الغرب والإنسانية المتوحشة    يستأهلون العقوبة المغلظة    رسالة ..إلى أهل السودان    بالنسبة ل (الفتى المدهش) جعفر فالأمر يختلف لانه ما زال يتلمس خطواته في درب العمالة    الموافقة للقمة السودانية المشاركة ف الدوري الموريتاني    الجزيرة تستغيث…(1)…الآلاف من نزلاء السجون ومعتادي الإجرام ينتهكون القرى واحدة تلو الأخرى.!    (برقو وغضبة الحليم)    ولاية الخرطوم: ويسترن يونيون تفتح فرع لصرافة ميج بأمدرمان    شهادات مزورة.. الداخلية تداهم أكاديمية تعليمية بالإسكندرية    بوتين يصدر مرسوما يتيح التصرف بالممتلكات الأمريكية في روسيا    الإمارات تتحفّظ على قرار الجامعة العربية بدعم السلام والتنمية في السودان لأنّه يتطلب الدراسة والتدقيق    الإعلان عن تطورات مهمة بين السودان وإريتريا    شاهد بالفيديو.. طفل سوداني يقف أمام سيارة للجيش ويحمس الجنود بأبيات شعرية قوية وأحدهم يقبل رأسه إعجاباً بقصيدته    مصر: إسرائيل دأبت على استفزازنا.. ونرفض سيطرتها على معبر رفح    شاهد.. الفنانة الأبنوسية فدوى فريد تغني مرثية للشهيد محمد صديق    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    خبيرة ترسيم حدود تكشف مواقع أنهار مصر الحية والمدفونة في الصحراء    من هو الأعمى؟!    السعودية: دخول مكة المكرمة يقتصر على حاملي تأشيرات الحج    أعطني مسرحاً أعطك حضارة    ما هو التالي لروسيا في أفريقيا بعد فاغنر؟    بلقيس لجمهورها: «يا ويل حالي»    كيف تكتشف الكاميرات الخفية في المنازل المستأجرة؟    الخارجية: على المجتمع الدولي الإقرار بدورنا في حماية الأمن الإقليمي والدولي والتوقف عن الاتهامات غير المؤسسة    بعد "تشكيك" في دورها.. مصر تهدد بالانسحاب من جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس    آل إيه.. آل هزمنا الأهلى والترجي!!؟؟    أتالانتا ينهي سلسلة ليفركوزن التاريخية    زيادة سقف بنكك والتطبيقات لمبلغ 15 مليون جنيه في اليوم و3 مليون للمعاملة الواحدة    هل دفع ميسي ثمن رعونة البدايات؟    كيف ولماذا عاد الكيزان الي المشهد ..    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حسين خوجلي: وما زالت الجزيرة في محطة الانتظار المفضوح    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازي ليوم الثلاثاء    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    الحقيقة تُحزن    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والسلطة في تركيا:االتجربة الاربكانية " نموذجاً" (2-2)

لقد قامت الكمالية علي حساب إلغاء دور الدين في الحياة ونظام المجتمع واستمر الموقف من الدين (الإسلامي) محوراً للصراع السياسي والتجاذب الاجتماعي والمساجلات الفكرية علي امتداد عقود الجمهورية التركية. ومع إقرار نظام التعددية الحزبية في 1945م وإعادة الاعتبار لبعض المظاهر الإسلامية وتأسيس حزب النظام الوطني عام 1970م ثم بديله السلامة الوطني عام 1972م ثم وريثهما حزب الرفاه عام 1983م دخلت الحركة الإسلامية في تركيا مرحلة جديدة . إن هذه التجربة التي قادها البروفيسور نجم الدين أربكان ودفع بها الإسلام السياسي إلي الواجهة جديرة بالدراسة والتأمل والاستفادة من دروسها وعبرها داخل تركيا وخارجها .
تأسيس حزب الرفاه ودوره في الحياة السياسية
عندما سمح النظام السياسي مرة أخري بالعمل الحزبي، أسس 33 شخصاً ممن كانوا منتسبين إلي حزب السلامة، حزب الرفاه في 19 يوليو 1983 وتمت إدارة الحزب لفترة من قبل كادر غير معروف.
