القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحوث: الدعوة الإسلامية وتحديات الواقع السوداني

بقلم د. أزهري التجاني عوض السيد - وزير الإرشاد والأوقاف
شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تنامي جماعات الدعوة الإسلامية أو الحركات و التيارات الإسلامية، سبقتها ظاهرة بروز علماء إسلاميين مشاهير، حيث ذاع صيت الإمام محمد عبده، والأستاذ رشيد رضا، والسيد جمال الدين الأفغاني وعلماء آخرين ساروا على نهجهم. كان لهؤلاء العلماء الرواد إنتاجهم العلمي الغزير في علوم التفسير والفقه والفكر الإسلامي بصفة عامة، مما أحدث دفعاً ثقافياً وإحياءً فكرياً وروحياً أيقظ سبات المجتمع المسلم حينها، الذي كان في جمود وانبهار بحركة النهضة في أوربا، وفى حالة انكسار خلفها الغزو الغربي العسكري والسياسي.
وتولدت كذلك مع حركة العلماء حركات وجماعات إسلامية فبرزت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة الإمام الشهيد حسن البنا والجماعة الإسلامية في باكستان بقيادة الأستاذ أبو الأعلى المودودي، والجماعة الإسلامية في الهند بقيادة أبي الحسن الندوي. هذه الظاهرة كانت هي وغيرها من الحركات الإسلامية التي سبقتها (مثل المهدية في السودان) أو جاءت بعدها مثل حركة الإمام الخميني في إيران، كانت هي المسئولة عن قوة الدفع المحركة للطاقة الكامنة في المجتمع السوداني والتي أوجدت الوضع الراهن في السودان.
ما هي حقيقة هذه الظاهرة ؟ :
حقيقة هذه الجماعات الدعوية والتيارات الإسلامية، أنها هبّةٌ في مواجهة دورة حضارية جديدة في الغلبة فيها كانت لصالح الغرب المسيحي، والغزو المسيحي نفسه كان انقلاباً علي مد إسلامي تجاوز البحر ووصل إلى أوربا في جنوب فرنسا وأسبانيا وأسس دولة الأندلس.
بدأ الغرب المسيحي حملته على العالم الإسلامي بالغزو الفكري، وبحركة المستشرقين وانتهى بالغزو العسكري والسياسي الاستعماري لغالب دول العالم الإسلامي. وقد تبع هذه الحملة محاولات جادة لتبديل الثقافة وتغيير أنساق القيم وأنماط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
هذه الحملة على العالم الإسلامي ولّدت ضموراً في المد الإسلامي العلمي والفكري والروحي، وتراجعاً في مظاهر الحياة الإسلامية، وانكساراً نفسياً وانبهاراً بالحضارة الغربية.
ولقوة دفع هذه الهجمة تولدت تيارات فكرية تمثلت كما أشرت في بروز العلماء الذين أثروا الحياة العلمية ونبّهوا بقوةٍ إلى حيويةِ الرسالة الإسلامية، فبرزت تيارات إسلامية حركية، تبنت العمل الإسلامي وخططت له، وبشّرت بنهضةٍ إسلامية شاملة لكل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن كل ذلك تبلور تيارٌ إسلامي في المجتمع قاوم المستالإسلامية. إلى حركة سياسية وطنية مناهضة للاستعمار حتى أجلته من كل دول المنطقة فيما عرف بحقبة التحرر الوطني.(فالتحرر الوطني) كان وقوده وطاقته الدافعة التيارات الإسلامية .
استأنف التيار الإسلامي حركته حتى بعد حقبة التحرر الوطني.. رافضاً التبعية السياسية للغرب، وداعياً إلى التميّز بالاصالة الإسلامية في نواحي الحياة كافة.
فاندفع التيار الإسلامي بقوة في مصر حتى شكل قوة حقيقية جابهت النظام السياسي والاجتماعي والثقافي وتحدته بقوة، وقدم تيار الإخوان في مصر تضحياتٍ، وأنتج فكراً وعلماً وحركةً رائدةً انتهت بمواجهة مع النظام استشهد فيها خيرة العلماء من أمثال الشهيد سيد قطب ورفاقه.
