أثار كتاب (فلسطين سلام "لا" تفرقة عنصرية) للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر جدلاً كبيراً من خلال جلسة النقاش التي عقدت له بهيئة الأعمال الفكرية مساء الأثنين الموافق 26/3/2007م والتي تحدث فيها عدد من المهتمين والباحثين والأكاديميين. مدير الجلسة الأستاذ ضياء الدين بلال - الكاتب والمحلل السياسي المعروف - وصف الكتاب بأنه جدير بالاحتفاء والانتباه، لأنه يتعلق بقضية مركزية ذات أبعاد حضارية وسياسية ودينية، وترتبط بالعالم الإسلامي، ثم تمتد للعالم أجمع بما تترتب عليه من أحداث سياسية ونزاعات تصطرع فيها الحضارات وتتعارض فيه الرؤى والأفكار. ابتدر النقاش الدكتور محمد وقيع الله الأستاذ الأسبق بالجامعات الأمريكية، وقال إن هذا الكتاب يريد أن يرسل رسالة معينة للقارئ، ولجهات معينة قصدها المؤلف، الذي وصفه بأنه رجل عرف بمساعي الصلح، ويريد أن يكتب وصيته الأخيرة، على أن مساعي الصلح التي ابتدرها بين العرب واليهود اصطدمت بجدار الرفض والتعنت الإسرائيلي، مشيراً إلى أن للكتاب هدف أيديولوجي وسياسي محدد. وقال د. وقيع الله إن كارتر يتهم السياسة الخارجية الأمريكية بموالاة النظام الإسرائيلي من خلال هذا الكتاب الذي يدين فيه إسرائيل وانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان، مشيراً إلى استخدام أمريكا لحق النقض (الفيتو) حوالي 40 مرة ضد أي مشروع يدين إسرائيل، التي تحظى برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأضاف الدكتور وقيع الله أن لكارتر رسالة أخلاقية بالنبل وقال إن النبل الذي يقصده هو النبل السياسي. الدكتور محمد عثمان أبو ساق أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الخرطوم، ومبتدر النقاش الثاني.. قال إن موضوع العنصرية طاغ وظاهر في السياسة الإسرائيلية، لكن كارتر لا يعترف بالحق التاريخي للفلسطينيين كأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية من قبل.. وأضاف أن كارتر ينظر إلى فلسطين وكأنها مصدر إزعاج لجيرانها، وأوضح تعاطف كارتر مع اليهود وتبريره للصهيونية، متناولاً معاهدة كامب ديفيد، وزيارة السادات للقدس والكنسيت الإسرائيلي، والتي كرست الحلول الثنائية في العالم العربي، مشيراً إلى أن ذلك هو ما تريده إسرائيل. وقال د. أبو ساق إن الحلول التي تقوم بها الأممالمتحدة هي حلول توفيقية، واصفاً المشكلة الفلسطينية بأنها مشكلة تحرر وذاتية وتحتاج إلى النضال الشعبي أكثر من الحكومات، مشيراً إلى الجرأة والشجاعة التي تناول بها كارتر هذه القضية. المناقشون اتفقوا على أهمية الكتاب وموضوعه، وقال الدكتور الساعوري أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين إن الكتاب يعكس اتجاهاً جديداً يقوم به الأمريكيون، وأضاف إن هذا المجهود لو بذلنا نحن أضعافه لا نجد من يستمع إلينا، مشيراً إلى أن هذا الكتاب منبوذ من قبل اليهود في إسرائيل ويهود العالم أجمع، لأنه يتطرق إلى سيطرة إسرائيل على الإعلام والسياسة في أمريكا، ويتعرض لانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين. الدكتور ربيع عبد العاطي انتقد وصف الدكتور وقيع الله لكارتر بالنبل، مشيراً إلى الدوافع التي تقف من وراء السطور، وقال إنه يمكن أن يكون كلمة حق أريد بها باطل.. واستدرك على أن الكتاب لا يخلو من حقائق وهي فضيلة من الفضائل. الأستاذة رشا عوض تساءلت عن جدوى الكتاب ومروره على القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن القضية لا يمكن أن تحل إلا بعد مغادرة الدول العربية والإسلامية لحالة القابلية للاستضعاف والاضطهاد التي تعيشها.. وقالت إن فشل أوسلو يعود للإملاءات المذلة من قبل إسرائيل، وعدم وجود السند السياسي والقوة. وأضافت أن انخراط حماس في أوسلو أفقدها خطها الأساسي في المقاومة. الدكتور حسن الحاج علي أشار إلى ضرورة قراءة هذا الكتاب في بيئته الأصلية التي كتب فيها.. مشيراً إلى التحول الكبير في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت ترفض من قبل مجرد الحديث عن فلسطين. الدكتور الصادق البخيت قال إن الظاهرة ليست جديدة بالنسبة لكارتر الذي قدم موضوع الأخلاق في السياسة الأمريكية منذ العام 1974م، مشيراً إلى أن سقوط كارتر ليس هو حادثة السفارة الإيرانية، وإنما ضغط الرأسمالية الأمريكية في الخارج بمبدأ الأخلاق، وأضاف إن كارتر كثيراً ما أغضب الإسرائيليين والسياسيين الأمريكيين بانتقاداته لليهود ولأمريكا، مشيراً إلى أن كارتر مشهود له بمثل هذه المحاولات . في نهاية الجلسة دافع الدكتور محمد وقيع الله عن وصفه لكارتر بالنبل وقال (أنا أتحدث عن الورع الخيِّر (حب الخير للآخرين) والقرآن يعلمنا ذلك (منهم أمة مقتصدة) (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)، وأضاف إن الغرب في حملته على العالم الإسلامي أتى بكتب (تاريخية) تصف اليهود بالخنازير والأنجاس، وقال إن هذا سخف يدفع إليه الانفعال وعدم ملامسة الحقائق. وأشار إلى أن كارتر إنسان نقي في سيرته وحياته، وكثيراً ما انتقد قضايا اليهود والعالم العربي والإسلامي، واضعاً نفسه في هذ الحرج، لأن دافعه في ذلك النبل الإنساني الخيِّر، وقال يجب علينا أن نقدر هذه البادرة. المصدر: هيئة الأعمال الفكرية بالخرطوم