أستكمل الرفاه – الذي لم يخض انتخابات 1983 النيابية، تنظيماته، وحصل علي فرصته في خوض الانتخابات المحلية في 25 مارس 1984، وحصل علي تأييد 778622 ناخباً بنسبة 4.4 %، وعلي رئاستي بلديتي ( أورفه ) و ( وان )، وكانت هذه النتيجة بالنسبة للرفاه إخفاقاً. لأن هذه النسبة لم تصل حتي إلي نصف النسبة التي اعتاد عليها.
ولاشك أن السبب الأهم في عدم حصول الرفاه علي النسبة المتوقعة، هو استمرار آثار النظام العسكري، فقد وضع انقلاب 12 سبتمبر يده علي الكيان المالي لحزب السلامة، وحظر كادره الرئيسي من العمل السياسي. وخروج تورقوت أوزال الذى كان مرشحاً عن حزب السلامة في انتخابات 1977م عن ( إزمير ) الي الساحة السياسية، وتأسيسه لحزب الوطن الأم ( ANAP ) وحصوله علي تأييد قسم (42) من الناخبين المحافظين والإسلاميين الذين هم دعامة السلامة الأساسيين.
نجح تورجوت أوزال ( النقشبندي ) التابع لدركاه أسكندر باشا، في الحصول علي تأييد قسم من ناخبي السلامة في إنتخابات 1983العامة و 1984 المحلية، لحزبه. ويمكن القول أنه، نظراً لعدم خوض الرفاه انتخابات 1983لم تجد الأوساط المحافظة والإسلامية، بديلاً لحزب السلامة، سوي حزب الوطن الأم.
وعندما وصل حزب الوطن الأم إلي الحكم، إستمر يحصل علي تأييد الناخبين من الأوساط الإسلامية والمحافظة لفترة طويلة، بغية الاستفادة من صلاحيات الحكم " وعندما ألغي الحظر السياسي الذي فرضه انقلاب 12 سبتمبر بحظر العمل السياسي لمجموعة من السياسيين لمدة عشر سنوات، من خلال استفتاء شعبي عام 1987م بدأ أعضاء السلامة يحصلون علي عضوية الرفاه (44) .
ارتفعت نسبة الرفاه في انتخابات 1987 إلي 7.16 %، ونظراً لأن نسبته لم تتعد ال 10 % لم يكن له نواباً يمثلونه في البرلمان (45) .
وقد حصل الرفاه علي أؤَّل نتيجة انتخابية هامة في الانتخابات المحلية التي أجريت في 26 مارس 1989. فقد زادت نسبته المئوية في هذه الانتخابات 10 % عن انتخابات 1984، إذ أصبحت 9.4 % وفاز برئاسة محافظات ( قونيه ) و ( سيواس ) و ( شانلي أورفه ) و ( قهرمان مرعش ) وعلي 15 بلدية.
وطوال فترة الدعاية الانتخابية، ركز أربكان علي أنَّ أحزاب الوطن الأم والطريق القويم والشعب اليساري، هي أحزاب " النادي الغربي ". وقد أدي تحميل أربكان لتورجوت أوزال – المرشح القديم عن حزبه – زيادة الفقر والرشاوى، وكذلك أدت الفضائح المختلفة لعائلة أوزال والتي أثرت بالطبع عليه وعلي حزبه في الصحف، إلي خسارة أصواته الشعبية ولذلك حصل أربكان مرة أخري علي أصوات الأوساط الإسلامية التي كان قد حصل عليها مؤخراً (46) .
ودخل حزب الرفاه انتخابات 1991م متحداً مع حزبي العمل القومي والإصلاح الديمقراطي وحصلوا علي نسبة 16.78 % من أصوات الناخبين و 62 نائباً في البرلمان منهم 38 نائباً للرفاه. وأحد الأسباب الهامة لخروج الرفاه من انتخابات 1991م فائزاً، كان الإدارة والأسلوب الذي أتبعه أثناء الدعاية الانتخابية. فقد استخدم الحزب أسلوباً مختلفاً عن الدعاية الانتخابية التقليدية، فبينما كان حزبي النظام والسلامة لا يعطيان أهمية لعنصر المرأة في الدعاية، ويعرفانها بالمحجبة الطائعة، إذا بالرفاه يستخدم لأول مرة في لوحات الدعاية صورة المرأة ورأسها مكشوف. وبينما كان يحاول زعماء الحزب أنْ يستخدموا لغة تركية معاصرة في أحاديثهم، استخدموا كذلك الهتافات التي كان يرددها اليسار منذ سنوات مضت (47) .
