لا تتجاوز شريحة اليهود نسبة 2٪ من سكان الولاياتالمتحدة، لكن عناصرها يتغلغلون في مقامات رفيعة مؤثرة، في الوظائف العامة الحكومية والحزبية والنخب الاقتصادية والثقافية ونحوها، بمعدل يراوح حول 30٪.. ولأن الولاياتالمتحدة مجتمع أقليات ومنمنمات عرقية ودينية وافدة من مختلف جهات الدنيا، فإنه لا يصعب تبصر حجم التميز الذي تحظى به هذه الشريحة قياساً بغيرها. فذوو الأصول العربية والإسلامية يفوقون اليهود الأميركيين عدداً، بيد أن انتشارهم ونفوذهم النخبوي ما زال يدور في دائرة شديدة الضيق والحرج. وصعود باراك أوباما كأول رئيس هجين العرق إلى سدة البيت الأبيض، لا يعني نهاية معاناة السود، وهم خمسة أمثال اليهود، من التمييز وضآلة السطوة والصيت في الرحاب الأميركية وعلى كل الأصعدة. والحق أن طبيعة النظام الأميركي ومعطياته، تسمح بهذا التفاوت وعدم التناسب بين الكم وبين القوة الفعلية للشرائح والمكونات المجتمعية. ومع ذلك كان تقديرنا وما زال أن نفوذ النخب اليهودية في تحديد السياسة الأميركية، محكوم بمحددات صارمة؛ سقفها المصالح الأميركية العليا التي لا يرسم أبعادها وخطوطها العريضة ما يعرف باللوبي اليهودي بالذات. ويصدق هذا على المصالح المتعلقة بالشرق الأوسط ومسارات الصراع داخله ومن حوله. من الأمثلة التي تتصل بهذا التصور، أن واشنطن ألزمت إسرائيل بعدم الرد على الصواريخ العراقية عام 1991، كما فشلت الجهود اليهودية الداخلية والإسرائيلية في إطلاق الجاسوس جوناثان بولارد، باعتباره تعرض لما يمس الأمن القومي الأميركي الذي يعلو على أية أولويات، حتى لو كانت خدمة الحليف الاستراتيجي إسرائيل. الإسناد الأميركي لإسرائيل ينبعث من مراعاة المصالح الأميركية أولاً. وللتذكير، فإن لهذه المصالح شقين.. أحدهما مادي منظور، كتدفق النفط بأسعار مقبولة ومعقولة بالمفهوم الاقتصادي الأميركي، واستقبال الأموال النفطية في الأسواق الأميركية ادخاراً واستثماراً، ودور إسرائيل كقاعدة ثابتة يعتمد عليها في إطار الصراع الاستراتيجي العالمي. والآخر معنوي روحي غير منظور، محوره الأفكار الدينية الرؤيوية للصهيونية المسيحية التي يعتنقها زهاء ثمانين مليون أميركي. بعض ما كشفته وثائق ويكيليكس مؤخراً، يؤكد هذا التقدير بأثر رجعي.. ففي عام 1969 في أوج الحرب الباردة، استعطفت غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل، الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للتدخل لوقف ما دعته «اضطهاد اليهود» في الاتحاد السوفييتي والضغط لأجل السماح لهم بالهجرة، فما كان من نيكسون إلا أن أسر إلى هنري كيسنجر مستشاره للأمن القومي بأنه يعرف «..ما يحدث لليهود، لكنه لن يفجر العالم بسبب ذلك»، والأدهى أن كيسنجر نفسه ذهب إلى أن «هجرة اليهود السوفييت ليست هدفاً للسياسة الخارجية الأميركية، وحتى لو وضعوا اليهود في غرف غاز، فإنه لن يكون شأناً أميركياً..»! بهذا الخصوص، لنا أن نفهم موقف نيكسون على أنه تعبير عن الرؤية الرئاسية للمصالح الأميركية العليا، التي نزعم أنها تفوق وربما تجب أحياناً ما عداها من رؤى فئوية تخص إسرائيل واللوبي اليهودي.. غير أن ما يستحق العناية والتدبر أيضاً هو تأمين الناصح كيسنجر، اليهودي المتأمرك، على أقوال رئيسه بفجاجة استدعت اعتذاره بعد أربعة عقود. على هامش هذه الواقعة القديمة نسبياً، اتضح أن نيكسون لم يحمل على الصعيد الشخصي أفكاراً ودودة تجاه اليهود، إلى حد أنه «عارض العفو عن الشبان الأميركيين الذين فروا إلى كندا كي لا يخدموا في حرب فيتنام، لأن معظمهم من اليهود..». والعبرة تبدو واضحة وقابلة للاستمرار، وهي أن السياسة الأميركية الشرق أوسطية، ليست رهينة لأهواء القطاع اليهودي حصرياً، لكن آليات صناعتها تبيح لهذا القطاع الربط بين ما هو في صالح إسرائيل، وبين ما ينفع المصالح الأميركية البحتة. المصدر: البيان 2/1/2011