هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    ((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار حول مصطلح الفكر الإسلامي: تعريفه ونشأته ومجالاته
نشر في السودان الإسلامي يوم 10 - 10 - 2009

ثمة مباينة بين مصطلح الفكر/المفكر، والعلم/العالم، في مجموعات الإحياء الإسلامي، على اختلاف مدارسها، فبعض المنتسبين لتيار المدارس العلمية، يرون ان الوصف ب "مفكر إسلامي" إنما يطلق على الذين عجزوا أن يحملون التراث العلمي الإسلامي، ويراد للفكر أن يكون بديل للعلم الشرعي، وللمفكر أن يحل محل العالم.
ظهور الفكر الإسلامي بصبغته المعاصرة كان عقب الحملة الفرنسية على مصر، وتطوره في مبدأ الأمر كان على يد المفكرين الإسلاميين الأتراك، وتلك حقيقة يغفل عنها كثير من المهتمين بمثل هذه القضايا!!
وفي هذا الحوار يعرض المفكر الإسلامي السوداني د. بسطامي محمد سعيد، مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة برمجهام ببريطانيا رؤيته حول الفكر الإسلامي، ونشأته، وتمايزه، وتطوره، والخطر الذي يحدق به، من خلال استغلال الغربيين للمدرسة "العصرانية" لتغيير الإسلام من الداخل.
* هناك اعتراض أخذ في الانتشار حول مصطلح فكر /مفكر إسلامي، ويرى المعترضون أن هذه المصطلحات يُراد لها أن تكون بديلا عن علم/عالم شرعي ، فما رأي فضيلتكم؟
- لا شك أن قضية المصطلحات أمر هام وقد استخدم المسلمون مصطلحات كثيرة في مجالات مختلفة، بعضها نص عليه القرآن والسنة مثل لفظ الصلاة، الذى كان عند العرب يعنى الدعاء، فأطلقه القرآن على الصلاة المعروفة.
وهناك مصطلحات لم تأت في القرآن ولا في السنة، ولم تكن تستخدم حتى في عهد الصحابة مثل مصطلح العقيدة والتوحيد ثم شاعت بعد ذلك. وقد كان مصطلح "فقه" واسعا في العصور الأولى، ثم اصبح محصورا في المعنى الخاص المعروف. ولهذا شاعت قاعدة (لا مشاحة في الاصطلاح) بمعنى أنه لا ينبغى التنازع والاختلاف في قبول ما يمكن أن يستحدثه الناس ويستجدوه مما شاءوا من المصطلحات، ما دام معناها واضحا، وظاهرا، ومحددا، ومنضبطا.
ولكن في نفس الوقت ينبغي ألا ننسى أنه لا ينبغى لأحد أن يستعمل أية الفاظ أو عبارات إذا كانت محتملة أو موهمة لمعان فاسدة. وقد نهى القرآن عن ذلك فقال: (يَاأَيُّهَا 0لَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ 0نْظُرْنَا)، ذلك لأن لفظ راعنا إذا كان بمعنى المراعاة فهو مقبول، لكنه إذا كان من الرعونة فهو قبيح.
قال ابن القيم موضحا القاعدة السابقة "والاصطلاحات لا مشاحة فيها إذا لم تتضمن مفسدة". وقد استخدمت بعض الطوائف المنحرفة مصطلحات صحيحة في معان فاسدة، مثل المعتزلة استعملوا مصطلح التوحيد ويعنون به أمورا باطلة ومرفوضة. ومع هذا لم يترك الناس لفظ التوحيد من أجل الاستعمال الخاطئ له، بل استمروا في استعماله بشرط تعريفه التعريف الصحيح واستعماله في المعنى الصحيح وترك المعنى الفاسد منه.
فإذا استعملنا هذه المقدمات لمصطلح فكر إسلامي، نجد أن لفظ الفكر بمعنى التفكر، والنظر، والتدبر، والرؤية، واستعمال العقل، قد ورد بعبارات متقاربة ومشتقات كثيرة في القرآن، مثل (قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ)، و(فَ0قْصُصِ 0لْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، و(كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ 0لآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، و(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ 0لسَّمَٰوَٰتِ وَ0لأَرْضِ).
