اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطلقات شرعية في العلاقات الدولية‎ (1-2)‎

واجه الإسلام منذ نشأته أوضاعاً سياسية وأحوال اقتصادية بالغة التعقيد ونجح في أن يتعامل معها بأسلوب متميز يختلف عن أساليب الدول السابقة، فعقد المعاهدات، واستقبل المستأمنين، وأعان الضعفاء وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل، وفاوض وأقام العلاقات الخارجية، كل ذلك بتصور إسلامي مستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وحري بالمسلمين في كل عصر وزمان أن يلتزموا تلك الفاعلية المنتجة المنضبطة بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أولاً: مفهوم العلاقات الدولية في الإسلام
العلاقات الدولية في الإسلام هي العلاقات والصلات الخارجية التي تقيمها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد لتحقيق أهداف معينة وفقاً للشريعة الإسلامية.
ثانياً: أهمية العلاقات الدولية في الإسلام:
الإسلام الرسالة الخاتمة، دين أُنزل للبشرية جمعاء، تبدت عالميته في قدرته على التعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة –من نصارى ويهود.. ملوك وفقراء.. سود وبيض..الخ، وفق ضوابط معلومة وقواعد محددة من أهمها:
الاعتراف أن الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، فقد منح الله البشر الحرية والاختيار في أن يفعل ويدع، أن يؤمن أو يكفر.
وحدة الأصل الإنساني والكرامة الآدمية: انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم }[1]، وقوله { ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات }[2]
التعارف: لقوله سبحانه وتعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم }[3] وكما ورد في الحديث (وأشهد أن العباد -كلهم – اخوة )[4] , فالتعارف أساس دعا إليه القرآن، وضرورة أملتها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري، وإعمال لروح الأخوة الإنسانية بدلاً من إهمالها،.
التعايش: إذ أن حياة المتشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح: بيعاً وشراء..قضاء واقتضاء..ظعناً وإقامة..، وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غير المسلمين. وقد حدّد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين }[5].
التعاون: كثير من القضايا العامة تشكل قاسماً مشتركاً بين المسلمين وغيرهم، ويمكن التعاون فيها ، كما أن الأخطار التي تتهددهم معاً ليست قليلة، ويمكن أن تشكل هذه القواسم المشتركة منطلقاً للتعايش والتعاون، وأهم هذه القواسم المشتركة ما يلي:
1. الإعلاء من شأن القيم الإنسانية والأخلاق الأساسية فالعدل والحرية والمساواة والصدق والعفة كلها قيم حضارية تشترك فيها الأديان والحضارات وترسيخها في المجتمعات هدف مشترك يمكن التعاون عليه.
2. مناصرة المستضعفين في الأرض وقضايا العدل والحرية ومحاربة الظلم ومن ذلك اضطهاد السود والملونين في أميركا واضطهاد الأقليات الدينية وسائر الشعوب المقهورة في فلسطين وكوسوفا والشيشان ونحوه، فالإسلام يناصر المظلومين من أي جنس ودين. والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال عن " حلف الفضول " الذي تم في الجاهلية:( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النّعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )[6].
ثالثاً: أهداف العلاقات العامة في الإسلام
إن صياغة أهداف العلاقات الدولية يجب أن تتم في ضوء المنهج الإسلامي للعلاقات الخارجية الذي حددته الأحكام الشرعية فلا ينبغي أن تضع الدول أهدافها للعلاقات الخارجية في غيبة من الإسلام، ويمكن تفصيل اهداف العلاقات العامة في الإسلام على النحو التالي:
أ) أهداف عامة مشتركة
حماية الدولة: وهو ما يعرف في واقعنا المعاصر بالأمن القومي ويتطلب سيادة الدولة على أراضيها وحفظها لحدودها الجغرافية وبعدها عن تدخل الدول الأخرى عسكرياً أو سياسياً.
رعاية المصالح المتبادلة: إذ تسعى كل دولة إلى توفير موارد ذاتية تغنيها عن الحاجة إلى عون خارجي لكن هذا في واقع الحال صعب المنال لذلك تلجأ الدول إلى ان تكمل نقصها عبر علاقاتها الخارجية وتبادل المنافع مع الدول الأخرى.
الأمن المشترك: فالأمن هو أحد الضروريات التي يحتاجها كل نظام سياسي يسعى إلى الاستقرار، وإذا كان الأمن الداخلي مسألة خاصة بكل دولة فهناك امن خارجي مشترك بين دول العالم تحكمه اتفاقيات تضمن عدم اعتداء دولة على أخرى، وقد تتحالف دول معينة وتتفق على التصدي على أي عدوان يهدد دولة في الحلف.
