادرات اسرائيل لافريقيا العام الماضي وصلت الى ما يزيد على مليار دولار ووارداتها نحو 1,5 مليار دولار، اما بالنسبة لإيران، فإن صادراتها غير النفطية لافريقيا في الاشهر التسعة الاخيرة من عام 2009 بلغت نحو 230 مليون دولار. منافسة حقيقية من جانبهم، يقول مسؤولون اسرائيليون :"يظل الإيرانيون هم المنافسون الحقيقيون لإسرائيل في إفريقيا، فهم يمتلكون المال بوفرة، ويقومون حاليا بتمويل مشروعات ضخمة هناك، مثل إنشاء محطات توليد الكهرباء، وتشييد مجموعة من الفنادق، لذلك يتعين على إسرائيل الوجود في المجالات التي تشتهر بها، مثل الزراعة وصناعة السلاح، المهم ألا تترك إفريقيا في أيدي الإيرانيين"، ويضيفون "بالرغم من وجود سفارة إسرائيلية في السنغال منذ فترة بعيدة، فإن بها وجودا إيرانيا مكثفا، ففي الماضي كانت السنغال دولة علمانية، رغم أن معظم سكانها من المسلمين، فإن الإسلام انتشر هناك بقوة، وأنفق الإيرانيون أموالا كبيرة، حتى تم عقد القمة الإسلامية هناك في العام الماضي". وخلافا للسياسة الإسرائيلية الرسمية التي ابتعدت عن إفريقيا فترة طويلة، إلا أن رجال الأعمال الإسرائيليين لم يهملوها لحظة، فتجارة السلاح التي يتزعمها الاسرائيليان "حازي بتسلال" و"عاميت سادية" ناجحة بشكل كبير منذ سنوات طويلة، بعيدا عن العلاقات الدبلوماسية، كما يسيطر رجال أعمال إسرائيليون على الألماس الإفريقي في ناميبيا وسيراليون وأوغندا، حيث تمكن رجل أعمال إسرائيلي شهير يدعى "ليف لابيب"، من افتتاح مصنع لصقل الماس الخام في حفل حضره رئيس ناميبيا شخصيا، واطلقوا على المستثمر الإسرائيلي اسم "مخلص ناميبيا ومنقذها"، ويمتلك "لابيب" وحده حصة كبيرة من حجم سوق تصدير الألماس في ناميبيا، التي تصدر ألماساً بنحو مليار دولار سنويا، وكذلك الحال في انجولا وجنوب إفريقيا والكونجو. وقد حذر تقرير اسرائيلي من أن وجود 10 سفارات اسرائيلية فقط في 47 دولة إفريقية، لا يرضي الطموح الإسرائيلي، نظرا لدخول إيران إلى الساحة الإفريقية ونجاحها في افتتاح 23 سفارة دائمة لها هناك، ورغم ذلك تعتبر وزارة الخارجية الإسرائيلية ان ما تحقق إنجازا كبيرا، ولو بشكل تدريجي، وترى أيضا ضرورة زيادة عدد السفارات لها هناك، رغم عدم قدرتها على مجاراة إيران فيما تقدمه لافريقيا. ورصد مراقبون تنامي حال المنافسة بين إيران وإسرائيل على تعزيز الوجود الدبلوماسي في افريقيا، في محاولة للتودد للقارة بكل شيء بدءًا من التجارة حتى الروابط الأمنية لكسب أصوات الدول الافريقية داخل الأممالمتحدة حيث يمكن لاصوات افريقيا وعددها 53 صوتاً إحداث فرق. المصدر: اخبار الخليج 22/12/2010