وقد استعمل لفظ الفكر قبل العصر الحديث، بمعنى التأمل والنظر الذي هو وسيلة للعلم وبذلك جاءت تعريفات له في كثير من الكتب المشهورة، مثل كتب اللغة وفي كتب مصطلحات العلوم وغيرها ، مع الإشارة إلى أن الفكر يمكن أن يكون صحيحا مقبولا أو يكون خاطئا منحرفا. فكلمة الفكر في حد ذاتها تعني هذا،وذاك.
ولم تستخدم قبل العصر الحديث عبارة فكر إسلامي لأن الفكر عند المسلمين هو بلا شك فكر إسلامي دون حاجة لوصفه بذلك. وإنما استخدم الغربيون لفظ فكر إسلامي وأمثالها من المصطلحات مثل إقتصاد إسلامي وقانون إسلامي، لتمييزه عن فكرهم الغربي، واقتصادهم، وقانونهم.
ولكن لا حاجة للمسلمين أن يضيفوا كلمة إسلامي لما عندهم من العلوم والمعارف، لأنها في الأصل إسلامية، ويكفي أن يقولوا الفكر دون حاجة لتمييزه، وتوصيفه بكلمة إسلامي!
وقد استعمل الغربيون كلمة فكر إسلامي لكل ما أنتجه المسلمون من علوم ومعارف، وهم طبعا لا يؤمنون بالإسلام بل يعتبرون كل ما جاء به المسلمون فكرا بشريا خالصا، حتى القرآن نفسه يرون أنه من تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم) ومن بنات أفكاره واختراعه!!
ولعله بسبب استعمال الغربيين الخاطئ لكلمة فكر إسلامي اعترض بعض العلماء المعاصرين على استعمال مصطلح فكر إسلامي، ومفكر إسلامي، مثل الشيخ ابن عثيمين، والشييخ أبوزيد الرئيس السابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولى، وهما من العلماء الأجلاء الراسخين في العلم.
ورأي الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – أن كلمة فكر إسلامي من الألفاظ التي يُحذّر عنها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد ، ويقول أن هذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لانشعر . ولا شك أن كلمة فكر إسلامي إذا أريد بها هذا المعنى الخاطئ المنحرف فهى غير صحيحة.
ولكن إذا أريد بكلمة فكر إسلامي الفكر الذي يستخدم الاصول الإسلامية والمناهج الإسلامية فلا أظن أنه يمكن لأحد الاعتراض على هذا المعنى الصحيح بسبب استعمال أعداء الله للمعنى الخاطئ المنحرف.
وكما ذكرت سابقا قد استعمل المعتزلة مصطلح التوحيد لعقائدهم الفاسدة ولم يعترض احد على استعمال مصطلح االتوحيد بسبب ذلك، بل لا زال الناس يستعملونه قديما وحديثا بمعناه الصحيح المقبول.
مساحة بين النقل والعقل
* و هل حفل تاريخنا الثقافي الإسلامي بوجود علماء شرعيين من جهة، ووجود مفكريين إسلاميين من جهة أخري، وفي حال وجود ذلك فما هي أبرز الرموز، وفي حالة العدم، فلماذا استجدت هذه الظاهرة مؤخراً في رأيكم؟
- لا بد أولا من تحديد المقصود بكلمة علماء شرعيين، فمصطلح علوم شرعية استعمل ليعنى العلوم التى مصدرها في الاصل الوحى مثل العقيدة وعلومها، والقرآن وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه وعلومه، وهكذا.
وذلك تمييزا بين هذه العلوم، وما أطلق عليه المسلمون العلوم العقلية هي التى يكون مصدرها العقل والتجربة، مثل الطب والحساب والكيمياء وغيرها. ومن المعلوم أن كثيرا من العلماء في عصور الإسلام الزاهرة كانوا يحيطون بكثير من العلوم الشرعية، والعلوم العقلية أيضا مما عرف في عصورهم.
