لمنع انهيار الدولة.. فصائل سودانية: تركنا الحياد واصطففنا مع الجيش    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    صحة الخرطوم توفر أجهزة جديدة للمستشفيات والمراكز الصحية واحتياجات القومسيون الطبي    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بشائر مستقبل العالم الإسلامي

منذ بزوغ فجر الرسالة، والإسلام يعيش في دورات من الصراع، والتداول الحضاري.. يواجه التحديات الثقافية والاجتماعية، ويتفاعل مع التجارب الإنسانية من حوله. يدافع الكفر، ويدعو لتحرير العباد، وتنمية المجتمعات، ويجادل بالحسنى، متميزا بعقيدته، وشموخ بنيانه الحضاري المتفرد.
والوقوف على التحديات، المعاصرة منها، المستقبلية، يقتضي وقفة مراجعة وتقويم، لمواقفنا، ومؤسساتنا الثقافية، فنبين عناصر الإيجاب، التي اكتسبتها، وننبه على أوجه السلب والقصور، التي لحقت بها، حتى يستقيم أمرها، وتعتدل في وجه التحديات الحضارية المعاصرة.
ولعل من عناصر الإيجاب في ثقافتنا، ذاك الاهتمام بالرصيد الهائل من المسلمين- علما نظريا، وعملا تطبيقيا- في مجالات العلوم، والمعرفة، والثقافة، وما صاحب ذلك اجتهاد فقهي متجدد، يحيط بالواقع، ويسعى لمواجهة المشكلات المستجدة. وفي مقابل هذا الكسب الإيجابي، فإن واقعنا الثقافي اليوم، يعاني من مشكلات التبعية والتقليد، والفهم القاصر للذات، وجهود سلفنا العظام، فهما لا يبلغ الشمول والتكامل، ولا يراعي الوحدة الموضوعية في شرح النصوص، ويهمل متغيرات الحاضر والعصر.. كما أن بعض المؤسسات الفكرية والثقافية، وبعض أفرادنا وجماعتنا، انحرفت وراء الغرب، تنادي بتجزيء الإسلام وتبعيضه، بين إسلام أصولي، وإسلام سياسي، وإسلام صوفي، وتفصل بين الدين والسياسة، وتخذل روح الجهاد، والاجتهاد، متناسية أن الدين كلمة شاملة، جامعة للمعاني العملية، التي تقيم الحياة الدنيا والآخرة.
وإذا كان المسلمون قد عانوا من الغفلة لقرون مضت، ثم انتبهوا، فإن الصحوة الراهنة، قد جلبت عليهم عداء متصاعدا، وأدخلتهم في دائرة صراع جديد، شكلا ومضمونا وقد يكون المطلوب هنا، أن نسعى لنقل هذا الصراع المتصاعد، إلى دائرة الحوار، وأن نبادر إلى فهم الغرب، وأساليبه، وأن نعد العدة.
والثقافة الإسلامية، وسيط اجتماعي فاعل، وحي، يسهم في تحقيق التنمية الشاملة، ويؤسس لنهضة جديدة للحضارة الإسلامية، التي هي حضارة أمة منتجة، عاملة...معتنية بالتنمية، والاعتماد على الذات.. حضارة أمة تعتقد جازمة، بما تواتر لديها من الأدلة، والنقول، والإرهاصات، أن لها المستقبل كله ظهورا، وانتشارا، وأن عاقبة أمرها النصر والتمكين.
تحديات .. وتميز
مقدمة في تعريف التحديات الحضارية المعاصرة وتميز الحضارة الإسلامية
1- مفهوم الحضارة:
الحضارة، في تعريف بعض الباحثين في علوم الحضارة، تعني العمران، والإنتاج الثقافي، والنظام الاجتماعي، فهي كما عرفها ابن خلدون:(أحوال عادية، زائدة على الضروري من أحوال العمران)، زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه، وتفاوت الأمم، في القلة والكثرة، تفاوتا غير منحصر..). أو كما عرفها ول ديورانت هي :نظام اجتماعي، يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. وقد درس الدكتور أبو زيد شلبي التعريفيين، واستخلص منهما أن الحضارة هي:
(مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم، في نواحي نشاطها الفكري، والعقلي، من عمران، وعلوم، ومعارف، فنون، وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها، حتى تصل إلى الغاية التي تواتيها بها أحوالها، وإمكانياتها المختلفة).
