ما كان السيد مبارك الفاضل ليجد قيمة سياسية – بأي درجة من الدرجات – عقب انسلاخه الشهير عن حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي مطلع الألفية الثالثة لولا أن الحكومة - وقتها - قدمت له مقعداً فى جهازها السيادي و التنفيذي تحت مسمي (مساعد رئيس الجمهورية) ، حيث لم يكن ليختلف اثنان على أن الفاضل كان شديد الظمأ لسلطة تروي غليله ، وفشل تماماً فى حمل ابن عمه زعيم الحزب لقبول المشاركة فى السلطة و لم يكشف الفاضل لإبن عمه هدفه الكبير من وراء تلك المشاركة ظناً منه أنه (أذكي) من أن يبوح بسر كهذا حتى لإبن عمه ؛ وكان الهدف فى غاية السذاجة و البساطة أضحك الكثيرين من قادة الحكومة حين عرفوه ، وبعضهم دمعت أعينهم ضحكاً و البعض لا يزال يستغرق فى الضحك حتى يستلقي حين تردد على مسامعه أصداء تلك الأيام. كان هدف مبارك هو الاستفراد و الانفراد بمن ؟ برئيس الجمهورية ، المشير البشير، بعيداً عن بقية قيادات الدولة و من ثم (التحكم) فى توجيه دفة القيادة لصالح من؟ بالطبع فى وسع أى قارئ أن يخمن ! لقد كان هذا الهدف الذى أعدَّ له مبارك المعطيات المطلوبة (سراً عزيزاً لديه) ، حرص على إبقاؤه طي صدره ، و لربما كان يعتقد – حتى الآن – أنه طي دخيلته و فى أقصي عمق من أعماقه ! و بالطبع أيضاً لم (يهنأ) الرجل بهدفه النبيل إذ سرعان ما طاف عليه (طائف) و قضي على أحلامه المشروعة! الواقع إن هذه المأساة هى التى ينبغي وضعها فى مقدمة اى قراءة لعودة الرجل المفاجئة للسرب من جديد ، فقد اختار الفاضل ذات المفاجأة التى خرج بها و شارك بها ليعود الى الحزب دون شرط أو قيد! ما يشير الى أن الرجل لم يكن يملك خياراً فى الحالتين ، حالة الخروج و حالة العودة . و لا تكتسب فى الواقع هذه العودة الآن أدني أهمية لا للحزب ولا للرجل و لا للساحة السياسية إذ انه (عاد كما ذهب) لا إصلاح و لا تجديد ، و لا تغيير ، ولا حتى هناك وجود لمجرد نوايا لتغيير أو تطوير ، والأكثر إثارة للدهشة أنه لم يعد (بحزب) ، إنما عاد بأشخاص ربما يعدون على أصابع اليد الواحدة ، والأكثر إثارة للغرابة ايضاً انه عاد (بارتباطات) خارجية مريبة لا يدري أحد كيف فاتت على فطن ابن عمه المغلوب على حزبه؟ و الأكثر إدهاشاً أن العودة المفاجئة لم تكن بعيدة عن خطة فطيرة (صيغت على عجل) على أساس أن للرجل حب للمغامرة وركوب الأمواج المتلاطمة و التى من المحتم أن تلقي به على صخور اليأس و الضياع. و من المؤكد – وفقاً لمصادر حزبيه بحزب لامة – تحدثت ل(سفاري) هاتفياً ، ان السيد الصادق وجد نفسه مرغماً على قبول هذه (العودة الطوعية) ، فهو لا يستطيع منع عودة كهذه فى ظروف كهذه ، و لكن ربما كان للعودة ثمنها الذى يتعيَّن على زعيم الحزب (المساهمة) فى تسويته ، ولو (من جيبه السياسي الخاص) !