فأبوحنيفة مثلا كان خبيرا بالمعاملات المالية الرائجة في زمانه؛ لأنه كان قد اشتغل بالتجارة ثم نبغ في الفقه، والغزالي أيضا كان خبيرا بالعلوم الشرعية، والعلوم العقليه في زمانه، وكذلك ابن تيمية.
فلم يكن كثيرا من العلماء الأوائل مختصين بالعلوم الشرعية فقط دون غيرها من العلوم بل كانوا موسوعيين. ولعله من الجدير بالذكر هنا أن ابن تيمية اعترض على تقسيم العلوم الى علوم شرعية، وعقلية، وقال إن العلوم الشرعية هي أيضا عقلية لأن العقل يستعمل في فهمها، وفي استخراجها، فالقرآن الكريم ملئ بالبراهين العقلية على أمور العقيدة، والفقه وأصوله كلها تقوم على استعمال العقل مع النصوص.
وأضاف ابن تيمية أن العلوم العقلية هي أيضا شرعية لأنها لا بد وأن توافق الشرع ولا تخالفه حتى تكون مقبولة ونافعة ومفيدة.
ولا شك أن هناك في التاريخ الإسلامي علماء أيضا برعوا وتخصصوا في العلوم العقلية الشائعة آنذاك، ومن أهم تلك العلوم الفلسفة التى كات عند السابقين تضم علوما وفروعا كثيرة منها الطب والحساب والكيمياء والفيزياء والهندسة.
وقد أطلق على هؤلاء لفظ الفلاسفة. ولكنهم لم يكونوا يسمون مفكرين بهذا التخصيص، ولأن الفلسفة قد سميت أحيانا بالحكمة فقد كان يطلق على الفيلسوف اسم الحكيم أيضا مثل ابن سينا، والرازي، وابن رشد.
أما في العصر الحديث فقد كان التعليم منقسما إلى تعليم شرعي مختص بالعلوم الشرعية، وتعليم خاص بالعلوم الحديثة ولهذا وجدت ظاهرة علماء شرعيين، ومفكرين إسلاميين. وفي الغالب يقصد بالمفكر الإسلامي من اشتغل بالقضايا المعاصرة والفكر الغربي المعاصر وأبان وجهة نظر الإسلام فيها.
ولا يستوى هؤلاء المفكرون الإسلاميون في معرفتهم بالعلوم الشرعية، فبعضهم باعهم فيها طويل ولهم سعة ودراية بها، وبعضهم بضاعتهم فيها مزجاة وقليلة، ولا تتعدى القشور والسطح، ولا تصل إلى الأعماق والجذور، و لهذا كثيرا ما يقع هذا الصنف منهم في أخطاء وانحرافات فكرية بسبب قلة علمه بالشرع.
ميادين الفكر الإسلامي
*الواقع القائم الآن ، بما يحفل من تمايز وظيفي بين المفكرين والعلماء، يدفع بنا للسؤال عن ميادين الفكر الإسلامي وقضاياه التي تشغله؟
- الفكر في كل عصر من عصور التاريخ الإسلامي اشتغل بواقع العصر الذي وجد فيه وبقضاياه، تأسيا بالقرآن الذي كان يتنزل استجابة لمشكلات وشبهات حاضرة، وواقعة، فلم يتعرض في مكة مثلا لانحرافات اليهود والنصارى لأنهم لم يكن لهم وجود بمكة، واشتغل بمكة بانحرافات المشركين.
وفي العهد المدني اشتغل بقضايا الدولة المسلمة، ومسائل التشريع، والجهاد، وغيرها. ولم يشتغل القرآن قط بعقائد المجوس والهندوس لأنه لم يكن لهم وجود في الواقع العربي.
فالاشتغال بالواقع مبدأ أصيل في الفكر عند المسلمين، وإن لم يلتزم ذلك في كل عهوده. وفي العصر الحاضر كان أكبر تحد للمسلمين الحضارة الغربية القوية الدافقة بالنشاط، والابتكار، والطموح للاستيلاء، والانتشار، وتقويض الثقافات الأخرى.