وكذلك انتهت حركة التيار الإسلامي في إيران إلى انقلاب شامل على الحياة السياسية والثقافية، حتى في علاقات إيران بدول العالم فيما عُرف بالثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني.
وتحولت الحركة الإسلامية في السودان إلى تيار إسلامي عريض متجذر في المجتمع بلافتات متعددة: - حركة الإخوان المسلمين - حزب التحرير الإسلامي - جماعة أنصار السنة - التيار السلفي والحركة الإسلامية، بالإضافة لقاعدة واسعة من الطرق الصوفية التي وسعت خلاوي القرآن ونشرت التدين بصفة عامة
تحرير المفاهيم:
لندخل علي تحديات الدعوة الإسلامية الراهنة في السودان، نحتاج بشدة إلى تحرير المفاهيم، ماذا نعني بلفظ ( إسلامي ؟) ومن ثم تيار( إسلامي ، حركة إسلامية ، دعوة إسلامية ) . ما الفرق بين مسلم وإسلامي ؟ والإسلام والدعوة الإسلامية ؟ ، والمسلمين والحركة الإسلامية والإخوان المسلمين ؟ نحتاج إلى تحرير هذه المفاهيم لأن التحديات جسيمة والعقبة كؤود، والعدو ذكي ومتمكن من مقاليد القوة المادية والاقتصادية !! وللعدو خطة ماكرة وعنيدة لمحاصرة الدعوة الإسلامية ووأدها ! وبإزاء كل ذلك نحتاج لجهد كلّ مسلم ، ولسهم كلّ مسلم ورأي كلّ مسلم ، ونحتاج لأن يتحرك غالب المسلمين لأجل الدعوة .
إسلامي مصطلح قديم قرأته عند الأشعري منذ زمن بعيد... فالمسلم يصبح إسلامياً إذا عزم وتحرك لإصلاح غيره وهدايته. أي إذا تبني الإصلاح في المجتمع على أساس رسالة الإسلام وهديه، وتحرك وكابد وانخرط في عمل جماعي منظم مع آخرين، هدفه نشر رسالة الدين وإصلاح المجتمع والدفاع عن القيم والأخلاق التي دعا إليها الإسلام.
الحركة الإسلامية: هي جماعة منتظمة تعمل في المجتمع لنشر الإسلام وحمايته وتتوسل إلى ذلك بالدعوة بالحسنى وبنماذج حية تعرف في سلوك أفرادها وخصائص أجهزتها ومؤسساتها، التزاماً بقيم الإسلام ومبادئه وشرائعه، ويتناصر أفرادها ومؤسساتها على ذلك.
فالتيارات والجماعات الإسلامية إذن: مجموعات من المسلمين منتظمة وفق عقود وعهود ولوائح ضابطة تعتصم بها وهى تهدف إلى نشر الدعوة إلى الإسلام والتبشير به وفق رؤية ووسائل تميز كل منها، فهي لا تتبنى الدعوة الإسلامية نظرياً فقط ولكن لها خطط وحركة ونظام وقوة دفع ومدافعة.
الدعوة الإسلامية: فالدعوة الإسلامية إذن هي مفهوم حركي ديناميكي.. فهي ليست نصوص القرآن وحدها ولا هي أحاديث المصطفى صلي الله عليه وسلم وحدها،وإنما الدعوة الإسلامية مفهوم حركي يُطلق حيث تكون رسالة الإسلام ومبادئه متجلية في حركة ثقافية علمية وسلوك في واقع الناس، تتجسد في علماء ومفكرين ودعاة وجماعات وفنيين يقودون خطة الهداية والتربية والتوجيه، في صور متجددة بتجدد التحديات وتقلّبُ الابتلاءات لُتقوّم مسار المجتمع وترشده إلى النور المبين الذي دعا إليه الإسلام.
فهذا هو المعني الكلي الذي ندب القرآن إليه الدعاة، قال تعالي :(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران الآية (104)
(انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون) التوبة الآية (41).