بالإضافة إلي النساء اللائى ظهرن كاشفات الرؤوس في لوحة الانتخابات، ظهرت لوحات أخري تمثل الباحثين عن حقوقهم، والعمال الذين يرفعون رؤوسهم ضد الاستعمار والمعارضين للقهر والتعذيب، والمثقفين الباحثين عن الحرية، والشباب الثائر ضد الامبريالية، والمطالبين بحل المشكلات البيئية. وتومي هذه اللوحات بأن حزب الرفاه حزباً تقدمياً يسارياً. وهذا الخطاب الجديد، كان خطوة هامة بالنسبة للرفاه. فبينما كان يسعي الحزب من ناحية لتأصيل جذوره الفكرية، سعي أيضاً لتوجيه رسائل إلي كتل انتخابية جديدة برسائل معاصرة،محل اهتمام كافة المواطنين(48).
بروز مجموعتين داخل الحزب ( تقليديون – تغييريون ) .
كان واضحاً أن هناك رؤيتان داخل حزب الرفاه، إحداهما ترغب في أنْ يحافظ الحزب علي مواقفه وسلوكياته الأيديولوجية،والأخرى تهدف الي تحويل الحزب الي حزب يشمل كتلة من الأفكار والاتجاهات الإيديولوجية. فبينما نادي التغييريون بفتح أبواب الحزب لكل الناس، كانوا واثقين في نفس الوقت في إيديولوجية الحزب، ويعتقدون أنهم قادرون علي إكساب من يأتون إليهم أفكار ( الفكر الوطني ) بيد أنهم لم يكونوا قادرين علي إقناع التقليديين بهذا الموضوع. واعترض التقليديون الذين أوضحوا أنَّ خط التجديديين يُعد خرقاً لإستراتيجية الإسلام الصافي. وعلي الرغم من أنَّ سياسة التغيير لم تقم بخطوات جدية في مجال التغيير عندما أبدت سياستها بمظاهر تجذب انتباه الرأي العام. وعندما انضمت إلي الحزب طبيبة الأسنان فيليز أرجون ( Filiz Erguin )) وهي غير محجبة، وترتدي ملابس غير إسلامية، وصف عبد الرحمن ديليباق ( Abdurrahaman Dilibak ) وهو من أهم أعضاء الرفاه الصحفيين بأن هذه التطورات " تردياً وإنهياراً " وانفصل عن ( الجريدة الوطنية ) التابعة لحزب الرفاه – وكذلك بدأ صادق آلبيراق ( Sadik Albayarak ) رئيس تحرير الجريدة وعضو مجلس إدارة استانبول في الرفاه انتقاده لسياسة التغيير(49) .
نجاح حزب الرفاه في انتخابات " البلديات " 27 مارس 1994 م
كان الفائز الأكبر في انتخابات البلديات 27 مارس 1992. هو حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان إذ ارتفعت نسبة الأصوات التي حصل عليها من 9.8 % عام 1989 و 16.9 عام 1991 إلي 19.7 % عام 1994. بل أنه فاز في إثننتين من المحافظات الكبرى في تركيا، وهما ( استانبول ) و ( أنقرة ).
وكانت صدمة للأوساط العلمانية، فقد حصل حزب الرفاه على رئاسة مجالس 28بلدية محافظة تركية، وبلغ مجموع بلديات المحافظات والمدن التي حصل عليها 338بلدية.
وقد ساهمت عدة عوامل في فوز الرفاه في البلديات منها أساليب الدعاية الانتخابية الي شكلها حزب الرفاه، حيث كان ضمن ما قام به استبيانات واستطلاعات الرأي حول مستقبل البلاد في ظل الحزب الذي سيفوز في الانتخابات، والدعاية لنفسه وبرنامجه والتعريف بخططه ورؤيته المستقبلية وإظهار عورات الأحزاب الأخرى، طرح شعار ( النظام العادل) كبديل للنظام الذي كان موجوداً آنذاك.
وثمة عوامل أخرى سهلت لحزب الرفاه عملية الاتصال بالجماهير الناخبة مثل التنظيم الجيد للحزب، وتوغله في أعماق المحافظات والى قلب الأناضول وكذلك استخدامه لأساليب حديثة في الدعاية الانتخابية، إضافة الي توفر السيولة المالية للإنفاق على الدعاية.
