عنوان هذه المقالة مستعار من كلمة بعث بها الأمين بن هارون الرشيد إلى قائد جيش أخيه المأمون «طاهر بن الحسين» عندما حوصر وايقن بالهزيمه ونحن ذاكروها -اي كلمه الامين -في ثنايا مقالتنا هذه وتضاعيفها وخواتيمها وكم في كتب التاريخ وأحداثه وأحاديثه من عبرة لمن يعتبر، وكم فيها من عظة لمن يتعظ، وكم فيها من ذكرى لمن يتذكر. ولأمر ما كان لأحداث التا ريخ، ووقائع الحياة مكان مرموق في كتاب الله عز وجلّ. واسمع -أخي القارئ - قول الله عز وجل وهو يختتم قصة يوسف عليه السلام وما حوته السورة المسماة باسمه من آيات وعبر (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفعيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). ومن أجل ذلك كان اهتمام علماء المسلمين بالتاريخ والسير والترا جم.... من أجل ذلك كان تاريخ الرسل والملوك والأمم الذي نصب له الجهابذة والعباقرة من أمثال ابن سعد والطبري، وابن كثير وابن الأثير وابن تغربردي، وابن الجوزي وغيرهم وغيرهم ...... منهم من اكتفى بسرد الحوادث ومنهم من نظر نظرة نقدية فاحصة في الوقائع التاريخية التي يذكرها. منها يستمد الحكمة، ومنها يستنبط الدروس، ومنها يستخلص ما يشبه الأحكام المطلقة، والقوانين العامة، والنواميس التي تحكم ولاسيما فيما عرف بعلم الاجتماع الذي كان من آبائه ومؤسسيه ابن خلدون في مقدمته للتاريخ التي نظر فيها نظراً نقدياً متجاوزاً للسرد التاريخي الأجرد. لقد نبّهنا الاسلام في مصدريه اللذين من استمسك بهما فقد هدي الى صراط مستقيم واستمسك بعروة وثقى لا انحلال لها ولا انفصام.. أن شتات الإلفة، واختلاف الكلمة من شأنه أن يؤدي الى فتنة تعم، وفساد يستشرى، وشأفة تستأصل. (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا) (إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض و فساد كبير). ولقد حيينا حتى شاهدنا كيف أن تفرّق الامة، واختلاف الكلمة فيها كاد يودي بها، ويوردها موارد الهلاك، ويسقيها من السم الزعاف. ولولا أن هذه الأمة مستعصية على الإبادة، والإزالة والإستئصال إذ لا تزال طائفة منها قائمة على الحق لايفترها من خذلها لكانت اليوم في خبر كان وذلك لما ابتليت به من مصائب يشيب لها الولدان.. سوس ينخر من داخلها يتمثل في أقوام لا خلاق لهم ينعقون كما ينعق البوم يخرِّبون عقول الناشئة بافكار منحرفة، ومناهج معوجّة، وعقائد فاسدة.. يظنّون أنه «الحداثة» و«المعاصرة» و«الحضارة» و«التقدم» لا تتحقق إلاّ بالتقليد الاعمى لاقوام عُمْى (قد ضلَّ من كانت العميان تهديه) وإلاّ بالتخلي عن المقومات الحقيقية للنهضة من استمساك بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعمل بما فيه من توجيهات وموجهات، وما فيه من أحكام وتعليمات وتخلق بما دعا إليه من ألوان السلوك الحكيم، والخق القويم بل ان منهم من يظن ان تخلف الأمة، وضياع هيبتها، وهوانها على الناس إنما هو نتيجة طبيعية لاستمساكها بأصول متخلفة بعد ان تحررت من قبضة الاستعمار الغربي، وما علم المسكين ان الاستعمار الغربي مازال قائماً فيهم ولقد كنا في الماضي نتحدث عن استعمار فكري بعد التحرر من القبضة الاستعمارية العسكرية اللئيمة فاذا بالايام تدور لتعلمنا ان القبضة الاستعمارية العسكرية نفسها ما زالت قائمة ولم تبارح مكانها بعد.... ولو اننا استمسكنا باصولنا التي تدعونا الى الوحدة والتوحيد، وتأمرنا بالعلم والتعلم، وتنهانا عن التفرق والتشرذم، وتعلمنا أنَّ الاجتماع قوة ورحمة، وأن التشتت ضعف وعذاب (قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت ارجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون). إن كتاباً يدعو معتنقيه للفقه