أزمع الغرب أمره على محاصرة الإسلام و إيقاف زحفه المتصاعد و أعدّ لهذه الغاية من الأساليب و وسائل المكر الموصول ما لو وجّه لأيّ دين آخر لقضى عليه ، ولكن الإسلام لما كان حقا- لا ريب فيه - استطال على الإجتثاث ، وصمد أمام صولة الكفر وانتفاش الطغيان ، و دفع هذا الصمود الإسلامي العجيب تيارا عريضا من دهاة الغرب ومفكريه إلى اعتقاد أن مواجهة الإسلام بالقوة العسكرية الضاربة أمر محكوم عليه بالفشل ، و أن السبيل الأقوم لمحاربة الإسلام يتمثل في بذل مزيد من الجهد الثقافي والفكري –المدعوم بالقوة والاسترهاب - لإحداث تحولات فكرية جوهرية في كيان الأمة تؤدي في نهاية المطاف إلى الانسلاخ عن الدين و القبول بثقافة الغازي و التقرير الذي نشره معهد راند الأمريكي -وهو مؤسسة بحثية تساعد الإدارة الأمريكية على اتخاذ القرارات- كان واضحاً في دعوته للإدارة الأمريكية بضرورة السعي لدعم تيار الإسلام المعتدل لتفويت الفرصة علي أصحاب المشروع الإسلامي الذي يطرح نفسه بديلاً. ولا شك أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية، وليس دين التطرف والعنف، لكن اعتدال الإسلام الذي تريده أمريكا ليس هو الاعتدال الذي يفهمه المسلمون عموما لكنه اعتدال من نوع خاص!! وما خلص إليه تقرير معهد راند قبل عامين تقريبا هو عين ما ردده الكاتب الامريكى المقرب من دوائر صنع القرار في إدارة بوش دانييل بايبس الذي أعلن قائلا في مؤتمر حاشد نظمه عمدة مدينة لندن شهر يناير المنصرم وكان موضوعه ( حضارة عالمية أم صراع الحضارات ) (أن جهودنا يجب أن تنصب على تشجيع الإسلام المعتدل الإسلام الديمقراطي الليبرالي الذي يتعامل باحترام مع النساء والمثليين جنسيا! والملحدين وغيرهم) وأعلن أن التيارات الإسلامية التي لا تعتمد هذا المنهج الاعتدالي ! ستواجه بشراسة ، ولن يسمح لها بالوصول إلى مقاليد السلطة سواء جاءت إليها بطريق ديمقراطي أو غير ديمقراطي !. هذا الكلام الصريح الذي خلا من مجاملات السياسيين يدلنا علي أن من خطط الإدارة الأمريكية لمحاصرة الإسلام تكوين جيوب لها في الساحة الإسلامية تسبح بحمد أمريكا وترضى أن تستجيب لكل ما يطلب منها ، بل إنها قد تتجاوز هذه الحالة إلى ما هو أسوأ منها ، فهذه الجيوب المصطنعة مهيأة إلى أن تقدم خدماتها قبل أن يطلب إليها ذلك ، وأن تثبت اعتدالها المزعوم بالهجوم علي الإسلام ذاته فضلا عن مشايخه ودعاته. وأنا هنا لا أسوق الكلام على عواهنه بل أوقفك أيها القارئ على مقولات لثلاثة أشخاص وصفها الكاتب الأمريكي دانييل بايبس بأنها رموز الإسلام المعتدل الجدير بالحظوة والتبجيل وهم (وفاء سلطان ) و(مجدي علام ) و(سليم منصور ). وهؤلاء الثلاثة تجمع بينهم روابط وثيقة وهي : فوفاء سلطان رمز الإسلام الأمريكي المعتدل تتساءل في وقاحة يحسدها عليها الأمريكان فتقول( لماذا تصر أمريكا والغرب علي تجاهل الحقيقة الدامغة بان التعاليم الإسلامية هي المحرضة الوحيدة لكل عمل إرهابي يقوم به المسلمون ؟ ) وأما مجدي علام الصحفي المقيم بإيطاليا فهو أسوا الثلاثة موقفا في ظني فقد اختار أن يجند قلمه لخدمة إسرائيل واسترضاء الغرب وتحريضه علي إسكات أي صوت للحوار مع المسلمين ففي مقال له منشور يقول ( الغرب فشل بشكل متواصل في إدراك وضعه لأنه لا يفهم أنه يرزح تحت هجوم ويحاول إجراء حوار مع المسلمين الذين يهاجمونه) و يكفي مجدي خزيا أنّه بادر إلى انتقاد الدول الأوربية التي نددت بالرسوم المسيئة للنبي الكريم صلى الله عليه و سلم لأنها ترى في ذلك الصنيع خروجا على التقاليد الداعية إلى احترام الشعائر الدينية ، وأما مجدي علام الذي يزعم الإسلام فيراها حرية تعبير ،وعلى الجاليات المسلمة التي تعيش في الغرب أن ترضى بكل ما فيه أو تغادر إلى حيث تريد ، ولعلك لا تعجب إذا علمت أن حاصل هذه المواقف والمقالات التي سطرها هذا الصحفي كانت جائزة مالية قدرها مليون دولار قبضها مجدي علام بالمناصفة مع اثنين آخرين في تل أبيب بحضور كبار المسئولين اليهود! وعلى طريق صاحبيه مضى سليم منصور المحاضر في جامعة اونتاريو بكندا الذي ملأ الدنيا ولم يفتر هجوماً على حركة حماس ودعا إلى إعلان الحرب عليها ، بينما يبدي في كل مرة مشاعر المحبة والولاء والحرص على إسرائيل ، ويدافع عن حقها في الوجود ضد أي تهديد. ولم يكتفي سليم منصور بما آلت إليه أوضاع المسلمين من ضعف فدعانا بلا استحياء إلى أن ننتزع من نفوس أطفالنا الشعور بالكرامة ! فكتب في مقال له بعنوان - نحن المسلمين علينا واجب - يقول]لقد غرسنا في قلوب أطفالنا كرامة زائفة وأعطيناهم شعورا بتاريخ يتهاوى أمام النقد و التمحيص( ! إن أصحاب الإسلام المعتدل الذين تبشر بهم أمريكا أناس يريدون لنا أن نعيش بلا تاريخ ولاحاضر و لا مستقبل ، يردون لنا أن نعلن الهزيمة وأن نستسلم لإملاءات الغرب وما يريده منا ، ولكن هل يتوقع هؤلاء النكرات أن أمّة بحجم أمة الإسلام دينا وثقافة وتاريخا ورجالا يمكن أن تفعل ذلك ؟ ولكن ما يجهله كثير من هؤلاء أن قوة الإسلام الحقيقية في صحة مبادئة االقائمة على الحق والمدعومة بالبراهين والأدلة العقلية، وأن خطابه موجه للعقلاء وأصحاب الفكر. ولهذا فإن الإسلام لن ينهزم في معركة فكرية مع الغرب. لقد رصدت مراكز الأبحاث التي اهتمت باتجاهات التدين في الغرب (مثلا دراسة مركز Policy Exchange) أنّ الشباب المسلم يزداد إقبالا على الإسلام بقوة أكثر من التي توجد عند آباءهم،وأن الشباب المسلم في الغرب بدأ يحس بانتمائه وهويته بصورة واضحة جدا بعد 11 سبتمبر، وهذه الإحصاءات مع شواهد أخرى هي دليلنا على أن مستقبل هذا الإسلام الأمريكي المعتدل هو الفناء والسقوط مهما صنعت الولاياتالمتحدة من عمالات وبذلت من جهود.