كما يعود هذا الفوز بالدرجة الأولى الي انقسامات اليمين واليسار، والى ميكانيزم الانتخابات النشيطة، التي تميزت بها حملة الرفاه، والى ازدياد الشعور الاسلامى في تركيا، لاسيما بعد حرب الخليج الثانية، وأحداث البوسنة، التي لم تتخذ السلطات العلمانية أي أجراء عملي بصدد دعم الشعب المسلم فيها، الذي تعرض لحملة من التصفيات العرقية والدينية لم يشهد مثلها العالم منذ أمد طويل (50).. وثمة سبب آخر لنجاح الرفاه فى انتخابات 1994م، وهو أن حزب الديمقراطية الذي يوصف بأنه حزب الأكراد، قد اضطر للانسحاب من الانتخابات. ونتيجة لشعور الناخبين الأكراد باليأس وقلة الحيلة لجأوا بأصواتهم الي حزب الرفاه.
وعلى اثر انتهاء الانتخابات أعلن نجم الدين أربكان أن حزبه سيكون (اتحاداً عالمياً للإسلام ) عندما يتولى السلطة فى تركيا. وقد أدلى أربكان بهذا التصريح أمام حوالي عشرة آلاف من أنصار حزبه اجتمعوا بعد صلاة الجمعة في ساحة مسجد أيوب سلطان. وأكد أربكان قائلاً " لقد تولينا السلطة في ثلثي تركيا، والآن نسير نحو تولى السلطة المركزية، وهذا سيحدث في القريب العاجل " وأردف قائلاً :" إذا لم يصل حزب الرفاه الي السلطة فإن السلام والاستقرار سيستحيل تحقيقهما في تركيا" وقال: " إن تركيا في سبيلها للعثور على نفسها" (51) .
نجاح حزب الرفاه فى الانتخابات البرلمانية 25ديسمبر 1995م
حقق حزب الرفاه أعلى نسبة أصوات حيث حصل على ستة ملايين و12450صوتاً اى بنسبة 21.4% ففاز بذلك ب 158مقعداً. ثم جاء بعده حزب الطريق القويم حاصلاً على خمسة ملايين و396009 صوتاً بنسبة 19.2%و135 مقعداً. في حين حصل حزب الوطن إلام متحداً مع حزب الوحدة الكبرى على خمسة ملايين و527288صوتاً وبنسبة 19.6% و132مقعداً (52) .
وعزا المراقبون العوامل التي ساعدت الرفاه في تحقيق هذا الفوز في:-
1-استفاد الرفاه من حركة النزوح السكاني الداخلي من الجنوب الشرقي ومناطقه الفقيرة تحديداً، نحو الشمال الغربي بالدرجة الأولى، وقد نجح الرفاه في مخاطبة هؤلاء وكسب ودهم لصالحه. واستفاد الرفاه أيضا من كون الإسلام يعتبر عامل توحيد حياتي وثقافي واجتماعي واخلاقى، يحدد هوية معظم الأتراك وانتماءاتهم (53) .
2-الضعف إلي حد الاضمحلال الذي أصاب اليسار التركي بعد انقلاب 1980وفراغ الساحة السياسية وبالتالي من تيارات راديكالية تدعو الي المساواة والعدالة ومعادية في نفس الوقت لسياسة الغرب. خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، وكان للرفاه وراثة هذا التيار بشعاراته وبعض قاعدته(54).
3-تنامي الحالة الإسلامية في تركيا، بفضل السياسة الليبرالية التي انتهجها النظام في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يسمح للحركات الإسلامية بالتوسع والانتشار وتكوين مناخ ثقافي إسلامي واسع بين الشعب.
4-جهود حزب الرفاه الواسعة في البلديات التي حصلوا على أكثر من ثلثيها في الانتخابات 1994م، فقد ظهروا فيها بخدماتهم للشعب أصحاب أيدي نظيفة وطاهرة، وكشفوا من خلال مواقعهم عن مدى الفساد والرشاوى والسرقات التي كانت تتم بداخل البلديات من قبل.
