بقلم أ.د عبد الجليل النزير الكاروري وليس بدعاً أن يصدِّق الله سبحانه بوقائع الحياة كلماته، فإن هذا القرآن فيه نبأ ما بعدكم وفي نصه الوعد بهذه النصرة العلمية المرتقبة ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ). والذي نستعرض اليوم هو آيات من آيات الله في الأنفس، وليس علم النفس ولكن بالاجتماع الإنساني وبالحراك السياسي. ولا عجب فقد كان مستقبل الصراع الدولي والسياسي من القضايا القرآنية التي تراهن عليها الناس ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿2﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ ﴾[ الروم : 2-3 ] لماذا الاستقراء؟ قد يسأل الناس لماذا هذا الاستقراء للتاريخ وما هو المردود السياسي لهذه القراءة ؟ الإجابة فيما افتتحت به هذه السورة المسماة (بني إسرائيل) وهو قوله تعالي (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) مباشرة بعد آيات ظهور وأفول إسرائيل ، فلو أن الأمة في برامجها السياسية ومنطلقاتها الفكرية وهي تواجه العدو اغترفت من القرآن لوفرت القرن الماضي كله ، فكثير من الحركات السياسية قد واجهت إسرائيل من عروبيه وبعثيه ويسارية فما أفلحت بل انتقلت بها من الالقاء في البحر إلى الأخذ بالحضن ! ، فإسرائيل تقوم على أصول فكرية ونبوءات لا يقوم لها إلاّ مكافئ، فلو تذكرون مع كل معركة ساخنة فإنهم يطلقون كثيراً من الغيبيات والإشاعات ، فهم يخطفون من التراث خطفة ويوظفونها لنصرتهم بإكثار المرق. المنطلقات السياسية للمقاومة عندنا بالمقابل منطلقات جغرافية ومحلية، فلنجتهد حتى لا تنفصل عن ما بين أيدينا من تراث فتفقد بَوصَلة الهداية. نعم ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴿9﴾﴾ [الإسراء : 9] . الظهور والافول : من مفردات هذه المادة : الظهور والأفول - أعني ظهور إسرائيل وافولها - يقولون : انكم تقولون بقدرية ظهور إسرائيل وأنه إعجاز لكتابكم ! نعم نحن نرمن بالقدر الذي نشاهد الآن بل ونعايش ! فالدولة وكل دولة ظهورها رهين بقدر وبظرف سياسي ، وإسرائيل كذلك تأتي ولا تنتهي بقيامة كما يزعمون، فهي مشروطة بسنن القرى في القرآن. فالقرية في القرآن حاضرة لها نهاية مرتبطة بسلوكها ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴿59﴾﴾ [الكهف : 59] . فقط علينا أن نحسب هذ الموعد . إسرائيل : عنوان أصلي ديني وعبري : إسرائيل تعني - عبد الله ، الأرض : هي بيت المقدس وهي أهم مفردة عند إسرائيل المعاصرة . العلو : العلو لا يكون إلاّ بالحكم وقد حدث من إسرائيل مرتين : الأولى : مملكة داؤود وانهارت قبل المسيح بخمسمائة سنة على يد العراقيين (يخت نصر) . الثانية : الحالية وهي المقصودة بالآخرة﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ ﴾ [الإسراء : 104] . وقد جاءت الآخرة في آخر السورة وفي ذلك إعجاز ، الدولة الأولى في أول السورة والآخرة في آخرها وفيها (جئنا بكم لفيفا) ويعني جمع الشتاب وهو ما لم يحدث في الأولى . فإسرائيل الثانية ظهرت منصف القرن العشرين وبعد الفي سنة من الاولى فلم تكن لها دولة في الشتات لا في المدينة النبوية ولا في الأوربية . الفساد : البعض يسأل : {shadowboxwtw}هل أنتم ضد الملة اليهودية ؟ الإجابة لا فقد عاشوا في كنف دولتنا الأولى لكنهم اجلوا عنها لإفسادهم ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ [الحشر : 3] . فنحن الآن ضد إفسادهم ضد برنامجهم الافسادي الذي أعلنوه في برتوكولاتهم وفق نبوءة كتبهم والموثقة في كتابنا فهي من إعجازه ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ [الإسراء : 4].{/shadowboxwtw} عناصر الفساد اثنان الحرث والنسل ، وإسرائيل الآن تهلك الحرث والنسل ، والأرقام تقول : 4.5 مليون فلسطيني مشردون ، حجز 400 عالم في منطقة التفاح من بينهم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ، إفقار 50% من أهل فلسطين ، بل 97% تحت خط الفقر ، قلع نصف مليون شجرة زيتون مثمرة ، وشجرة الزيتون شجرة معمرة - تحطيم كل ورش الحدادة لأن الإسرائيلين يقولون أن صواريخ القسام تصنع في ورش الحدادة - نجد الإسرائيليين يقلعون الأشجار من الجذور ليقوموا بزراعتها في إسرائيل الثانية أرض الغرغد . الجدار : في القرن العشرين لا أحد يفكر في البناء العالي للتأمين، المدن تحصن بمنظومة الصواريخ ولكنه الرعب الذي في الدواخل يدفع إلى البناء العالي يقال أنه من أسباب غلاء الأسمنت في المنطقة بناء الجدار للتأمين ، الجدار مكون من جدر : جدار حديدي، وجدار كهربائي، وجدار أسلاك، وخندق، وطريق لتأمين كل ذلك، فهي خمس جدر ، أبعاد الجار 622 كيلو طولا الارتفاع 8 أمتار ! {shadowboxwtw}هي وحدها إسرائيل التي تبني الجدار، وتبقى على الجانبين ، فصلا بين المستوطنات والمواطنين، وكلهم شعبها الذي تحكم ! وهذا التعبير لصحفي أمريكي .{/shadowboxwtw} حبل من الناس : وراء هذا الحبل الرغبة الأوربية في التخلّص والتكفير عن "الهولكست" تلك المحرقة النازية . يقال أن وعد بلفور 1917م نابع أيضا عن رغبة من أوربا في التخلص من اليهود لأنهم لا يندمجون في الوطن الذي يسكنون فيه، وهو أول وعد سياسي لهم ومن أول مؤسساتهم الوكالة اليهودية في بريطانية التي أشرفت على إدارة الهجرة، ثم انتقل المركز إلى أمريكا بعد أن انتقل إليها مركز القوة . النفير : النفير شئ غير السكان إنه قوة الاحتياطي فإسرائيل تستطيع أن تحشد ثلاث مليون مقاتل عند الحرب والنفير تمثل في الجسر الجوي في حرب السويس - حرب الأيام الستة وحرب رمضان حيث خرقوا لها ثغرة الدفرسوار (ومفاوضات الكيلو 101) . فهذه هي مفردات الصراع في ظهور إسرائيل الثانية كما فصلها النص المعجز ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴿104﴾﴾ [الإسراء : 104] . هذه المفردات التي تعمل الآن هي التأويل للوصف النبوي للنص الرباني بأنه يحمل علم المستقبل (فيه نبأ ما بعدكم) وانه بذلك يشكل حجة مستمره (لا تنقضي عجائبه) ومدرسة مستدامة (لا تشبع منه العلماء) . ومفردات الافول (عبادا لنا أولى بأس شديد) : العباد في القرآن لا يكونون إلا صالحين ، نجد أن الرايات التي تمثل العروبية والناصرية كلها سقطت في مقابل إسرائيل ، فعلى السياسيين أن يختصروا الطريق ويرسموا خارطته من القرآن الذي فيه لا تنتهي القضية بالصلح الآحادي أو الصلح الشامل فالمعركة النهائية تتبير لا تطبيع . عبادا لنا : هم الآن استشهاديو الأقصى ، حزب