2- الحضارة الإسلامية:
والحضارة الإسلامية، ذات نسب عريق في الحضارات، سبقا، ورسوخا، وشمولا، ومحتوى، لكونها بحكم نسبتها إلى الإسلام، متسمة بالخلود، ولا تزال آثارها المادية والمعنوية باقية، وإسهاماتها في الحضارة الكونية، والنهضة العلمية المعاصرة، ظاهرة.
وقد قامت الحضارة الإسلامية على ركن شديد من القيم الأصلية، الراسخة والحارسة، لأسباب الرقي البشري، والرعاية لكرامة الإنسان، وحرماته، من التوحيد والعدل، والإحسان، والمساواة، والإصلاح، والصدق، والعفاف، والأمانة، والعلم، والرحمة، والرفق، وحسن الخلق، والإخلاص، والتجرد، والعمل الصالح.
ولا عجب، إذ هي وليدة التربية الإيمانية، فردية وجماعية، بين مكة والمدينة، فأقامت صورا مشرقة، حيث أقامت الحضارة الفكرية، التي ظهرت في تأليف العلماء، المبثوثة في الأنحاء، وقد سبقت غيرها في أبحاث العلوم الشرعية، والاجتماعية والطبيعية، واللغوية، مع العناية بالعمران، والجمال التوحيدي، في المساجد، والجامعات، والمداس، والقصور في المدن الإسلامية العريقة، في مشارق العالم الإسلامي، ومغاربه، وأسست أركانا، وقوائم راسيات للعلم التجريبي، اعتمدت عليها المؤسسات والجامعات الأوربية، وقامت عليها النهضة العلمية المعاصرة.
3- بين الحضارة الغربية المعاصرة والحضارة الإسلامية:
(أ) الحضارة الغربية في الأساس، حضارة صناعية تقنية، فاقدة للتقوى، توحلت إلى حضارة استكبارية باطشة، تركت الجدال بالحسنى، وجاءت للناس على متن المقاتلات والمدرعات، تمشي بينهم بالتقتيل، والتشريد، والاضطهاد، والإبادة، ويشهد لذلك الحرب العالمية الأولى، والثانية، وأخيرا، النظام العالمي الجديد.
أما حضارة الإسلام، فتقوم على الجمع بين التقوى والتقنية، دون تعارض أو تنافر.
(ب) والحضارة الغربية، من ناحية أخرى، تقوم على تمجيد العقل، والاعتماد عليه وحده، بينما تقوم الحضارة الإسلامية على التوفيق بين العقل والوحي، فليس فيها خصام، أو فصام بين الدين، والعلم، كما كان في أوربا، بل يتواءم العلم والإيمان: الإيمان القائم على العلم.. والعلم المؤمن، الداعي للإيمان.
(ج) الحضارة الإسلامية، تقوم على السلام العالمي، والأمن الداخلي، كما في قوله تعالى : (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) (الأنفال:61) (لا ينهكم الله عن الذين لم يقتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة:8).
وفي الحديث النبوي :(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) و(... المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ).
بل تتجاوز حضارة الإسلام ذلك، إلى الاتساق، والانسجام، والتوافق، والتوازن، مع نظام الكون والحياة، والإنسان، حيث أن الحقيقة الدينية في خلق الإنسان وتمام إسلامه: اعمار الكون، بالصلاح، والفلاح، بعد تسخيره له:(الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الجاثية :12-13).
(د) يتجلى هدى الإسلام، في تسخير الكون للإنسان، ليؤدي شكر النعمة، بينما تسعى الفلسفة المادية، لتسخير الإنسان، وتعبيده للكون، وظاهر الحياة الدنيا.
ومهما يكن من أمر، فإن الصراع بين حضارة الإسلام، وحضارات غيره، صراع مستمر، إلا أن الحقيقة، التي يجب أن تبقى ناصعة، واضحة، بينة، هي أن العاقبة لأهل التقوى، والبقاء للحق، والخير، والبر وما ينفع الناس :(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (الرعد:17).
الخطر المخيف
خطر الصراع بين الحضارات الإسلامية والحضارات الأخرى، يكون محدودا لو بقي المسلمون معتصمين بدينهم، متميزين بأصالتهم، ولكن فقدان هذا، هو النذير بالخطر، لأنه يعني فقدان الانتماء والإحساس بالذات.. والسلمون إنما يدركون ذاتهم من طريقين:
(أ) من طريق وحدتهم، التي تكونها المفاهيم، والتعاليم، والقيم المشتركة.