وهذه مشكلة ضخمة واجهها العالم الإسلامي خلال ال 300 سنة الأخيرة، وقد أصابه الضعف، والخوار، والجمود والتأخر. فكان الفكر الإسلامي المعاصر الذى كثيرا ما يؤرخ لبدايته بدخول نابليون لمصر عام 1798 ميلادية. ومنذ ذلك التاريخ ظهر علماء، ومفكرون في العالم الإسلامي معروفون حملوا راية نهضة العالم الإسلامي.
الفكر الإسلامي المعاصر انشغل بقضايا كثيرة منها قضية إحياء الفهم الصحيح للإسلام، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى أورثتها عهود انحطاط المسلمين وتأخرهم، ومنها قضية الاجتهاد، وتقديم الحلول الإسلامية للمشكلات المعاصرة، ومنها نقد الحضارة الغربية، ومذاهبها المعاصرة، وشبهاتها التى الحقتها ظلما وجهلا بالإسلام والمسلمين. ولا تزال معظم هذه القضايا هى التى تشغل بال المفكرين الإسلاميين.
الفكر الإسلامي التركي
* في كتابات ومحاضرات سابقة لكم، أرختم لبداية الفكر الإسلامي السياسي بالانتاج الفكري التركي مثل فكر نامق كمال، فهل يمكن أن تلقى الضوء على على تطور هذا الفكر والمراحل التي مرَّ بها؟ ورموزه التي تعبر عن تلك المرحلة؟
- من المؤسف حقا أن الفكر الإسلامي التركي لم ينل عناية من الباحثين باللغة العربية، ولا يزال الكثيرون يجهلون تاريخه ورموزه. وأهمية هذا الفكر ترجع إلى أنه كان أول المحاولات الجادة لمواجهة الحضارة الغربية إذ أن الدولة العثمانية كانت قائدة العالم الإسلامي في زمانها، وكانت أول من واجه الغرب سياسيا، وعسكريا، وثقافيا.
ولقد نشأت جراء هذه المواجهة 3 اتجاهات فكرية: الأول: اتجاه المستغربين العلمانيين القوميين، ومن رموزهم ضياء جوكلب مفكر القومية التركية في عهد أتاتورك.
والثاني: اتجاه العصرانيين الذين حاولوا تطويع المبادئ الإسلامية للغرب من أمثال نامق كمال الذى نادى بمبدأ حاكمية الشعب تبعا للمفكر الفرنسى روسو، والذى كان العقل المفكر وراء أول دستور في الدولة العثمانية في أوائل عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
أما الثالث: فقد كان قادته العلماء الشرعيين والإسلاميين، وهو الاتجاه الذي يمثل الفكر الإسلامي التركي. ومن أوائل رموزه علي سعاوى الذى كان أول من نادى بمبدأ أن الحاكمية لله تعالى وانتقد مبدأ حاكمية الشعب الذى دعا إليه نامق كمال.
ومن أوائل رموزه أيضا أحمد جودة باشا الوزير العالم الذى ظهرت بفضل جهوده مجلة الأحكام العدلية وهي أول تقنين للمعاملات الإسلامية بشكل عصرى. ومن رموزه أيضا خير الدين باشا التونسى الذي ترك لنا حصيلة أفكاره الإصلاحية في كتابه الشهير: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك. ومن رموزه الأمير سعيد حليم باشا الذى الف كتابا بالتركية بعنوان لماذا تأخر المسلمون ترجم أخيرا إلى العربية، ونشر مقالا باللغة الانجليزية عن مبدأ حاكمية الشريعة.
ومن رموزه الشيخ مصطفى صبرى آخر من تقلد منصب شيخ الإسلام قبل الغاء الخلافة على يد أتاتورك. ومن كتبه التى هاجم فيها علمانية أتاتورك ونشره في منفاه بمصر كتابا بعنوان (النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة)، وله كتب أخرى حول قضية المرأة في الإسلام وعن التجديد، وآخر ما ظهر له هو كتابه الكبير (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين)، وهو يتضمن كثيرا من الآراء الإصلاحية، والانتقادات للفكر التغريبي والعصرانى.