الله ، مجاهدوا العراق ، مجاهدوا العالم الإسلامي فالمجاهدون يأتون لنصرة فلسطين من كل حدب وصوب . وهذا هو مدلول البعثة والتي عبر عنها أهل فلسطين بالانتفاضة فحماس هي طلائع أولى البأس . التتبير : التتبير في مقابل التطبيع وهو التخريب - وجاسوا يعني الاقتحام والاجتياح ، حرب برية وحرب الشوارع فمستقبل إسرائيل لن يحسم صلحاً ولن ينجح التطبيع بل التتبير . المسيح : عندهم مبشر بالأرض لا بالسلام ولا ينزل إلاّ بعد استكمال الدين اليهودي ، فالغرب مستقطب لصالح إسرائيل عقديا بالصهيو مسيحية ، البيت الأبيض يتعبد بذلك كما ظهر في تصريحاتهم - حرب صليبية المسجد : مرحلة الهيكل الأولى بدأت من بناء الهيكل في عهد سيدنا سليمان 960 ق . م انتهت بسقوط الدولة الجنوبية عام 586 ق . م . وفي النبوءة يخرب بيت المقدس لإقامة الهيكل وليدخله المسلمون من جديد بعد التتبير (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره) . الجلاء : الإبعاد وهو متكرر وفي ذلك إشارة إلى عدم اندماجهم في المجتمعات ، في الإجلاء إيقاء على جنس اليهود ، فهم إلى بقاء. وهذا من الإعجاز فكأنما الجلاء كتاب قدر، حيث يتكرر الجلاء والشتات - الديسابورا - كما كتب على الغجر الشتات فكلاهما غير مندمج (ان لك في الحياة أن تقول لا مساس وان لك موعدا) ويعتبر الخروج من جنوب لبنان وغرب فلسطين - غزه - تكرار لقدر الجلاء . {shadowboxwtw}نزداد يقينا بالمفردات وانها ترسم خارطة الطريق للقدس ، وهذه الأمة قد دخلت المسجد مع عمر ابن الخطاب ودخلته مع صلاح الدين ، أما الآن فتمنع من دخول المسجد فالناس ينتظرون الدخول حيث يكون الأفول لدولة إسرائيل{/shadowboxwtw} يمكن أن نجعل من سبعين سنة والتي سقطت فيها الدولة الأولى مقياساً للأفول فهي كافية لبلوغ سنة الفساد التي ، تؤدي إلى انهيار الدولة من الداخل بتناقضاتها - كما تفكك الإتحاد السوفيتي بعد السبعين بتناقضاته - أظن يمكن أن نصل إلى قياس يعطينا محطة النهاية فمملكة بهذا الفساد والتناقضات لن تعيش طويلاً ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴿59﴾﴾ [الكهف : 59] . تعليق د. محمد النحال( مركز الراصد للدراسات) : أشكر الشيخ عبد الجليل النذير الكاروري على هذه الوقفات وهذا التنوير الطيب الذي قدمه لنا وبقي لي ما أود أن أعقب عليه هو نبع من علم لأستاذنا الفاضل الذي ما زلنا من معينه نأخذ وإنما أردت بعض الوقفات ، أن نشير إلى موضوع الإعجاز السياسي هو نشوء دولة بني إسرائيل ثانية في فلسطين فما هي الدولة الأولى ليتبين لنا ما المقصود عندما نتحدث عن الدولة الثانية فيوشع بن نون عندما دخل فلسطين لم يقم دولة وإنما دخل إسرائيل وأصبح مجتمعاً ، فلسطين لم تقم دولة إلا في عهد داؤود عليه السلام واستمرت هذه الدولة في عهد سيدنا سليمان وبعد وفاة سليمان عليه السلام تبقى النزاع والفرقة في بني إسرائيل فانقسمت بسبب التمرد إحداهما هي مملكة إسرائيل هذه المملكة انتهت عام 722 قبل الميلاد أما القسم الثاني من الدولة والذي تولاه يهوه سبط يهودا والتي كانت عاصمتها القدس والدولة الثانية دمرت وأريد أن أشير ونحن نتحدث عن الإعجاز السياسي في القرآن الكريم في اعتقادي أن هناك خمس مظاهر