(ب) ومن طريق مخالفتهم للآخرين، والتي تنشأ عن المغايرة، والمفارقة في الاعتقاد، والعبادة، والإخلاص.
وهذا التمييز والتمايز، الذي يجب أن يبقى، هو الأمانة التي تلقاها كل جيل عمن قبله، ولابد أن يحملها إلى من يجيء بعده، ليبقى مستعرا، متقدا، يواجه كل التحديات، والحضارات، على مر الأزمان، إلى يوم تبديل الأرض غير الأرض والسموات.
فإن فقد هذا الإحساس، وزال هذا التمييز، واجهنا خطرا أكبر، يتهدد أصالتنا، ويهد أركان بقائنا. ذلك الخطر، يتمثل في تقليدنا، وتبعيتنا للملل، والحضارات الأخرى، وقد حذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من خطورة التقليد والتبعية لغيرنا، فقال :(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذرعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )، وقد ورد هذا الحديث بروايتين، بإحداهما :قالوا: اليهود والنصارى؟ وفي الأخرى قالوا: الفرس والروم؟ فأقرهم...
إذ حيث كان تقليدهم في العبادات، كانت الإشارة إلى اليهود والنصارى، وحيث كان تقليدهم في الحضارة، والثقافة، كانت الإشارة إلى الفرس والروم.
توجيه الصراع الحضاري
قدر الله أن نكون أمة الرسالة الخاتمة، ولذلك فإن أعدى من عادانا، في الماضي، هم أهل الكتاب، ومن والاهم على هذه المعاداة، ممن قادوا حملات الحروب الصليبية، من العواصم الأوربية، على المسلمين، وهكذا كانت بداية الغرب في اتصاله بالعالم الإسلامي، عن طريق المواجهات العسكرية أولا، ثم الإدارة الاستعمارية، أو الاستخرابية ثانيا، فأصاب المسلمين من جراء ذلك غزو عسكري سياسي، واستغراب فكري ثقافي، واجتماعي، ونهب اقتصادي.
ثم لما نهض المسلمون، وبدأوا مسيرة العودة إلى الجذور، عاد خصومهم للحرب العدوانية، بأوهى الأسباب والحجج، وبمعايير مزدوجة في التعامل، خاصة بعد اختفاء التحدي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي، في مواجهة أمريكا، زعيمة النظام الرأسمالي.
وقد صارت هذه القوة العسكرية، هي سبيل الحضارة الغربية الأوحد في إسكات صوت المسلمين، إن طلبوا رقيا، أو سعوا إلى الالتزام بشريعتهم، أو أرادوا إصلاح حالهم، أو تحرير قرارهم، أو تصحيح انتمائهم، وذلك بعد ما كانت من قبل تستخدم قوتها الاقتصادية، ومعوناتها، وقمحها، في فتنة المسلمين، وصدهم عن سبيل الله.
هذه العلاقة بيننا وبين الغرب، علاقة متخلفة في الحوار الفكري، والصراع الحضاري، لذلك قد يكون المطلوب: العمل على توجيه هذا الصراع، من صراع العسكر، وتحويله، إلى صراع الحوار.. نصرفهم عن علاقة الحمية والقتال، إلى علاقة التحاور، والجدال بالحسنى، فإن استطعنا ذلك، نكون قد حولنا صراع الحضارات، من التقاتل، والتحارب حول الموارد، ورغيف العيش، إلى صراع حول الثقافة والتحاور.
غير أن هذا التحويل، وهذا التوجيه، يتطلب منا أمورا عدة، لعل أهمها:
(أ) تحديد القضايا والموضوعات، التي يصب عليها، ويدور حولها، الحوار.
(ب) الاجتهاد في تجديد وتقويم الوسائل، التي نقيم بها الحجة عليهم.
(ج) أن نهتم بالمثال، والأنموذج الفعلي، لا أن نعتمد مجرد المقال.
(د) أن نكون عالمين بما لدى غيرنا، وخصوصا الدين المقارن، وقد سن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه السنة، فيما أخرجه الإمام أحمد عن عدي بن خاتم قال:(دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(يا عدي أسلم تسلم )، فقلت: إني من أهل دين، فقال:(أنا أعلم بدينك منك )، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال (نعم، ألست من الركوسية، وأنت تأكل مرباع قومك ؟) قلت: بلى، قال : (هذا لا يحل لك في دينك ). قلت: نعم. فلم يعد بعد أن قالها، فتواضعت لها). الحديث(17)... وهو دال على أن العلماء المسلمين، ينبغي أن يكونوا أعلم بما عند المخالفين، وخاصة من ابتلى بهده المهمة.