هذه عجالة عن هذا الفكر وهى لا تستقصى كل رموزه، كما أنها لا تتعدى تاريخيا زمن الغاء الخلافة، ولا شك أن هناك أسماء وأعلام كثيرين خلال الفترة المعاصرة من تاريخ تركيا. وعموما يحتاج هذا الفكر في مراحله كلها لدراسات وبحوث تكشف عن كنوزه، إذ أن كثيرا من قضاياه لا تزال قائمة إلى اليوم في العالم الإسلامي.
حسن البنا
* في محاضرة لك قبل فترة ، أشرت فضيلة الدكتور إلى أن الأمام حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين كان شارحا لفكر رشيد رضا السياسى، فهل تحمل هذه المقولة ضمنا أنه لم يكن مفكرا مستقلا بمشروع فكري متميز؟
- عاش الامام حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في الفترة التى أعقبت الغاء الخلافة الإسلامية في تركيا، والتى كان الغاؤها تتويجا للتيار العلمانى القومي الذى اكتسح مده العالم الإسلامي بأكمله.
ونشأ البنا في مصر التى بدأت فيها بذور الإصلاح الإسلامي المعاصر ببزوغ مفكرين من أمثال الأفغانى وعبده والشيخ مصطفى صبرى الذي أشرنا إليه سابقا والشيخ رشيد رضا الذى توفي بعد تأسيس الإخوان المسلمين بثلاث سنوات.
وكان فكر رشيد رضا وكتاباته تملأ ساحة العالم الإسلامي، وكانت مجلته مجلة المنار التى أسسها في نهاية القرن التاسع عشر من أكبر المجلات الإسلامية ذيوعا وتأثيرا في تلك الفترة.
وكان من الطبيعي أن تنشأ علاقة وطيدة بين البنا الشاب المتطلع للإصلاح وبين رشيد رضا الشيخ قائد المصلحين في عصره، وأن تكون تلك العلاقة علاقة التلميذ بأستاذه.
ومما يؤكد هذه العلاقة ان أسرة الشيخ رشيد رضا أسندت بعد وفاته رئاسة تحرير مجلة المنار إلى الإمام حسن البنا الذي أصدر منها ستة أعداد قبل أن تتوقف في عام 1940 بسبب كثرة مشاغله.
ولا شك أن البنا قد تأثر بفكر شيخه وأستاذه، وقد قلت ما قلت من أنه كأن شارحا لفكر رضا السياسى، لأن هذا ما لاحظته في معرض دراستى للفكر السياسي الإسلامي المعاصر.
ومن الأمثلة على هذا التأثر مبدأ سلطة الأمة. فلو قارنا ما قاله رشيد رضا في كتابه الخلافة لما وجدنا اختلافا كثيرا عن ما قاله البنا في رسائله. لكن لا شك أن البنا كما قد قلت في بحثى المختصر عن تطور الفكر السياسى الإسلامي المعاصر المنشور في مقدمة كتابى (مسائل معاصرة في فقه السياسة)، أنه لم يكن شارحا فقط بل قدم برامج عملية لتطبيق آراء رشيد رضا النظرية، كما أنه وسعها وبلورها في نظام سياسي متكامل.
والقول بأن البنا تأثر برشيد رضا أو بغيره من العلماء والمفكرين لا يعني أنه لم يكن مستقلا في تفكيره، فمن المعلوم في تطور الفكر أن المفكر يتأثر ويجدد ويضيف، ولولا استقلاله الفكرى لما تمكن من الإضافة والتجديد ولكان ناقلا مقلدا لا يضيف، ولا يجدد.
* هل يمكن أن نصف مشروع حركة الإخوان المسلمين بأنها امتداد لفكر رشيد رضا السلفي ؟
- أما عن جماعة الإخوان المسلمين وصلتها بفكر رشيد رضا، فقد دعا رشيد رضا في كتاباته - وخاصة بعد الغاء الخلافة في تركيا - إلى أن الطريق للإصلاح، وإعادة الخلافة الإسلامية إنما يكون عن طريق ما أسماه بحزب الإصلاح الإسلامي المعتدل، هكذا بنفس هذه الألفاظ، ووصفه ببعض الخصائص والصفات منها أنه وسط بين المتفرنجين والفقهاء الجامدين.