5-انقسام اليمين الذي كان متمثلا في حزب العدالة برئاسة سليمان ديميريل في السبعينات الي حزبين هما حزب الوطن إلام الذي أسسه تورقوت أوزال وحزب الطريق القويم الذي تزعمه سليمان دميريل. وكذلك انقسام اليسار الذي كان متمثلاً في حزب الشعب الجمهوري بزعامة بولنت أجاويد الي حزبين هما حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد وحزب الشعب الجمهوري بزعامة دنيز بايكال.
6-الحملة الانتخابية القوية التي قام بها الرفاهيون، الى جانب لغة خطابهم المرنة. وكذلك إسهام المرأة الرفاهية لأول مرة في الدعاية الانتخابية بشكل بارز سواء في اللقاءات العامة ولجنة الحزب النسائية وسواء بالزيارات الخاصة المُجمُّعَة للنساء.
حزب الرفاه فى الحكومة الائتلافية مع حزب الطريق القويم
كلف نجم الدين أربكان بتشكيل حكومة فى 7يونيو 1996م بعد فشل تكليف تانسو تشيللر ومسعود يلماز بتشكيلها. وتولى نجم الدين أربكان رئاسة وزراء تركيا مؤتلفاً مع حزب الطريق القويم، ولفت انتباه العالم كأول رئيس حزب اسلامي يتولى رئاسة وزراء بلد مثل تركيا.
لم تمض سوى شهور قليلة من عمر الحكومة الائتلافية الجديدة، حتى تقدم وُرال صواش( Vural savaş ) المدعى العام. الى المحكمة الدستورية بطلب حل حزب الرفاه لكونه – حسب ادعائه – يعمل على تغيير النظام العلماني للدولة. وبدأت الصحافة والإعلام حملة كبيرة ضد ( نجم الدين اربكان) وحزبه، وتزايدت الأزمات فحاولت (تانسو تشيلر) انتهاز هذه الاضطرابات فطلبت من (أربكان) تسليمها رئاسة الوزراء قبل الموعد المحدد بغية تهدئة الأوضاع(55) .
ولم تكن مقاعد الأحزاب الأربعة مجتمعة كافية لحصول الحكومة على الثقة، فحدثت عمليات ضغط على بعض النواب، ويقال أنه قد تم استمالة بعض نواب حزب الطريق القويم بالمال لينضم الي حزب الوطن إلام. وبهذه الطريقة انتقل عشرون نائباً الي كل من حزب الوطن إلام والحزب الديمقراطي التركي، وهكذا حصلت الحكومة على الثقة(56).
كان لحزب الرفاه في هذه الحكومة الائتلافية (28يونيو1996-30يونيو1997م) هدفان رئيسيان :
الأول : إصلاح الاقتصاد التركي الذي كان يعانى من أزمات مستعصية من تضخم في سوق المال وغلاء مستمر الي جانب الأموال الباهظة التي تنفق على الصراع مع الأكراد في جنوب وشرق تركيا.
الثاني : إحداث تغيير في توجه السياسة الخارجية التركية نحو مزيد من العلاقات مع الدول الإسلامية دون الحد من علاقات تركيا مع الدول الغربية.
وقد انتهجت الحكومة لإحداث تحسناً اقتصادياً سياسة ترشيد النفقات الحكومية وعدم التورط في ديون داخلية جديدة والتقليل من الاستدانة الخارجية. وقد بدأت هذه التدابير بعد أربعة أشهر من تشكيل الحكومة، تعطى مؤشرات صحيحة. فقد تراجع العجز في الميزانية حتى قارب الصفر في الشهر الأول من عام 1997م، كما هبطت الفائدة في البنوك بنسبة 20% وهذه نسبة هبوط كبيرة، أدت الي تراجع نسبة التضخم. كما تم أيضاً في أشهر قليلة خصخصة لبعض القطاعات الحكومية لم يتم مثلها في عشر سنوات سابقة. كما قامت الحكومة بزيادة رواتب الموظفين زيادة كبيرة تجاوزت 200% في بعض القطاعات(57).
إما على صعيد السياسة الخارجية فقد سعى أربكان الي تحقيق أحد مستهدفات حزبه الكبرى ألا وهو إقامة جسور التعاون الاقتصادي والثقافي مع الدول العربية والإسلامية، على غرار مجموعة الدول السبع الكبرى التي تضم أمريكا وألمانيا وانجلترا وايطاليا وفرنسا واليابان وكندا.
