في أعقاب الصعود السياسي للإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان المصري عام 2005، وحصولهم على 20% من المقاعد لأول مرة في تاريخ الحياة السياسية المصرية، بدأ موضوع هذا الكتاب يتردد في أروقة الإعلام وكواليس السياسة: ماذا لو حكم الإخوان؟!.. ما هي صورة الأوضاع عندئذٍ سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً وفنياً.. الخ. ومؤلفة هذا الكتاب صحفية بمؤسسة روز اليوسف، وهي -مثل المؤسسة- تنتمي إلى اليسار العلماني، الذي يتقاطع مع الاتجاهات الدينية عموماً، والتيارات الإسلامية والإخوان خصوصاً، ومن هنا جاء الكتاب واضحاً وحاسماً في موقفه ضد جماعة الإخوان المسلمين، وفي رفضه لأطروحاتها وصعودها السياسي وانتشارها الجماهيري، وفي تشكيكه في نواياها واتجاهاتها وممارساتها، وبالتالي إهالة التراب على أي إنجاز لها، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا عليه. ولعل أبرز المآخذ على الكتاب، ليس فقط ابتعاده عن الموضوعية والأمانة العلمية في كثير من الأحيان، واعتسافه الحكم على المواقف والآراء تحت سلطان الرفض والكراهية، بل خلوه من أي توثيق علمي للمعلومات التي يستند إليها، أو المواقف والآراء التي يناقشها ويصدر الأحكام بناءً عليها، إضافة إلى سرده معلومات مغلوطة أو منزوعة من سياقها الطبيعي، وهذا بالتأكيد يضعف الحجة والمنطق الذي يستند إليه. والكتاب يتكون من ثمانية فصول، يتناول الفصل الأول الحديث عن مرشدي الإخوان السبعة، ابتداءً من المرشد المؤسس حسن البنا، ومروراً بالمستشار حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر ومصطفى مشهور ومحمد المأمون الهضيبي، وانتهاءً بالمرشد الحالي محمد مهدي عاكف. وبعد استعراض الملامح السلبية التي تراها في هؤلاء جميعاً، تنتهي المؤلفة إلى نتيجة مؤداها أن الجماعة عبارة عن مرشدين (وهم السبعة) ومنظرين (وهما اثنان: عبد القادر عودة صاحب موسوعة التشريع الجنائي في الإسلام، وسيد قطب صاحب "نظرية تأصيل العنف" كما تقول)، والجماعة ليست تنظيماً سياسياًً، بل يمكن اعتبارها تنظيماً "جماعياً" وأن كل القرارات داخل الجماعة تتخذ بأسلوب غير علمي وغير مدروس. وهناك قلة متحكمة في مصائر الجماعة، مما يؤدي إلى "تخبط قراراتها".. أما حسن البنا فقد كان لديه شغف مبكر بالقيادة والزعامة منذ أن شارك في جمعية "الأخلاق الأدبية" بالمدرسة. وترى المؤلفة أن دراسة مهدي عاكف -المرشد الحالي- للتربية الرياضية. تفسر لنا العرض الرياضي العنيف لمليشيا الأزهر، كترجمة واقعية لتاريخ وفكر مرشد الجماعة واهتمامه، وربما أراد بذلك أن يفرض نفسه على الساحة الإخوانية، التي رغم اختيارها له مرشداً، فإن "الحقيقة تقول إنهم يعتبرونه مناهضاً للفكر التقليدي للجماعة". والفصل الثاني للكتاب عبارة عن حوار صحفي أجرته المؤلفة مع الدكتور محمد السيد حبيب نائب المرشد العام، يدور حول المحور الأساسي "ماذا لو حكم الإخوان؟"، طرحت فيه كل الهواجس والتساؤلات التي لديها في العديد من المجالات والقضايا والإشكالات، سواء الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو علاقة الإخوان بالأقباط وبالمرأة وتطبيق الشريعة الإسلامية، والموقف من الفن والإبداع والعري سواء في الأفلام أو في الألعاب الرياضية. وجاءت إجابات نائب المرشد واضحة في بعض القضايا وعفوية ومقتضبة في قضايا أخرى، والحوار مكتوب بالعامية المصرية، وحرصت المؤلفة على تسجيل كل شيء -حتى رنين الهاتف أثناء الحوار الذي امتد ثلاث ساعات- رأت فيه "الحبل الذي ستشنق به الجماعة نفسها، وذلك من خلال إخضاع فكرهم وكلامهم