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل الآية (125)
مسارات الدعوة الإسلامية:
المسار الأول والأصل: هو أن تتجه الدعوة الإسلامية بخطتها نحو هداية الناس إلى دين الله، بمعني إدخال النّاس في الإسلام بالحسنى وبالاختيار الحر ودون إكراه ورعايتهم وتعليمهم الدين وفقهه.. هذه هي رسالة المسلم وهي مهمة النبي صلي الله عليه وسلم ورسل الله أجمعين: قال تعالي (يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) الآيات 45-46 سورة الأحزاب
(الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد) سورة إبراهيم الآية (1)
وفى الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير إليك من حمر النعم).
المسار الثاني: إرشاد المسلمين وتوجيههم ونصحهم ووعظهم وتبصيرهم بأمور دينهم وهو مسار مهم يجنبهم الزلل والغفلة عن الله تعالي ويعلمهم الخير ويذكرهم بالله ولذلك صاح فيهم القرآن الكريم (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا) 41-42 الأحزاب.. ومثلها في القرآن كثير. وفي الحديث عن تميم الداري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم
التحديات:
أولاً: التحديات الخارجية:
1/ تحدي الاستراتيجية الدولية المعادية (التحالف):
- من الأمور الظاهرة بجلاء في عالم اليوم، أن العالم الآن يقوده التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
- وأن أمريكا يُوجّهها ويسيطر عليها تحالف اليهود والمسيحيين الصهاينة.
- وأن هذا التحالف يسيطر على مقاليد القوة العسكرية والاقتصادية في العالم ويعتمد منطق القوة في تحقيق أهدافه في السيطرة على المناطق التي تبدو استراتيجية بالنسبة له.
- وأنّ هذا التحالف يضع دولة إسرائيل وحمايتها في مقدمة أسبقياته وأهدافه.
- ومن ثم يعتبر هذا التحالف الإسلام عدواً استراتيجياً لمخططاته، والعالم الإسلامي هدفاً استراتيجياً يلزمه السيطرة عليه.
- فنحن بإزاء استراتيجية معادية عنيدة وماكرة تستهدف كل العالم الإسلامي وتضع السودان في مقدمة أهدافها لأسباب دينية واقتصادية وسياسية !!
2/ تحدي الحرب والنزاعات :
إثارة الحروب الاستنزافية والنزاعات، هي إحدى النقاط الجوهرية في الاستراتيجية المعادية. فبالحروب والنزاعات يضعفون الدولة ويحيلونها إلى دولة رخوة ضعيفة تفقد السيطرة على أوضاعها الداخلية، يسودها عدم الاستقرار وتكثر بداخلها الاضطرابات الأمنية والاقتتال فالنزوح واللجوء، ويكون كل ذلك سبباً للتدخل في شئونها وتوجيهها حسب مخططاتهم.
وفى إطار هذه الاستراتيجية استثمروا الأوضاع في الجنوب، ليدخلوا البلاد في حرب استنزافية طويلة الأمد. وكانت فطنة أهل السودان وقيادتهم كبيرة عندما عملوا على تفكيك هذه الاستراتيجية والوصول إلى سلامٍ مع المحاربين.
وعندما رأت بعض جهات الاستراتيجية المعادية في سلام الجنوب فسحة للاستقرار ربما تفيد الدعوة الإسلامية، هرعوا بصورة ماكرة إلى إيقاد نار الحرب في دارفور وتدويلها وقيادة جلبة في الإعلام الدولي عملت على تضخيمها وإبرازها كأسوأ كارثة إنسانية كما يدعون، ودسوا من خلالها دعاوى التطهير العرقي والابادة الجماعية والاغتصاب. وهيّأوا شرق السودان ليكون بديلاً آخر لحرب دارفور إن أطفأ الله نارها.
وتظل استراتيجيتنا الذكية تكمن في فض النزاعات وإزالة بؤر التوتر والنجاح في تحقيق السلام وإيقاف الحرب، في مواجهة الاستراتيجية المعادية .
