لقد نعى الناعي أخي الكريم الشيخ الدكتور أحمد العَسّال الذي أحسبه ولا أزكيه على ربّه من ربّانيّ هذه الأمة في هذا العصر الذي قلَّ فيه الرَّبانيّون . عرفته في ستينات القرن الماضي فعرفت فيه الأدب الجمّ ، والتواضع الرفيع ، والخلق الفاضل تلوح على وجهه سيمآء الصلاح ، وترى في سمته هدى الهداة المصلحين . هيِّن ليِّن سمح ليس بفّظ ولا صخّاب يزينه وقار وتعلوه هيبة :- نزر الكلام من الحَياءِ تخاله ....ضَيمناً وليس بجسمه سقم عقم النساء فلا يَلِدنَ شبيهه............. إنّ النسآءِ بمثله عقم اشتركنا في مبيتات في انجلترا ، وضمّتنا مجالس تربية وذكر وتزكية فما رأيت منه إلا خيراً ، لاتسمع منه كلمة نابية ، ولا يؤذيك منه تصّرف غليظ . قال له بعض الشباب وكان لا يخلو من جفاء وفظاظة أنتم معشر المصريين تحبّون السيطرة ، وتريدون الهيمنة على الأمور ، وتوّدون أن يكون الناس لكم تبعاً فأجابه إجابة تنضح حبّاً وموّدة وإخاءً. فكاد ذلك الأخ على مافيه من جفوة واستعلاء يذوب خجلاً وهكذا تفعل الكلمة الندّية التي تخرج من قلب موصول مصقول. كان وقتها يحضِّر لدرجة الدكتوراة ومعه إخوة سودانيّون كرام في كيمبردج من أمثال الأخ الكريم / بروفسور ابراهيم الحاردلو ، والأخ الفاضل بروفسور / إبراهيم أحمد عمر ،والصديق العزيز بروفسور/ الطيب زين العابدين. وكان يزورنا وزوجه الفضلى ونزوره وننال من أدبه وخلقه قبل أن ننال من علمه وفقهه وكم سُرَّ سروراً عظيماً عندما علم أنني اُحضِّر أطروحتي عن شيخ المفسرين إمام المؤرخين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب المذهب الفقهي المستقلّ والآراء الجرئية المبتكرة ولا غرو فقد كان من الأئمّة المتبوعين. ثُمَّ تخرَّجنا وقد نال كلٌ منّا ما أُتيح له من حظّ في دين أو دنيا فكانت الصلة بيننا وبينه قائمة غير مقطوعة ولا مجذوذة وقد سعدنا بلقائه في السودان، وشرفنا بمؤانسته في باكستان وأُتيحت لي زيارته في بيته في مصر فكان اللقآء الأخويّ الصافي الذي لا تشوبه شائبة ، ولا يكدّره مكدّر ... ودٌ مقيم ، وحبٌ متصل، وأريحّية مهتزّة. تخرَّج في كليّة أُصول الدين وزامل أخاه الشيخ العلاّمة دكتور / يوسف القرضاوي نسّأ الله في أجله ، وزاده من فضله فمضى في طريق الدعوة إلى الله عّز وجّل وقد سبقه إليه رجال من أمثال الداعية المفكّر الأصيل الشيخ محمّد الغزالي عليه من الله الرحمة والرُضوان . فاللهمّ إنّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلى أن تغفر لأخينا الشيخ أحمد العسَّال ، وأن تنير ضريحه ، وأن تجعله روضة من رياض الجنّة وإنّا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوّة إلا بالله وصلّ اللهمّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محّمد وآله في الأولين والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.