للمناقشة والتحليل بواسطة متخصصين". لكن إجابات الدكتور حبيب ركزت على أهمية الإصلاح السياسي كمقدمة للإصلاح الشامل، ودعوة الإخوان لفتح أبواب الحريات أمام الشعب، وتفعيل أدوات الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، وتنفيذ أحكام القضاء، وفتح الباب أمام تداول السلطة سلمياً، وفي العلاقة مع إسرائيل أشار إلى ضرورة مراجعة الدولة للاتفاقيات المبرمة مع الدول الأخرى كل فترة حسب مصالحها، وهو ما يجب أن يتم مع اتفاقات كامب ديفد. وفي الفصل الثالث أقامت المؤلفة "مباراة" خيالية، بناءً على الحوار السابق مع الدكتور محمد حبيب، من فريقين: الأول فريق الإسلاميين ويضم خمسة أفراد وهم أحمد سيف الإسلام حسن البنا، وأبو العلا ماضي، وضياء رشوان، ود. مكارم الديري، إضافة إلى د. حبيب، والفريق الثاني يضم: د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، ود. علي الدين هلال عن الحزب الوطني، ود. رفعت السعيد عن حزب التجمع اليساري، ومنير فخري عبد النور عن حزب الوفد، وسلوى شعراوي عن منظمات المجتمع الدولي، بالإضافة إلى مراقبين هم جمال البنا، وعبد المنعم سعيد واللواء مصطفى عبد القادر مدير مباحث أمن الدولة الأسبق، وضيفي شرف هما د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا، ود. عبد الله عبد الحي عميد كلية أصول الدين الأسبق. وبعد إقامة هذه المباراة الخيالية خرجت المؤلفة بالنتائج التالية : أولاً: يشكل "الإخوان المسلمون" خطورة على استقرار الأوضاع في مصر. ثانياً: هناك قضايا ذات أهمية قصوى ليس لدى الإخوان حلول لها، مثل العلاقة بين الدين والدولة والعولمة والديمقراطية والعلم وحقوق الإنسان. ثالثاً: "الإخوان المسلمون" لا يتحدثون عن قوانين الطوارئ، لأنهم سوف يستخدمونها بشدة إذا ما اعتلوا كراسي السلطة. رابعاً: "الإخوان" يفضلون رابطة المؤتمر الإسلامي التي وجدت منذ 15 عاماً فقط، عن الجامعة العربية، التي تقترب من 65 عاماً. خامساً: "الإخوان" يعتبرون فوزهم ب88 مقعداً في البرلمان، نصراً حقيقياً يسرع بهم لاعتلاء السلطة. سادساً: ليس عندهم برنامج لإدارة البلد، ولكن لديهم برنامج لإدارة الفقر. سابعاً: لا يعترفون بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ثامناً: يعتبرون "حماس" فرعاً من الإخوان المسلمين، ويتحالفون مع إيران. وفي الفصل الرابع تستعرض المؤلفة كتابا للدكتور توفيق يوسف الواعي عن "الفكر السياسي المعاصر عند الإخوان المسلمين"، وتنقل الكثير من فقرات الكتاب مع التعليق السريع عليها، وكأنها تستدل به على صحة ما ذهبت إليه من نتائج في الفصل السابق، لكن النصوص المنقولة من كتاب "الواعي" تقدم رؤية مختلفة. إنها تتحدث عن أن السياسة والحكم أصل من أصول الشريعة، وأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر في شؤون أمته، مهتماً بها غيوراً عليها، وأن شمولية الإسلام تفرض العمل السياسي، وأن الدولة ممثلة للفكرة الإسلامية. ومن العناوين المذكورة "قعود المصلحين المسلمين عن المطالبة بالحكم جريمة"، "الاعتدال والعقلانية في منهجية التعامل مع مسألة الحكم"، "وسائلنا العامة هي الإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر ثم النضال الدستوري"، "الشورى تلتقي مع جوهر النظام الديمقراطي"، "المعارضة السياسية المنظمة تعصم من استبداد الأغلبية"، "الأقليات وحقوق المواطنة في برنامج الإخوان"، "تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية"... وغيرها من العناوين التي تعبر المؤلفة عن امتعاضها من دلالتها على الفكر الإخواني الذي لا يتغير، ويسعون لتطبيقه في كل