فقام أربكان بتأسيس مجموعة الدول الثمانية النامية، بعد قيامه بزيارة عدد من الدول الصناعية بآسيا، وضمت هذه المجموعة تركيا، ومصر،وباكستان، وبنجلاديش، واندونيسيا، وماليزيا، ونيجيريا، وعُقد أول اجتماع لها على مستوى رؤساء الحكومات باستانبول فى 14/ يونيو1997م (58).
وكان أربكان حريصاً على توجيه رسائل لطمأنة المؤسسة العسكرية حتى يتمكن من تحقيق ما خطط له من مستهدفات وكان منها الموافقة على الإتفاق العسكري بين تركيا وإسرائيل، وتوقيع اتفاقيات تحديث القوات المسلحة التركية من جانب إسرائيل، وتمديد قوة المطرقة الغربية،والتوقيع على قرارات الجيش بطرد ضباط بتهمة انّ لهم ميولاً إسلامية (59).
إلا ان أربكان إزاء هذه الخطوات لاقى الكثير من الانتقادات، سواء من داخل حزبه، وسواء من الأوساط الأخرى، فأخذ يوجه رسائل طمأنة آخري تجاه الطرف الآخر ( الأوساط الإسلامية) . وذلك ما أغضب منه المؤسسة العسكرية، وأخذت تحتاط منه وتدبر لتصفية حزبه.
وتمثلت هذه الرسائل في مطالبته السماح للنساء في الدوائر الحكومية بارتداء غطاء الرأس (الحجاب).والسماح ببناء جامع في منطقة تقسيم (Taksim ) باستنبول، وآخر قرب القصر الرئاسي فى (انقرة). واستضافته رؤساء بعض الطرق الدينية في حفل إفطار خلال شهر رمضان، وهى طرق محظورة قانونياً ومع ان هذه المطالب والنشاطات ليست أساسية إلا أنّ مجرد إثارتها كان كافياً لقادة المؤسسة العسكرية لكي يبدأوا عداً عكسياً لإنهاء سلطة أربكان خشية تطور الأمور الي مرحلة لا يمكن وقفها(60).
اتقلاب28/فبراير 1997م
لم يكن وضع تركيا يسمح بانقلابات عسكرية كالتي حدثت في السابق، من حيث الظروف الاقتصادية والأوضاع السياسية، خاصة وأن تركيا تسعى للانضمام الي الاتحاد الاوربى، الذي رفضها أكثر من مرة لعدم امتثالها لأسس الديمقراطية. وكذلك تعلمت المؤسسة العسكرية من انقلاباتها الثلاثة السابقة، أن الانقلاب المسلح،تسبب في تزايد الحركة الإسلامية وتناميها بمنطق ردود الأفعال. فهدفت هذه المرة الي انقلاب سلمى،يحقق لها مستهدفاتها في الحد من التنامي الاسلامي،الذي يشكل خطراً على المبادئ العلمانية، وتصفية مصادر الحركة الإسلامية، ولكن هذه المرة بأيدي قادة الحركة أنفسهم.
فقد انعقد اجتماع مجلس الأمن القومي(MGK ) في 28/فبراير 1997م في جلسة استمرت أكثر من تسع ساعات، أثمرت عن توصيات، قدمت الي الحكومة الإتلافية في شكل قرارات واجبة التنفيذ شكلت في مجملها،خطة للقضاء على مصادر الحركة الإسلامية في تركيا(61).
ويمكن تلخيص هذه التوصيات في الآتي :-
1-يجب حماية مبدأ العلمانية – المنصوص عليه في دستورنا ضمن الصفات الأساسية للجمهورية ومبدأ اتاتورك وانقلاباته.
2- عدم الاستقلال السياسي للمؤسسات الدينية.
3- إنهاء نشاط الطرق الصوفية المحظور وجودها بالقانون رقم 677م .
4- وضع بعض الجهات الإعلامية المعادية للقوات المسلحة تحت الإشراف.
5- عدم توظيف من تم فصلهم من الجيش بسبب نشاطاتهم الرجعية.
6- تطبيق التدبيرات المستعملة في القوات المسلحة لمنع عمليات الاختراق في بقية مؤسسات الدولة.