(ه) إعداد دعاة منا ممن عاش في الغرب، وعرف لغاتهم، ومصطلحاتهم، وطرائقهم في التفكير، ومداخلهم في التعامل، ليؤدوا مهمة الحوار، والتواصل الثقافي والحضاري.
(و) أهمية إعداد العدة، وامتلاك القوة، والتقدم العلمي، والتفرد الحضاري، والتمييز الأخلاقي، لنفرض على (الآخر) احترامنا، حتى يسمع كلامنا، بعد إزاحة العوائق التي يضعها بيننا وبينه، بل بيننا وبين قومنا.
عناصر الإيجاب والسلب في مواقفنا ومؤسساتنا الثقافية
حتى نقف على التحديات الحضارية، المعاصرة، والمستقبلية-كما أسلفنا- لابد من وقفة مراجعة، وتقويم لمواقفنا، ومؤسساتنا، الثقافية، نصحب مراكز الثقافة، وأدواتها، وقدراتها، وطاقتها، لمواجهة المتغيرات، فنبين عناصر الإيجاب، التي أكتسبها،وننبه على أوجه السلب، والقصور، وبيان أسبابها، في محاولة للخروج منها، وتصحيحها، وتقويمها، لتعتدل، وتستقيم في وجه التحديات الحضارية، المعاصرة، والمستقبلية.
أولا: عناصر الإيجاب:
(أ) للمسلمين رصيد هائل- علما نظريا، وعملا تطبيقيا- في مجالات العلم، والمعرفة، والثقافة، والحضارة.
(ب) المسلمون هم أول من أقام المكتبات، وأنشأ مراكز الترجمة، والمعاهد الأهلية، والشعبية، وكانوا روادا في كل موضوعات العلوم، وقد بذلوا الجهود العلمية، والمعرفية، وعرفوا بالتسابق العلمي، وتقدير النابغين فيه، مهما كان اختلافهم، وإن كانوا من غير المسلمين، فقد احتوت كتب طبقات العلماء، على تراجم عدد من العلماء، من غير المسلمين، في العلوم الطبية، والهندسية.
(ج) كانت المحاضر، والجوامع الجامعية، في حواضر العالم الإسلامي، تعلم إلى جانب العلوم الشرعية، والعربية، العلوم الطبية، والهندسية، وكانت المحاضر الأندلسية، تستقبل الطلاب من أوربا وغيرها.
(د) لم يعرف المسلمون هذا الانفصال بين ما يسمى بالعلوم العصرية، والعلوم الدينية، إلا على آخر عهود السلاطين العثمانيين، وكان هذا الانفصال من أخطر ما أثر في تخلف المسلمين علميا.
(ه) ومن إيجابيات حضارتنا، أن العلماء، والفقهاء- على بعض الفترات انفتحوا للعصر، والحال، بفهم للواقع، وفقه للمرحلة التي يعيشونها، مع سعة أفق، وعمق إدراك، وصاروا يعالجون المشكلات المستجدة، والقضايا المتجددة، والحوادث العارضة.
(و) يطبقون الشريعة، وفق مقتضيات العصر والحال، مع التفريق بين الشريعة، والتطبيق الفقهي، ومراعاة ظروف المجتمع، ولهذا كان استخدام العرف.. ومن المعلوم عند أهل أصول الفقه، أنه لا ينكر تغير الأحكام والفتوى، لتغير الأزمنة، والأحوال، والعوائد، والنيات.. ومن طريف ما يذكر هنا، حكاية العلامة زروق الفاسي(ت899) في شرحه لرسالة بن أبي زيد القيرواني، أن الشيخ أبا محمد بن أبي زيد القيرواني(ت386)، صاحب الرسالة المشهورة في فقه المالكية، انهدم حائط بيته، وكان يخاف على نفسه من بعض الطوائف، فربط في موضعه كلبا، اتخذ للحراسة، فقيل له: إن مالكا يكره ذلك فقال رحمه الله : لو أدرك مالك زمانك، لاتخذ أسدا ضاريا!؟.