السلام العالمي: إن الخلافات بين الدول تهدد امن العالم لذلك أقتضت المصلحة أن يقوم نظام عالمي لرعاية السلام العالمي ومنع حدوث خلافات بين الدول وتوفير آلية لحل الخلافات بين الدول حفظاً للأمن والسلام العالميين، وفي واقعنا المعيش تقوم منظمة الأمم المتحدة وروافدها بهذا الدور.
ب ) أهداف خاصة
نشر الدعوة الإسلامية: فالدولة الإسلامية هي دولة دعوة، تحمل رسالة الإسلام وتبشر بها وتدعو إليها، وتحمل لواء خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة والبلاغ.
حماية الاقليات المسلمة: يطلق على المجموعات التي تعيش في دولة أخرى غير التي تقيم بها اسم " الاقليات" والقانون الدولي يعرف الأقليات القومية، ولا ينظر للأقليات الدينية رغماً عن انه حفظ لها حقوقها المتعلقة بشعائرها الشخصية. اما الإسلام فلا تقف العنصرية أو العرقية حاجزاً أمام الأنتماء الأوسع له. ومهمة الدولة الإسلامية تقتضي حفظ حقوق الاقليات المسلمة دون النظر إلى أصولها العرقية او العنصرية.
درء الأخطار عن الامة الإسلامية: إن الأمة الإسلامية مطالبة بنشر هذا الدين والزود عنه، وحماية معتنقية والدفاع عن حرماتهم، وازالة كل العوائق التي تمنعهم من أن يؤدوا فرائض دينهم بل والتي تحول بين غير المسلمين وقبول الإسلام.
رابعاً: مميزات العلاقات الدولية في الإسلام[7]
1. النظام الإسلامي للعلاقات الدولية يتميز بثبات المصادر ( القرآن والسنة واجتهاد الفقهاء ) وعدم خضوعها للمتغيرات والأحداث، كما يتميز بالمرونة في الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان والحال.
2. للشريعة الإسلامية أو الدين مكان واضح في مفهوم العلاقات الدولية فالشريعة بمثابة الباعث المحرك لأهداف العلاقات الدولية، لذلك لا يتصور فصل الدين عن العلاقات الدولية كما يحدث في الديانات الأخرى.
3. العلاقات الدولية في الإسلام ليست انفعالية بل مبدأية تنطلق من قيم العدل والسلام والتسامح والحرية ومساعدة المظلوم والوفاء بالعهود ونحوه.
4. العلاقات الدولية في الإسلام مفهومها مستع ولا يقتصر على الدول بل يشمل المؤسسات والأفراد، إذ يستطيع فرد أن يعطي الأمان لآخر ( ويسعى بذمتهم أدناهم )
5. العلاقات الدولية في الإسلام شمولية تخاطب الناس جميعاً أفراداً وجماعات إنطلاقاً من شمول الإسلام.
6. وسائل العلاقات الدولية في الإسلام نبيلة سامية، ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة لا وجود له في التصور الإسلامي.
7. المصالح العامة للبشرية (كالسلام العالمي ) من الأهداف الرئيسية للدولة الإسلامية، خلافاً لما عليه الحال في كثير من الدول الغربية التي تقدم مصالحها الذاتية على المصالح العامة للبشرية.
8. الإسلام لا يعرف الازدواجية في العلاقات الدولية كما يلاحظ في المؤسسات الدولية العالمية كالأمم المتحدة وروافدها.
9. الإسلام سبق كل النظريات المعاصرة في وجوب مواجهة الطغيان بقوة تردعه، وهو ما يطلق عليه اليوم " الردع" أو " القوة الرادعة ".
10. العلاقات الدولية في الإسلام تنبع من الإسلام ولا يحكمها أي مؤثر خارجي الامر الذي يوفر لأية دولة استقلالاً كاملاً في اتخاذ مواقفها الخارجية والداخلية.
خامساً:أثر الواقع في تقرير أحكام العلاقات الدولية:
أن فقه العلاقات الدولية الحق لا بد أن يكون واقعياً، يعرف الواقع ولا يجهله، يلتفت إليه ولا يلتفت عنه، يُعمله ولا يهمله، يبني عليه ولا يبني في فراغ. وحتي يتم ذلك ينبغي ان ندرك الآتي:
1 - حال القوة غير حال الاستضعاف:
إنه من المقرر في علم أصول الفقه أن معرفة المحكوم فيه على حقيقته، ومعرفة ما يدخل فيه وما لايدخل فيه. والمعرفة الراسخة بالواقع ومكوناته، وبالأشياء وأوصافها، وبالأفعال وأسبابها وآثارها... هو أحد أعمدة الحكم الصحيح التي من دونها يختل الحكم ولا يصيب مراد الشرع ، وواقعنا الآن هو واقع استضعاف ضعفت فيه قوة المسلمين وقلت حيلتهم وهانوا على الناس، فلا يطالبون بما يطالب به المسلم القوي المتكمن.