والتفكر، ويبين لهم مغبة الاختلاف والتنازع والالتباس (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض) لجدير أن يكون حاملوه معتصمين به، غير متفرقين عنه ولا متنكرين له. وإن لتناكر القلوب، واختلاف الافئدة لاسباباً من اولها تنكب الطريق المستقيم، واتباع بنيات الطريق التي تفضي كل واحدة منها إلى فشل ذريع ماحق (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). ومنها تفريق الدين، واتخاذ القرآن عضين، ونسيان ما نذكر به او بعض ما نذكر به (فنسوا حظاً مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء). وهل كان تحريم الخمر والميسر إلا لما فيهما من خلخلة لأركان المجتمع، وزلزلة لدعائمه (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون؟) وهل كان اختلاف الكلمة، وتشتت القلوب إلا بسب من قلة الحكمة والحنكة وذهاب العقل؟ (باسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). وانظر فيما آلت إليه احوالنا في كياناتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية تجد ألقاً من نور، وشعاعاً من ضياء تلقيه هذه الآية الكريمة وهي في اليهود ولكنّها تنطبق علينا اليوم وان تسميتنا باسم المسلمين فإنما نحن بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. ولعلك أخي القارئ قد نسيت وأنت في زحمة هذا الفساد الظاهر المستشري (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) لعلك قد نسيت وأنت تعاني ما تعاني من طنين الجهلة والحمقى والنوكى الذين يدعونك للتخلي عن مقومات نهضتك وسعادتك المتمثلة في الاتباع لا في الابتداع وفي التنفيذ لا في الافتراض فقد كان بعض سلفك الصالح يقول (الا واني لست بفارض ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع، ولست بخير من احدكم ولكني اثقلكم حملاً). لعلك قد نسيت وانت تكابد ما تجد من قالة السوء الذين يسودون الوجوه والقلوب بما يطرحون من افكار ورؤى لا تؤدي في النهاية إلا لاختلاف الكلمة، وشتات الإلفة، وزعزعتها لعلك قد نسيت كلمة الأمين بن هارون الرشيد التي اقتبسنا منها العنوان؟ وها انا ذاكرها لك لعلنا نستفيد من التاريخ درساً، أو نستخلص منه عبرة قال الأمين لكاتبه وقد حاصرته كتائب أخيه المأمون... أى والله كتائب (أخيه) المأمون ولتضع تحت كلمة (أخيه) خطوطاً وهذه من عندي... حاصرته الكتائب التي يقودها طاهر بن الحسين فكتب إلى القائد يقول: من عبد الله الامين الي طاهر بن الحسين، سلاماٌ عليك. أما بعد: فان الأمر قد خرج بيني وبين اخي الى هتك السُّتور، وكشف الحُرُم، ولست آمن ان يطمع في هذا الأمر يعني أمر الخلافة والحكم وهذا من باب الشرح منِّي السحيق البعيد وما سبب هذا التخوف ايها الأمير؟ أنا انوب عنك. أيها القارئ الكريم تفكر في السؤال لتجد الاجابة من الأمير حاضرة ولعله قد ادرك الأمر بعد فوات الاوان وبعد وقوع الفأس على الرأس (لشتات الفتنا واختلاف كلمتنا). الا تسمعون ايها المسلمون من أهل هذا القرن الواحد والعشرين فالداء هو الداء (شتات الإلفة، وتفرق الكلمة). والدواء هو الدواء (الاجتماع والتنادي إلى كلمة سواء). ثم ماذا ايها الأمين المحبوس المحاصر الذي يحاصره اخوه المأمون؟ هل من مخاطبة للقائد الطاهر بن الحسين؟ نعم... (قد رضيت ان تكتب لي أماناً لاخرج إلى اخي فان تفضل علىَّ فأهل لذلك وان قتلني فمروة كسرت مروة... اي حصاة كسرت حصاة وصمصامةٌ قطعت صمصامةٌ اي سيف قطع سيفاً ولئن يفتر سني السبع احب الى من ان ينبحني الكلب). انتهت كلمة الامين.. فهل وعينا ما فيها من دروس وعبر.. اني لارجو ذلك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته اخي القارئ الكريم. المصدر: جريدة الرأي العام