(ز) ولابد هنا من إشارة إلى الومضات، والإضاءات التجديدية، والاجتماعية، بين عدد من قادة الحركات، والمؤسسات الإسلامية، في عالمنا المعاصر، مما يبشر بمستقبل زاهر.
ثانيا: عناصر السلب:
إن كانت تلك هي بعض عناصر الإيجاب في مواقفنا، ومؤسساتنا الثقافية، في عصرنا، وعالمنا، فإن من أخطر عناصر السلب، ومظاهر القصور:
(أ) عدم استكمال جهود التأصيل، والتعريب، في مؤسساتنا العلمية، مع مضي هذه العقود من سنوات استقلالنا‍‍‍‍‍‍‍. مما يعني ضعف إرادة البناء، والتبعية الثقافية للغرب.
(ب) الاشتغال بدراسة اللغات الأوربية، في برامج التعليم العالي، على حساب حاجات أمتنا الفعلية، وأولوياتنا الحضارية.
(ج) عدم التخطيط للمستقبل، بما يكافئ حجم الأخطار، التي تواجهها أمتنا، ومازال ما يسمى بالعالم الثالث، ونحن جزء منه، ينفق مالا يزيد عن 30% فقط مما ينفق، على الخطط، والبرامج المستقبلية.
(د) ومما يؤثر سلبا على علاقتنا الثقافية، ضعف التبادل التجاري، والمعاملات بين الدول الإسلامية، حيث لا تتجاوز نسبة 10% بينما تبلغ نسبة 90% مع الدول الغربية، مع ما عرفت به من احتكار، واستغلال لمنتجاتنا الإسلامية، فضلا عن عدم قيام سوق إسلامية مشتركة، في مواجهة السوق الأوربية المشتركة، وغيرها من التكتلات الاقتصادية الأخرى.
(ه) العلاقات الدبلوماسية، بصورتها القديمة، صارت متخلفة.. فالعلاقات بين الدول، حوار ثقافي في المقام الأول، حتى في العلاقات الاقتصادية، والتبادل التجاري، وهو حوار كامل، قد يعبر عنه المثقفون بصورة شاملة، تؤدي إلى حسن الفهم المشترك، والتواصل.
(و) التبعية الفكرية، والتقليد، والكتب المدرسية المذهبية، التي سادت في الفكر الإسلامي، وعطلت تجديد الفكر.
(ز) الاشتغال بالبحوث النظرية، النمطية دون أصالة، أو تجديد، أو اجتهاد، وهي بحوث آلية، لا تبعث روحا، ولا تزيد عن كونها تمارين رياضية.. وشيء عجيب أن مؤسسات كثيرة في التعليم، العالي خاصة، تخرج حملة شهادات عليا، يترفعون، ويترقون في سلك الأستاذية، دون أن يقدموا إضافات علمية مقدرة، ولكن:
أما الديار فإنها كديارهم..... وأرى نساء الحي غير نسائه
(ح) فهم بعض مؤسساتنا، وأفرادنا، وجماعتنا، للتراث، وجهود سلفنا العظام، فهما، لا يبلغ الشمول، والتكامل، ولا يراعي الوحدة الموضوعية في فهم النصوص، ولا يراعي الحاضر، والعصر، الذي نحن فيه، بتدبر، وتبصر، وفقه.
(ط) استغلال الغرب لبعض المقصرين من أفراد، وجماعات، واستخدامهم لمصالحه، على حساب المسلمين، تعطيلا لجهودهم، في العودة، وكسب الصراع، وإيقافا لمسيرتهم، حتى ساقهم، بكثرة الطرق والإثارة، إلى مواطن الخلاف، يؤجج نار الفتنة بين المسلمين، لصرفهم عن طريق النصر، والعزة، والتمكين، بل ينعطف بهم عن هم التمكين، والتفاعل مع الواقع، والعصر، إلى الثرثرة، والجدل، والمراء.. وبسبب ذلك مازلنا نتناظر حول المتشابهات، ونتجادل حول غسل، أو مسح قدم، حتى صار بعضنا لا يملك من الأرض، موضع قدم!!
(ي) انحراف بعض المؤسسات الفكرية، والثقافية، وبعض أفرادنا وجماعاتنا، وراء الغرب، تنادي بتجزيء الإسلام، وتبعيضه بين إسلام أصولي، وإسلام سياسي، وإسلام صوفي، فصلا، بين الدين والسياسة، وتخذيلا لروح الجهاد، والاجتهاد، والتأصيل، بينما الدين كلمة شاملة، جامعة للمعاني، العلمية والعملية، التي تقيم الحياة الدنيا، والآخرة.