7- يجب ان يمنع من التطبيق كل ماهو مخالف للقانون المختص بالملابس وما يظهر تركيا بمظهر متخلف حضارياً.
وتداولت الصحف التركية مطالب العسكر السرية التي تمثلت أهمها في تنشيط النظام القضائي في إغلاق الجمعيات الإسلامية التي تتطاول على القانون، وإغلاق مدارس الأئمة والخطباء الزائدة عن الحاجة. وتقليص عدد مدارس تحفيظ القرآن، وعدم افساح المجال لتعيين الكوادر الاسلامية فى دوائر الدولة والبلديات، ومتابعة الطرق الصوفية وشركات توظيف المال التابعة لها، وفرضت رقابة خاصة على محطات الراديو والتلفزيون الخاضعة للإسلاميين والحد من إنشاء هذه المحطات ومراقبة نشاط منظمة "ملى قوروش" التابعة للرفاه وتحويلاتها المالية، ومنع تعيين خريجي كليات أصول الدين والأزهر والجامعات الإسلامية في وظائف التدريس ووظائف الدولة وعدم السماح لخريجي ثانويات الأئمة والخطباء بدخول الكليات العسكرية والكليات الفنية (62) .
أصبح أربكان وحكومته مسئولين عن تنفيذ توصيات مجلس الأمن القومي وعلى الرغم من دخول اربكان في عملية كسب وقت لرفض تنفيذ هذه المطالب، إلا أنه وجد نفسه مضطراً للتوقيع عليها مما جعل الأحوال تزداد اضطراباً وتعقيداً سواء داخل حزبه أو بين الأوساط الإسلامية الأخرى اذ أنه بتوقيعه على الالتزام بتنفيذ تلك القرارات يكون قد تكفل – بنفسه- بالقضاء على مصادر الحركة الإسلامية في تركيا.
وفى تلك الإثناء، وفى إطار تعبئة الرأي العام ضد الرفاه والتيارات الإسلامية تسربت تقارير أمنية صادرة عن المخابرات التركية، بان أنشطة الإسلاميين في تركيا تهدد أسس الدولة بالانهيار. ومما جاء فيها وفقاً لبيان رئيس المخابرات في الجيش التركي الجنرال فورى توركرى( Fevzi Turkeri ) فان " التيارات الرجعية الإسلامية " تملك 19صحيفة و110مجلة و53محطة إذاعية و20محطة تلفزيون. إضافة الي ذلك فإن للإسلاميين 2500جمعية و500وقف خيري، وأكثر من 1000شركة و2200مجمع سكنى للشباب و800مدرسة(63) .
وتطرق بيان المخابرات أيضاً لتوجيه الأنظار الي حجم الاقتصاديات الإسلامية في تركيا فذكر " الشركات" التي تقدم الدعم للإسلاميين، ودعا الي مقاطعتها، وعدم منحها أى دعم ، أو إشراكها في أي مناقصات – مثل شركات أولكر ( Ulker (وقومباصان( Kumbasan)، وإخلاص(Ihlas)، واتفاق (Ittifak) ، ويمباشى) Yimpaş) وغيرها من الشركات التي تقدر صادراتها الي العالم الاسلامى فقط ب 8 مليون دولار سنوياً. وقد دفع هذا التوجه لضرب الاقتصاد الاسلامى في تركيا المعلق المعروف إيلنور تشفيق (ilnur çefik) لاتهام الجيش بأنه يلعب بأسس البلد وتوازناته(64).
الي جانب هذا كله، كانت الدعوة التي رفعها الدعي العام (ورال صواش) لإغلاق حزب الرفاه تتخذ خطوات جادة نحو تجريم الحزب وأعضاءه. تقدم ( ورال صواش) المدعى العام في 21مايو 1997م الي المحكمة الدستورية بمذكرة تتكون من 18صفحة، تفيد بان حزب الرفاه قد بلغ ذروته فى عدائه للعلمانية. واستمرت إجراءات الدعوى تجرى فى مساراتها القانونية حتى بدأت جلساتها في 16ديسمبر 1997م، ومثل أربكان أمام المحكمة. وكان قد أعدّ دفاعاً عن التهم المنسوبة إليه، والى حزبه، بلغ هذا الدفاع 415صفحة (65) . وقررت المحكمة إغلاق حزب الرفاه حسب المادة 69،68 من الدستور، وحسب البند "ب" من المادة 101والفقرة "أ" من المادة 103من قانون الأحزاب السياسية.