ماذا كسبوا من استراتيجية الحرب وإثارة النزاع ؟
إنهم بحسم سلام الجنوب خسروا رهانهم، فقد كسبت دعوة الإسلام إيقاف الحرب وتثبيت المبادئ، لكنهم كسبوا أمراً مهماً بالنسبة لهم وهو تمكنهم من إحداث إنشطار في الوجدان المسلم، فالكتلة المسلمة التاريخية في السودان (كما يسمونها في دراساتهم) ظلت لقرون طويلة متحدة يعمر وجدانها الإسلام والإيمان إخاءً صادقاً لا يعرف التجزئة، لكن الأعداء في بيئة الحرب وإعلامها تمكنوا من إحداث انشقاق في هذا الوجدان المسلم إلى نصفين عربي وإفريقي، وغذوا النزعة العنصرية العرقية ليصطرع الأخوان، وكانت هذه أكبر فتنة من فتن الحرب، بالإضافة إلى فتنة الجهويات ودعاوى التهميش.
3/ تحدي الاحتواء والاستيعاب:
هنالك استراتيجية موازية لاستراتيجية الحروب والنزاعات ضد الدعوة الإسلامية هي إستراتيجية الاحتواء والاستيعاب. احتواء الدعوة الإسلامية واستيعابها في إطار المشروع الغربي وتفريغها من محتواها العقدي والقيمي والثقافي. وهي استراتيجية قديمة استخدمها السوفيت إبّان عنفوان الشيوعية في مواجهة مسلمي الاتحاد السوفيتي ومسلمي دول البلقان، فقرأنا حينها عن الإسلام (الأحمر) والإسلام (الاشتراكي) وهو إسلام يتقبل الشيوعية ويهضمها !! . وكذلك سمعنا أيام الحرب الباردة عن الإسلام (الليبرالي) والإسلام (الديمقراطي).
وسياسة الاحتواء والاستيعاب تعنى أن يقبل قادة الدعوة الإسلامية القيم والثقافة الغربية بل يلبسونها لباس الإسلام ويتبنونها. ويعني ذلك أن تنبهر باللافتات التالية:
حقوق الإنسان - الديمقراطية -الحكم الرشيد -عدم التمييز ضد المرأة - سياسات السكان .
وغيرها من العناوين ، بالتفسير الغربي ، ونلغي تماماً تصورنا للحياة وخصوصياتنا الثقافية ، بل ونلغي الكل الذي ينتج تصوراتنا للحياة والإنسان والكون وهو عقيدتنا .
الاستجابة :
ماهي الاستجابة المطلوية لهذه التحديات الخارجية ؟
التمسك بالإسلام رسالة ومنهجاً (تأكيد الذات) أو (تأكيد الهوية) . نعم التمسك بالإسلام رسالة عقدية ومنهجاً ، واليقين بأنه الحق .. وزرع ذلك في أجيالنا الناشئة وتثبيت أمتنا عليه. ثم التصدي الواعي للاطروحات الغربية وبيان بطلانها وخطرها على مستقبل البشرية. ولكن ليس رفضاً للحضارة الغربية وحسب !! ولا تأكيد هويتنا وحسب ! بل نسعى لتحقيق (الذات) وتحديد موقعنا في الحياة وتثبيت بصمتنا فيها كمسلمين واستعادة دورتنا الحضارية علماً وأخلاقاً وقوة اقتصادية وعلمية.
التحديات الداخلية (تحقيق الذات):
1/ ابتدر دورة جديدة للدعوة الإسلامية (إحداث النهضة):
أقوى التحديات أن نعلن وبإصرار عن دورة تاريخية جديدة للدعوة الإسلامية ونجدد العزم على إنجازها. ألسنا على وعدٍ من الله ورسوله أنه يُجَدّد لنا أمر ديننا كل مائة عام ؟ بلي والله فما علينا إلا العزم، العزم بابتدار دورة جديدة للدعوة للإسلام تنتشر بها هداية الله، ويكثر فيها الدعاة والعلماء والمفكرون الهداة، ويعم بها الخير وينضج فيها الفقه والعلم، وتنتشر وتكثر الكتب والمكتبات، وتعم الطاعات وتضمر وتختفي الفواحش والمنكرات، وتعمر حياة المسلمين وتكثر خيراتهم وأموالهم وتهنأ حياتهم.