2. لا تكليف إلا بمقدور:
كذلك من المقرر في علم أصول الفقه مراعاة الإمكان، أي تقديرها ما يمكن وما لا يمكن، وتقدير حدود الإمكان فيما هو ممكن. ذلك أن التكليف الشرعي يدور مع القدرة والإمكان وجوداً وعدماً وقدراً. وإذا كان (الميسور لا يسقط بالمعسور) فإن (المعسور لا يُلحق بالميسور). وتمييز ما هو مقدور مما ليس بمقدور، وما هو معسور مما هو ميسور يحتاج الى دراية بالواقع وأهله.
3. اعتبار المال:
ومعناه النظر فيما يمكن أن تؤول إليه الأفعال والتصرفات والتكاليف موضوع الاجتهاد والافتاء والتوجيه، وإدخال ذلك في الحسبان عند الحكم والفتوى في كل الاقضية من الأهمية بمكان، خاصة في قضايا العلاقات الدولية.
4. مراعاة التغيرات:
"الواقع كالنهر الجاري الذي قيل عنه: (إنك لا تستحم في نهر مرتين). ففي كل مرة تستحم فيه، تكون في نهر جديد، أي ماء جديد غير الذي استحممت به سابقاً. وكذلك الواقع، ففي كل يوم، بل في كل لحظة، واقع جديد، يختلف كثيراً أو قليلاً عن سابقه. إن التغيرات اذا أصابت أموراً هي مناط لبعض الأحكم فلابد أن تتغير تلك الأحكام التي تغيرت متعلقاتها"[8]،
"وإذا كانت الشريعة قد أخذت بمبدأ النسخ، بين شريعة وأخرى، وفي الشريعة الواحدة، أفلا نعتبر بذلك ونستفيد من هذا النهج؟
طبعاً ليس لأحد من الناس، ولا لجماعتهم، حق نسخ شيء من الأحكام المنصوصة، ولكن أخذ العبرة من مبدأ النسخ يفيدنا في أن الأحكام الشرعية تأخذ بعين الاعتبار الظروف والأحوال التي تتنزل عليها وتطبق فيها، وأن التغيرات اذا أصابت ماله شأن ووزن في وضع الأحكام، مأخوذة أيضاً بين الاعتبار.
ومما هو مسلم به في هذا الباب – على الأقل من الناحية المبدئية والنظرية – أن ما بني على أعراف وعادات، فإنه يتغير بتغيرها"
5. معرفة الأسبقيات:
فتكاليف الشريعة ليست كلها على درجة واحدة من الأهمية بل تختلف فمنها ما هو فرض ومنها ما هو مباح، فلا بد من تقديم الأهم على المهم. كذلك عرف تراثنا الفقهي عبارة " وهذا خلاف الأولى" التي تفيد أن هناك أولويات أو أسبقيات يجب أن تراعى.
6. الموازنة بين المصالح والمفاسد:
فالخير المحض في حياتنا عزيز نادر وكذلك الشر المحض، وكثير من الأمور فيها خير وشر بدرجات متفاوتة فما غلب خيره شره يقدم وما غلب شره خيره يؤخر، وهذا يقتضي معرفة المصالح والمفاسد والموازنة بينها.
سادساً: مفاهيم يجب أن تصحح:
إن العديد من المصطلحات التي تتعلق بالعلاقات الدولية جانبت الوسطية في الفهم وجنحت للإفراط أو التفريط من ذلك:
1. الجهاد:
فالجهاد عند كثير من الناس يرادف القتال وهو ليس كذلك.. بل يختلفان لغة وشرعا:
× فالجهاد مشتق من بذل الجُهد وهو الوسع أو تحمل الجَهد وهو المشقة، بينما القتال مشتق من القتل.
× كل مسلم يجب أن يكون مجاهداً وليس بالضرورة مقاتلاً، إذ أن مجاهدة النفس والشيطان ومجاهدة المنكرات ومجاهدة المشركين بالقلم واللسان والمال والسنان لا يتصور أن لا يكون للمسلم فيها نصيب، بخلاف القتال الذي لا يتأتى إلا عندما تتهيأ أسبابه.
× الأسباب التي تدعو المسلمين للقتال تنحصر في الآتي:
1. قتال من يقاتل المسلمين: لقوله تعالى:"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، " فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبينا"
2. القتال لمنع الفتنة في الدين: لقوله تعالى: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )، والفتنة هي مصادرة حرية الناس واضطهادهم لأجل عقيدتهم، وإرغامهم على تغيير دينهم، كما حدث لأصحاب الأخدود. والقرآن يعتبر هذه الفتنة أكبر من القتل، واشد من القتل. فالإسلام يشرع القتال ليهيئ مناخ الحرية للناس ليؤمن من آمن عن حرية واختيار ويكفر من كفر عن حرية واختيار.