وتم إبطال عضوية كل من نجم الدين أربكان وشوكت قازان واحمد تكضال وإبراهيم خليل تشليك في المجلس النيابي، وحرمان كل من نجم الدين أربكان وشوكت كازان واحمد تكضال وشوقي يلماز وحسن حسين جيلان وإبراهيم خليل، وشكري قره تبه من تأسيس أو عضوية أو إدارة اى حزب سياسي مدة خمس سنوات بسبب تصريحاتهم ونشاطاتهم. كما تقرر نقل جميع أموال الحزب الي الخزينة(66).
كانت المؤسسة العسكرية تعلم أن الحزب لن ينهزم ويقف مكتوف الأيدي، وأنه سيشكل نفسه في حزب آخر تحت مسمى جديد، إلا أنها أرادت إحداث ارتباكات تنظيمية وأيديولوجية داخل صفوف أعضاء الحزب تؤثر سلباً على قدرتهم على تنظيم صفوفهم مرة أخرى في حزب جديد، خاصة وأن أربكان أنهى حياته السياسية - وهو المؤسس للحركة الإسلامية السياسية في تركيا- بسلوكيات سياسية تتنافى وخبراته السياسية الطويلة، مما أحدث خللاً إيديولوجيا داخل صفوف الحزب، استلزم إحداث مراجعات وإعادة تخطيط أولويات الحزب ، ومواقفه السياسية من جديد.
ولعل المؤسسة العسكرية رغبت أيضاً في حث التيار المعتدل داخل حزب الرفاه للثورة على قياداته وشق صف القيادة وبذا يمكن للمؤسسة العسكرية السيطرة على مسارات الحزب الجديد، وتوجيهه نحو المصالح الوطنية بواسطة قياداته الأكثر مرونة.
ويتضح جلياً أنّ تركيا بعد خمسين عاماً من العمل السياسي لا تزال المؤسسة العسكرية فيها تؤكد على استحالة التواؤم مع التيار الاسلامى الموجود على الساحة السياسية وتنظر إليه بعين العداوة. في حين أن الفكر السياسي ذو التوجه الاسلامى الذي تمثله الحركة الاربكانية قد تطور كثيراً من فكرة الحزب المناهض للنظام الي فكرة حزب لكل المجتمع التركي في الثمانينات والتسعينات، الي حزب أكثر انفتاحاً واتساعاً في نسخته الأخيرة – حزب العدالة- بعد الألف الثانية من الميلاد.
هوامش البحث
42-مرجع سابق . S:102 Türkiyede İslamcilik
43-مرجع نفسه ص211
44-نفس المرجع ص 104
45-مرجع نفسه ص104
46-نفس المرجع ص 105
47-Cumhuriyet ,22Nisan1994
48-نفس المرجع
49-Ruşen Çakir :Ne Şeriat Ne Demokrasi , Refah Partisini Anlamak,Metis Yayınları ,İstanbul ,1994.S:79
50-حزب الرفاه ، يوسف إبراهيم الجهمانى ،دار رياض الريس،لبنان 1998ص38،37.
51-نفس المرجع ص39.
52-مرجع سابق Siyasal Tarih.S:220
53-حزب الرفاه مرجع سابق ص 63.
54-تركيا مابعد أربكان محمد نور الدين ،مجلة أنوار سبتمبر 1997،ص 32
55-Ali Akel.Erbakan ve Generaller ,Şura Yayınevı İstanbul.1998.S:40
56-المرجع نفسه ص 29،28.
57-قصة حرب الرفاه ، أورخان محمد على ، كتاب المختار الاسلامى 1999ص 277،274،8،7
58-نفس المرجع ص279
59-تركيا مابعد أربكان مرجع سابق ص 30
60-نفس المرجع ونفس الصفحة 30
61-مرجع سابق Erbakan ve Generaller, . S:113-114
62-مجلة قضايا دولية العدد 375، 17مارس 1997ص 15
63-تركيا الجمهورية الحائرة ، محمد نور الدين ص100، مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق ، بيروت 1998
64-نفس المرجع ص 102،101.
65-مرجع سابق Arbakan ve Generallar.S 358-359
66-نفس المرجع ص 345


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.