(ك) هجرة كثير من المؤسسات الثقافية، في العالم الإسلامي- خاصة تلك التي تدرس وتبث العلوم المدنية والطبيعية- للقرآن، مخاصمة له، مجافية إياه، مبعدة له عن تلك العلوم، والمعارف.. فتدرس هذه العلوم، كأن ليس للقرآن فيها دخل، أو علاقة، مع أنه أنزله رب العزة، تبيانا، لكل شيء.
وهجرة القرآن في واقعنا المعاصر، اتخذ صورا ثلاث:
الأولى :الفصل بين كتاب الله المقروء، وكتابه المنظور، أي الكون.
الثانية :الأمية، وأعني بها الأمية الحضارية، والثقافية، والدينية، وأمية الحرف.
الثالثة :القصور عن فهم عالمية الدعوة.
1- الفصل بين الكتاب المقروء والكتاب المنظور:
الفصل بين كتاب الله المقروء، وهو القرآن، وكتاب الله المنظور، وهو الكون، يشكل في خارطة همومنا اليوم، تحديا كبيرا.
ولابد من إنهاء هذا الفصام، وإزالة الخصام، بين المصحف والكون، في كثير من أرجاء العالم الإسلامي، حتى يكون الذي يتلو القرآن، ناظرا في الكون، يتأمل خلق السماوات والأرض، ويتدبر سر التوافق بين الأجرام، والتوازن بين الكواكب، ليهتف في الآخر مقرا موقنا :(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) (البقرة :138)، (ما خلقت هذا بطلا سبحنك ) (آل عمران:191)، ويدرك سر وجوده:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات:56).
لهذا ندب القرآن قارئيه، بالسير في الأرض، تنقيبا للخيرات، وطلبا للأرزاق، وأعمارا للكون، واعتبارا بسننه، وقوانينه، ونواميسه :(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ) (العنكبوت:20) (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) (آل عمران :137-138)، (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (غافر:57)، وهذا هو سبيلنا إن أردنا حقا أن يكون القرآن دستورنا.
2- الأمية:
أن تبقى الأمية في العالم الإسلامي، إلى يوم الناس هذا، أمر لا ينبغي أن يكون، لأنه بدون محوها وإبعادها عنا تماما، لا يمكننا إقامة أي صرح لحضارتنا، إذ أن حضارة الإسلام قام أساسها على :(اقرأ باسم ربك الذي خلق ) (العلق:1-2)، فكانت (اقرأ)، أو الأمر بالقراءة، أول كلمة تتنزل من السماء الدنيا، على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن حقيقة الإشكال، ليست في الأمية الحرفية، بقدر ما هي في الأمية الثقافية، التي لا تعي الكتاب، وإن نظرت فيه، لا تتدبره، وإن قرأت آياته.. إنها الأمية التي تجعل أصحابها يقيمون حروف الكتاب، ويضيعون حدوده، وقد نعى الله تعالي هؤلاء فقال :(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) (محمد :24)،(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) (ص:29)..هذه هي حقيقة الإشكال: الأمية التي لا تعي الكتاب، ولا تتدبره،ولا تتفاعل دينيا مع مشكلات العصر.
3- القصور عن فهم عالمية الرسالة:
إن القصور عن فهم عالمية الكتاب، يفضي إلى القصور في تبليغ الرسالة، ونشر الدعوة في العالمين، وقد قامت الأدلة على عالمية الرسالة منذ العهد الملكي في تنزيل القرآن العظيم:(وما هو إلا ذكر للعلمين ) (القلم :52) (إن هو إلا ذكر للعلمين ) (التكوير:27)، (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعلمين نذيرا ) (الفرقان:1).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم تبعا للكتاب الذي أنزل عليه، رسولا للعالمين، ورسالته رسالة عالمية :(قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) (الحج:49)، (وما أرسلنك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) (سبأ:28)، (وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء:107)، وأمته من ورائه أمة عالمية، همها دولي، ودعوتها للبشرية، وما أخرجها الله إلا للناس، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر:( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران:110)، (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) (البقرة:143).