ولعل من الأسباب التي أدت إلى اللبس في مفهوم القتال ما يروج له البعض أن أية السيف نسخت كل الآيات السابقة، وجعلت السيف هو الفيصل بين المسلمين وغيرهم، ويجاب على هذا ب:
آية السيف لم يتفق عليها، فمن الناس من قال هي أية " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة " وهذه ليس فيها نسخ بل فيها دعوة للمعاملة بالمثل.
وقال آخرون هي آية " فإذا انسخ الأشهر الحرم فاقتلوا المسلمين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم " وهذه الآية نزلت في مشركي العرب الذين نكثوا العهود ولا دليل فيها على قتال من وفى بعده، فقبل هذه الآية جاء قوله: "إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " وبعدها جاء قوله "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " وقوله " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ". ومنهم من قال آية السيف "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فهؤلاء وقفوا ضد الدعوة وصدوا الدعاة وتأمروا على المسلمين فحق قتالهم وليس فيها دليل على قتال من لم يقاتل المسلمين أو يصد عن سبيل الله من الكفار.
كذلك أشكل على البعض حديث بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، والحديث –كما يرى العلماء – لا يصح سنداً ومتناً، بل ويخالف صريح القرآن الذي لم يذكر في أية واحدة أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بالسيف بل أكد في آيات عديدة أنه بعث بالهدى ودين الحق وبالبينات والشفاء والرحمة للعالمين وللمؤمنين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة للمؤمنين )، ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ونحو ذلك كثير في القرآن. فالإسلام كما تقدم لا يشهر السيف إلا في وجه من صد عن سبيله وقاومه بالقوة، قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، ولو بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف لما مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة يلقى هو وأصحابه أصناف الأذى ويستأذنه بعض أصحابه في أن يدفعوا عن أنفسهم بالسلاح فلا يأذن لهم.
2. الحرب: إن مفهوم الحرب في زماننا هذا اخذ أبعاداً أكبر من نشوب قتال بين دولة وأخرى أو بين مجموعة وأخرى فظهرت له مدلولات أخرى تمتد لتشمل الحرب الاقتصادية: التي من أسلحتها المقاطعة الاقتصادية وتجميد الأرصدة ونحوه.
الحرب الإعلامية: والتي من أسلحتها الانترنت والفضائيات والصحافة ونحوه.
3. الظهور والفتح:
إن الظهور والفتح لا يعنيان خوض المعارك وإعمال السيف في العدو فقط، كما قد يتبادر للأذهان بل يمكن للمسلمينأن يفتحوا آفاقا وأقطارا، فتحا سلميا، لا تراق فيه قطرة دم، فلا يشهرون سيفا، ولا يطلقون مدفعا، ولا يعلنون حربا.إنه (الفتح السلمي) الذي أصّله الإسلام، في (صلح الحديبية) المعروف، والذي عقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، لإقامة هدنة بين الطرفين، يكف كل منهما يده عن الآخر، فسمّى القرآن ذلك (فتحاً مبيناً) ونزلت في شأنه (سورة الفتح).. وسأل بعض الصحابة الرسول الكريم: أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال: ( إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح)[9]. إنه الفتح الحضاري الذي يدخل به الناس في دين الله أفواجاً.
4. الموالاة والمحآدة
إن القرآن الكريم يزخر بنصوص تنهى عن موالاة غير المسلمين، وتقرر أن الولاء عندما يقع النزاع إنما يكون لله ولرسوله، غير أن هذا الأصل محاط بضوابط تحول دون تحوله إلى عداوة دينية أو بغضاء محتدمة أو فتنة طائفية مثل:
* النهي ليس عن اتخاذ المخالفين في الدين أولياء بوصفهم شركاء وطن أو جيران دار أو زملاء حياة، وإنما هو عن توليهم بوصفهم جماعة معادية للمسلمين تحآد الله ورسوله، لذلك تكررت في القرآن عبارة (من دون المؤمنين) للدلالة على أن المنهي عنه هو الموالاة التي يترتب عليها انحياز المؤمن إلى معسكر أعداء دينه وعقيدته.
* المودة المنهي عنها هي مودة المحآدين لله ورسوله الذين (يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم)[10] لا مجرد المخالفين ولو كانوا سلماً للمسلمين.
* غير المسلم الذي لا يحارب الإسلام قد تكون مودته واجبة كما في شأن الزوجة الكتابية وأهلها الذين هم أخوال الأبناء المسلمين.. فمودتهم قربة وقطيعتهم ذنب
* الإسلام يعلي من شأن الرابطة الدينية ويجعلها أعلى من كل رابطة سواها ولكن ذلك لا يعني أن يرفع المسلم راية العداوة في وجه كل غير مسلم لمجرد المخالفة في الدين أو المغايرة في العقيدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.