زمان ومكان. أما العلاقة بين الإخوان وإيران فكانت موضوعاً للفصل الخامس، الذي خصصته المؤلفة لبيان شدة إعجاب الإخوان المسلمين بالتجربة الإيرانية، من خلال ردود الدكتور محمد حبيب على أسئلة الحوار الصحفي السابقة الإشارة إليه. وتحاول المؤلفة عقد المقابلة بين النظام السياسي الإيراني الحالي، ومكوناته من مجلس الخبراء ومجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور ورئاسة الوزراء وغيرها مع إجابات نائب المرشد، حتى تخرج بنتيجة مؤداها أن الإخوان يريدون تطبيق النظام الإيراني في مصر، مع أن تفاصيل الحوار ليس فيها سوى الإعجاب بصمود إيران في وجه الغطرسة الأميركية في قضية الملف النووي، والتنويه بقوتها الاقتصادية والبترولية. وعلى سبيل المثال تقول المؤلفة إن الدكتور حبيب قال لها إن "شباب الأمة موجود وحريص على التطوع للدفاع عن حرمات ومقدسات الأوطان، وعلى السلطة مسؤولية الإعداد والتدريب والتسفير، لدينا 30 ألفاً من الإخوان، فهل هناك من يستقبلهم في فلسطين وأفغانستان ولبنان؟.. لتضع المؤلفة هذا التصريح جنبا إلى جنب مع خبر عن "تجمع 400 رجل وامرأة إيرانية يتطوعون لتنفيذ عمليات انتحارية ضد إسرائيل"، لتؤكد (التحالف الإخواني/الإيراني). وفي الفصل السادس تحدثت المؤلفة عن العلاقة بين الإخوان المسلمين وإسرائيل، من خلال استعراض بحثين أعدهما إسرائيليان، الأول يسرائيل آلتمان بعنوان "تجربة الإخوان في عهد الرئيس السادات"، والثاني نحمان طال وهو أحد كبار رجال جهاز الأمن العام في إسرائيل بعنوان "مواجهة من الداخل". وتنقل المؤلفة أجزاء كبيرة من الدراستين اللتين قدمتا صورة شديدة السلبية للإخوان المسلمين، ومع الأسف تعتمدها كأنها حقائق لا تقبل النقاش، وتستدل بها على حاجة الإخوان لإسرائيل باعتبارها "العدو الذي لا ينضب في المنطقة"، وحاجة إسرائيل للإخوان "كأداة تفريق وتمزيق للشعوب العربية". وجاء الفصل السابع تحت عنوان "مليشيا الإخوان" سيناريوهات حرب الشوارع، حيث تؤكد المؤلفة أن حادث "مليشيات الأزهر" لم يكن المفاجأة الأولى ولن يكون الأخيرة في مركز عمليات جماعة الإخوان "المحظورة"، لأن الإخوان سوف يخرجون من أدراجهم خططا إستراتيجية الواحدة تلو الأخرى. إنهم يخططون بالفعل ل"حرب الشوارع" والشواهد كثيرة! بل إنهم جاهزون لاستخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وهذا يفسر لنا لغز حشد "المحظورة" لعدد من الأطباء والكيميائيين والمهندسين في صفوفها، وهؤلاء يرهبوننا ويثيرون الذعر والخوف في قلوبنا، من أجل بناء "دولتهم الدينية" المزعومة، ويريدون تنصيب "خليفة" لهم علينا، فماذا سوف يحدث لنا لو أقيمت هذه الدولة بالفعل على أنقاض الشعب بالإرهاب والعنف؟! ويتناول الفصل الثامن والأخير ما تسميه المؤلفة "الحياة السرية والعلنية للأخوات المسلمات"، بدأته باستعراض تاريخي لنشأة قسم الأخوات المسلمات في جماعة الإخوان منذ بداية الجماعة عام 1928، ثم مرحلة ما بعد حل الإخوان في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. ثم تتحدث عن عدد من الأسماء الشهيرة في قسم الأخوات، ثم تتحدث عن الداعية الشهيرة زينب الغزالي، وتنقل سطورا من كتابها المعروف "أيام من حياتي"، وصولاً إلى الدكتورة مكارم الديري أستاذة الأدب والنقد بجامعة الأزهر، والتي ترشحت في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 وجيهان الحلفاوي مرشحة الإخوان في الأسكندرية في عام 2000. وتنهي المؤلفة هذا الفصل الأخير بالحديث عن "الحياة السرية للمتطرفات" أي المنتقبات، ولكنها لا توحي بأن هؤلاء لهم صلة بجماعة الإخوان المسلمين.