دور التنمية الثقافية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة
ونتجاوز العناصر السلبية في مواقف بعض مؤسساتنا وجماعتنا، التي لا تلبث أن تزول بنهضة الأمة، نهضة شاملة، بكل عناصر الحضارة، الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، وهي جوانب يعزز بعضها بضعا، ويقويها، لتسهم جميعا في صياغة مستقبل الحضارة الإسلامية.
فالحضارة الإسلامية، هي حضارة أمة منتجة عاملة.. معتنية بالتنمية، والاعتماد على الذات، مع تفضيل للاستثمار الزراعي، لكونه أكثر بركة، ونفعا، وأعظم تحقيقا للأمن الغذائي، وحرية القرار، والاستقلال.. وفي تقدير العمل، وأهمية تداول المال، واستثماره، بلغ فقهاؤنا مبلغا عظيما، حتى إن بعضهم قال فيمن ضاع له مال، أن يبذل مثله إن لزم إيجارا في استخراجه، حتى لا يعطل تداوله بين الناس.. ومن الفقه، قطع الصلاة حفاظا على روح متقوم.
والتوجيهات النبوية، تحض على العمل والإنتاج، يقول صلى الله عليه وسلم :(إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها ).
وقد سلكت بلادنا الإسلامية، مذاهب شتى في التنمية، ولكن فشلت كل محاولة في التنمية الاقتصادية، أو الاجتماعية، لكونها معزولة عن أصالة وتراث أمتنا..إذ لا سبيل إلى نهضة أمتنا، وسيادة حضارتنا، إلا بالتماس الهدى من شرع الله.
وما دامت هذه نظرة الحضارة الإسلامية، للتنمية والإنتاج، فإنها إذا تقوم على أمور، هي:
أولا :إن الإسلام يعارض جمع الثروات في يد واحدة، أو أيد معدودة، دون الناس، لذلك نادى القرآن بتوزيع الثروات، من الفيء، والغنيمة، والزكاة، والخراج، والعشور، والتركات بين أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع :(كى لا يكون دولة بين الأغنياء ) (الحشر:7).
ثانيا: الأرض لمن يحييها، لمحاربة الإقطاع، الذي كان يأخذ الأرض كلها، نظير ضرائب صغيرة.
ثالثا: الملكية الحقيقية لله، كما في أكثر من عشرين، آية في القرآن، نذكر منها: قوله تعالى :(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (الحديد:7).
وقوله تعالى:(وأتوهم من مال الله الذي أتاكم ) (النور:33).
وقوله تعالى:(ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله ) (الطلاق:7).
أما الحضارة الغربية، فإن نظرتها للثروة، والمال، تقوم على الرأسمالية، التي تعطي للمالك الحرية المطلقة، من حيث أنه هو المالك الحقيقي، الذي أوتي على علم عنده، ولا علاقة لله بماله.
أي مستقبل لثقافتنا في وجه التحديات المعاصرة والمستقبلية ؟
المستقبل للإسلام، ليس هو مجرد شعار نتبناه، محوطا بالأمل والرجاء، إنما هو دين، وعقيدة..نؤمن يقينا، ونوقن بجزم، أن المستقبل للإسلام، لأن المسلم بحكم إسلاميته، وتدينه، يؤمن بالمستقبل، وأن لكل مشكلة حلا، ولكل مسألة جوابا، ولكل داء دواءا، وقد قرر هذه الحقيقة كتابنا المحفوظ، وسنة نبينا المعصوم.
1- بشائر قرآنية:
فمن آيات النصر وبشائر المستقبل، في القرآن الكريم، وهي بغير حساب:
(أ ) قوله تعالى :(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (الأنبياء:105)، فوراثة الأرض، مستقبل ينتظر الصالحين من عباد الله، الذين التزموا دينه، وأقاموا شرعته.
(ب ) ويتأكد ذلك بظهور الإسلام، وسيادته، وهيمنته على الأديان كلها، مصداق قوله تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون ) (التوبة:33).
2- بشائر نبوية:
والسنن، جاءت تترى، تثبت هذه الحقيقة، وتقررها، وتنبه عليها:
(أ) روى مسلم وغيره، عن ثوبان، وشداد بن أوس، رضي الله عنهم، مرفوعا :(إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها، ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ).
(ب) وروى ابن حبان في صحيحه :(ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر ).