ولنبتدر هذه الدورة الجديدة للدعوة الإسلامية فهنالك تحديات فرعية هي:
أ/ إخراج المسلمين من دائرة القاعدين إلى دائرة الإسلاميين العاملين، قال تعالي (لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكُلا وعد الله الحسني وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما) النساء الآية (95).
ب/ إعداد العلماء الهداة: ابتدر الدورة يحتاج إلى إعداد العلماء والمفكرين الهداة الأذكياء، الذين يقدمون رسالة الإسلام بقلوبٍ تقية وعقولٍ ذكيةٍ. يقدمونها رسالة أصيلة سمحة عادلة خيرة، قوية الحجة رفيقة الطرح جميلة المظهر والمخبر.
وينتجون الشعارات والموجهات التي تحرك وجدان الأمة، ويطرحون الحلول البناءة لقضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسية، ويبنون الثقة في نفوس ناشئة الأمة، الثقة في دينهم ومنهجهم.
ج/ إعداد الدعاة الصادقين: الذين يوجهون الأمة من خلال مؤسسة الدعوة الأولي (المسجد) فيوحدون وجدانها وصفها وقبلتها، وينسقون جهدها.
د/ إعداد المؤسسات المقتدرة: وتنظيم المجتمع وتدريبه وتأهيله وتوظيفه في الدعوة ، وفى تطوير خدماته وترقية حياته.
ه/ إحكام خطة الدعوة :ومن التحديات إحكام خطة الدعوة باتباع المنهج العلمي، وإعادة تنظيم مؤسساتها وطاقاتها. وضمان شمول الخطة ودقة تصويبها نحو الأهداف.
و/ التفكير مسبقاً في ناتج الخطة :نعم التفكير المسبق في ناتج الخطة وتحديد مواصفات هذا المنتج في كل مجال، في المرأة وفى الشباب وفى الأطفال. وفى علم الدعوة وفقه الدعوة والمعرفة المطلوب إخراجها، ونوع العلماء والدعاة بل المهارات والقيم المبتغاة.
2/ تحدي وحدة العمل الإسلامي:
تعدد الجماعات والمدارس الفكرية الإسلامية
واقعنا تتعدد وتتنوع فيه المدارس الفكرية والفقهية الإسلامية، فلدينا الطرق الصوفية التي تشكل قطاعاً اجتماعياً عريضاً، والجماعات السلفية، وإخواننا أنصار السنة، والإخوان المسلمون، والحركة الإسلامية، وأنصار وختمية وحزب تحرير..... إلى آخر هذا الطيف الإسلامي الواسع، وأهمية هذا التعدد في الجماعات - سلباً وإيجاباً - تكمن في طبيعة الرسالة والخطاب الذي تتبناه هذه الجماعات في المجتمع ، فإن نحن جميعاً أدركنا أننا نصدر من مشكاة واحدة، يصوب بعضنا بعضاً، في إطار أدب الخلاف الإسلامي الذي توجهه أصول الدين وفقهه، ويقدر كلٌ منا للآخر جهده في الدعوة ويدعو له بالخير، ولا تدعي جماعةٌ خيريةً لها على الأخرى أو تزكي نفسها، بل لكل اجتهاده وبذله وعطاؤه، كنا جميعاً في ظلال قوله تعالي (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقوله تعالي (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة الآية (143).
وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران (103-104)، إذا كانت الجماعات الإسلامية كذلك في طرحها، كانت رسالتنا للمجتمع نافذة يعضد بعضها بعضاً ويكمل بعضها الآخر، فتاريخ السودان يشهد:
- للمتصوفة بدورهم في نشر الإسلام والقرآن ورعايته.
- ولا ينكر أحد على الجماعات السلفية أهمية دعوتها إلى صحة العقيدة وصفاء التوحيد من الشوائب.
- ولا ينكر أحد على الحركات الإسلامية دعوتها القوية لتحكيم الإسلام في شئون الحكم والسياسة والاقتصاد وتحكيم الشريعة في كل شئون الحياة.