ولا شك أن البنا قد جسد أمل رشيد رضا في حزب الإصلاح الإسلامي هذا في جماعة الإخوان المسلمين، فتحول من أمل نظري غير واضح المعالم إلى واقع وتنظيم وجماعة.
مواءمة الفكر الغربي
* في الآونة الأخيرة ظهرت كتابات فكرية إسلامية ، تنزع للتماشي مع ما انتهى إليه الفكر الغربي والإندماج معه، كما في كتابات طارق رمضان، فهل هذه الظاهرة تعبر عن انحسار للفكر الإسلامي لصالح الفكر الغربي؟
- ظاهرة محاولة الموائمة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي بتأويل تعاليم الإسلام تأويلا جديدا في ضوء المعارف العصرية الغربية، ليس اتجاها ظهر في الآونة الأخيرة فحسب، بل له جذوره الممتدة إلى القرن التاسع عشر الميلادي. حيث قام المفكر الهندى سيد أحمد خان بأولى المحاولات الفكرية في هذا الاتجاه، وتبعه تلاميذه من بعده، ومن أشهرهم شراغ على ، وأمير علي، وخدابخش الشاعر ، وغلام أحمد برويز ، وخليفة عبد الحكيم ، ومولانا محمد علي.
وهذا الاتجاه أطلقت عليه في كتابي "مفهوم تجديد الدين" مصطلح العصرانية، وهي حركة فكرية نشأت في البداية داخل الكنيسة الكاثوليكية ثم انتقلت إلى البروتستانية ونشطت في أوربا، وأمريكا، ثم ظهرت لها مثيلات في كل الأديان مثل اليهودية، والإسلام، والهندوسية.
والعصرانية باختصار هي وجهة نظر في الدين مبنية على الاعتقاد بأن التقدم العلمي والثقافة المعاصرة ، يستلزمان إعادة تأويل التعاليم الدينية التقليدية ، على ضوء المفاهيم العلمية، والثقافية السائدة.
وفي العالم العربي ظهرت آثار لهذا الاتجاه في بعض آراء الإمام محمد عبده و بعض تلاميذه مثل قاسم أمين وعلى عبد الرازق. ثم جاء جيل آخر من المفكرين العصرانيين، وكانت مجلة المسلم المعاصر خاصة في مراحلها الأولى مليئة بآراء هذا الاتجاه العصراني.
وقد عرف التاريخ الإسلامي اتجاهات قريبة من هذا حين نشأت ما يسمى بالفلسفة الإسلامية، فقد وجد بعض الفلاسفة المسلمين ممن حاولوا المواءمة بين الفلسفة اليونانية، والتعاليم الإسلامية فجاءوا بمسخ مشوه لا هو بإسلام ولا هو فلسفة يونانية خالصة.
وكذلك تفعل العصرانية في الوقت الحاضر إذ أنها كما عبر أحد المنتقدين لها تحاول أن تخلط الماء بالزيت. فما يطرحونه من تأؤيلات وما يسمونه تجديد إنما هو مسخ مشوه لا يثبت أمام النقد العلمي القائم على الدليل.
وقد اهتم الغربيون باتجاه العصرانية هذا ورأوا فيه وسيلة لتغيير الإسلام من الداخل، وممن كتب عنه المستشرق جب في النصف الأول من القرن العشرين.
وهناك دراسة حديثة نشرتها "مؤسسة راند" البحثية الأمريكية عن تيارات التجديد في العالم الإسلامي، وكيف يمكن أن تتعامل معها أمريكا وانتهت إلى ان العصرانيين والعلمانيين هم أقرب المسلمين إلى الغرب وقيمه وسياساته، ودعا التقرير إلى دعم العصرانيين إذ أن صوتهم خافت في العالم الإسلامي وليست لهم مؤسسات ولا منابر إعلامية مؤثرة مثل من أسموهم بالأصوليين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.