(ج) وأخرج أحمد، والدارمي، والحاكم، وغيرهم، عن أبي رضي الله عنه، قيل :قال:(كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل أي المدينتين تفتح أولا :القسطنطينية أو رومية ؟ فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله علية وسلم: أي المدينتين تفتح أولا: القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مدينة هرقل تفتح أولا (يعني القسطنطينية).
(د) وفي صحيح مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا )، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة، أن أرض العرب، كانت مروجا وأنهارا، وأن دورة ستمر عليها، لتعود مروجا وأنهارا.
3- من إرهاصات المستقبل:
إن كثيرا من الإرهاصات، تنبئ بحقيقة أن المستقبل لحضارة الإسلام، منها:
(أ) القيم الروحية، والأخلاقية، والمعنوية، المميزة لحضارتنا.
(ب) امتلاك الأمة الإسلامية لمصادر الطاقة والحياة، مع كونها وسطا جغرافيا وتاريخيا، يمثل سكانه خمس سكان العالم، وما يتيحه لها ذلك من إمكانيات.
(ج) اعتماد الأمة الإسلامية، فوق ذلك، على دينها الخاتم، المهيمن على الأديان..الدين القائم على العلم، وسيادة علومه، وحضارته.
(د) إفادة الأمة من حكم الآخرين وتجاربهم، وحضارتهم، مع تفريق بين ما هو مقبول، وما هو مردود، وبين ما هو إسلامي، وما هو جاهلي.
(ه) وحدة الأمة، وإحياء روابط الأخوة الإيمانية، والقوة التي تنتج عن ذلك، وقد قال تعالى: (إنما المؤمنون أخوة ) (الحجرات:10)..وجعل النبي الكريم، علامة الإيمان، حب المؤمنين بعضهم بعضا، وكان يمثلهم المهاجرون والأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم:(آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار ).
(و) علاقات العدالة، والإحسان، ورعاية الحرمات، التي هي أوثق للدلالة، من كونها مجرد حقوق للإنسان، تواضع عليها قبيل من الناس.
فمقام الإحسان في الدين، في كل شيء :(إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (النحل :90).. وفي العبادة كلها يكون الإحسان، كما في حديث جبريل عليه السلام، الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مقام الإحسان، فقال:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).. وفي المسند :(صلي صلاة مودع كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وحتى في العادات والمعاملات كلها، فإن الإحسان، مأمور به المسلم :(إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ).
(ز) صحوة الأمة، واستشعارها، ودعوتها إلى ضرورة التوجه الكلي نحو الدين، والالتزام به، والحصول على القوة، التي تحفظ كيان الأمة، والعمل على استقلالية الأمة، في كافة مجالات الحياة، مما يعني بدء زوال ظاهرة القابلية للاستخراب (للاستعمار)، التي بقيت ردحا من الزمان عند المسلمين.
(ج) أن الأمة بتوحدها، بإيمانها، وجهادها بامتلاك القوة، والتقدم العلمي، تبلغ أوج الحضارة، وتنتصر على قوى التخلف في داخلها، وتواجه قوى الطغيان والاستكبار العالمي، لتنتصر عليها إن شاء الله.
الخلاصة:
إن التحديات الحضارية، هي الخطر الحقيقي، الذي يواجهنا نحن المسلمين اليوم، غير أن هذا الخطر كائنا ما بلغ، قد ردنا إلى الإيمان، وأحيا فينا آمال العودة، حتى ولو كان بعضنا أميا، فيؤتيه الله علما.. والإيمان بالله، هو أصل العلم.
ومهما كان ضعفنا، وتفرقنا، اليوم، فإن الله يعيننا، ويؤلف بيننا، إذا استمسكنا بعروته الوثقى، وعدنا إلى الإيمان العاصم، فنملك بهذا العلم الإيماني، إمكانية أن نهدي العالمين إلى الصراط المستقيم. ثم إننا من أجل إقامة نهضة حضارية، وتفوق ثقافي، وتقدم علمي، لنكون قوة المستقبل، التي تحمي الحق، وتدافع عنه، لابد من عمل دائب، وجهاد في هذا السبيل، وإقامة للدين، بمعانيه الشاملة والكاملة، من أنه اعتقاد، وعمل، وعبادة، وأخلاق، وآداب، وسلوك، ومعاملات، وقوانين مدنية، وجنائية.. أو شعائر وشرائع، وأسلمة لشؤون الحياة كلها، في الفرد، والمجتمع، والدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.