أما إذا كانت الرسالة الصادرة عن الجماعات والمدارس المختلفة نحو المجتمع متناقضةً ومتباينةً في منطلقاتها، ومتنازعة.. وأصبح الخطاب الدعوي يشوش بعضه على بعض.. فبدون شك سيضر ذلك بالرسالة الكلية الموجهة للمجتمع وتحدث البلبلة في القلوب والعقول وتعم الفوضى في السلوك والممارسة ونقع جميعاً بلا جدال تحت ظلال قول الله عز وجل:
(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) الأنعام(159).
وقوله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه جرير بن عبدالله أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع إستنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري ومسلم.
والمطلوب ليس بالضرورة توحيد هذه الجماعات الإسلامية بل الأقرب هو تناصرها وتكاملها، وعدم تناسخ أعمالها وتشاكسها.
3/ تحدي العروبة والإفريقية:
إن من أخطر خطط الاختراق لمجتمعنا المسلم في السودان، دعاوى تقسيم الوجدان الإسلامي الصافي إلى عربي وأفريقي، وبذر بذور البلبلة والخصومة العرقية والعنصرية في الصف المسلم. وهو اختراق حديث وخبيث تغذيه دوائر معادية ضمن خطط التقسيم والتفتيت للكتلة المسلمة والكتلة الوطنية عامة كما سبق ذكره.
وإن ديننا الذي كرم الإنسان بالتقوى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) وجعل التفاضل بين الناس بالتقوى والعمل الصالح يأبى علينا ذلك وتحرمه شرائعنا، فالمسلمون إخوة (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وفى الحديث (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وفى الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد (عن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خطبة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لابيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).
وشواهد الواقع تشهد أن الدين الإسلامي ليس دين العرب ولا دين العجم بل دين شعوب متعددة ومتنوعة تغطي كل قارات الأرض، والمقابلة بين العروبة والأفريقية هي الأخرى إحدى التحديات المعاصرة التي يحتاج المسلم لأن يتوازن فيها ويطرح فيها طرحاً يدعم الأخوة الدينية ويقويها.
4/ تحدي الخطاب الإسلامي نحو الآخر:
أ/ إخواننا في الوطن من المسيحيين وغير المسلمين الآخرين:هؤلاء مواطنون أصلاء، يتساوون معنا في الحقوق والواجبات، يجمع بيننا وبينهم إخاؤنا في الوطن.. وبعد اتفاقية السلام بيننا وبينهم عهود ومواثيق واتفاقات وهم لهم أديانهم ومعتقداتهم وكنائسهم ودور عبادتهم ولهم خطابهم الديني الحر، ومن سياسة دولتنا ألا حجر عليهم ولا تقييد، فحرية الضمير والمعتقد مكفولة ولا إكراه في الدين.. والله عز وجل يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة الآية (8) وهم كذلك يشكلون تحدياً لخطابنا الدعوي ومؤسساته الكثيرة المتعددة ، فما هي موجهات الخطاب الدعوي الذي يشكل تعامل وسلوك جمهور المسلمين مع المسيحيين وغير المسلمين ؟؟
ب/ رعايا الدول الأجنبية من المستأمنين بدولة السودان :وهذا ضربٌ من ضروب التحدي الحديث للخطاب الدعوي، ففي دولتنا سفراء لدول أجنبية ورعايا. وحركة الاتصال والتجارة والاقتصاد فرضت حركة كبيرة وانتقالاً للناس من دولهم إلى دول أخري ومصالح واسعة نشأت. وهؤلاء في العرف المعاصر هل يمكن تصنيفهم من المستأمنين بالدولة المسلمة أم لا ؟ وما هوخطابنا نحوهم الذي يحبب إليهم الإسلام ولا يبغضهم فيه ؟ ويقربهم من نوره المبين ولا ينفرهم منه ؟ ويشوقهم إليه ولا يصدهم عنه ؟ و الله تبارك و تعالى يقول (يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة الآية (8).
خاتمة:هذه إشارات عابرة، وقراءة في دفتر مطلوبات الدعوة الإسلامية، وهو موضوع مهم لابد أن تتوفر عليه عقول العلماء والمفكرين المخلصين لتطوير خطة مكتملة يتبعها عمل مخلص وصادق نسأل الله تعالي أن يبارك في الجهد ويسلّم الأنفس من نزغ الشيطان وتوهيمه.
وصلى الله علي سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.