لهذا الإعجاز الأول هو دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى خصوصاً أن سورة الإسراء هي سورة مكية أما المظهر الثاني هو إقامة دولة بني إسرائيل في الأرض المقدسة وهذه هي الدولة الثانية ، أما المظهر الثالث هو دمار الدولة على يد المسلمين ، المظهر الرابع أن دمار الدولة الثانية لا يعني دمار بني إسرائيل ، المظهر الخامس سرعة مجيء وعد الآخرة . تعليق أبو محمد( ممثل حركة حماس بالسودان) مدير مركز الأقصى للإعلام أود أن أصحح معلومة تزعم أن المسجد لم يكن موجوداً ابان البعثة المحمدية فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المساجد بني في أولاً ؟ قال : المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى ، قال بينهم أربعون سنة فالمسجد الأقصى موجود قبل نوح وإبراهيم وأصول المسجد الأقصى موجودة بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى به إلى المسجد الأقصى وصلى بالأنبياء والرسل . تعليق أ.د. سليمان عثمان اتفق مع الشيخ عبد الجليل أن النبوءة في الظهور والأفول ، كلما علا الإسرائيليون أفلوا . النقطة الثانية ما هو عنصر العلو في سيطرة اسرائيل ؟ العنصر الأساس الذي تعتمد عليه اسرائيل هو القوة البشرية من ناحية تجميع الشتات وعقول اليهود كلها اجتمعت لمصلحة إسرائيل . جعلوا من تعاليمهم التي أضيفت أن الله يفضل أن يعيش مع أبنائه يعني أن يؤكدوا حشد القوى البشرية ، فالهجرة إلى إسرائيل عقيدة دينية حتى لو لم يتقيدوا بتعاليم التوراة ، أكدوا أن جمع اليهود في إسرائيل هو مقدمة لعودة المسيح . القضية الأساسية لبني إسرائيل من تجميع الشتات البشري تجميع الإمكانيات فعنصر بقاء إسرائيل يقوم على الهجرة والتوطين ، وتهجير العرب من فلسطين . فإذا أردنا أن نقضي على عنصر القوة لإسرائيل علينا :أن نقاوم سياسة الهجرة إلى فلسطين وعدم الاعتراف بالكيان الإسرائيلي . النقطة الثانية : اتفق مع الشيخ عبد الجليل في ملحظه عن ( حبل من الناس ) يعني سيطرة اسرائيل على الاقتصاد ، المال ، الإعلام ، السلطة السياسية والقوة العسكرية الدولية . إذا أردنا أن نحول العدو الصهيوني إلى أفول يجب أن تقطع حبل المدد من الناس أو إضعاف مراكز الصهيونية - التطور العلمي - تنمية اقتصادية في العالم الإسلامي - نحن حاربنا إسرائيل باسم الحزبية ( قومية - بعثية ) وفشلنا فالمعركة ليست قومية ولا بعث عربي ، حاربنا إسرائيل بالشعارات الوطنية ولكن الشعار الوطني عزلنا عن السنة الحقيقية - عندما ندخل المسجد الأقصى ستتحول المعركة إلى معركة دينية ستبقى المعركة في وضعها الطبيعي ، إذا دخلوا المسجد الأقصى لا يستقرون أبداً وإذا دخلوا سيخرجون مكرهين لذلك نحن علينا مسؤوليات أن نمنع عنصر البشرعن إسرائيل . تعقيب ختامي : الإعجاز السياسي هو الذي يمكن السياسي من وضع خارطة الطريق - أتفق المعقبون واختلفوا على مصطلحات العباد ومن هم الذين سيتم الفتح على أيديهم ؟ لماذا لا نجعل عباداً لنا بالقوة هم المولودون ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم خرجوا من أصلاب الأشوريين - مركزهم بغداد - الأرجح أن نفسر عباداً بالمؤمنون وأولى البأس بالمجاهدين . الإسلام هو الثقافة والثقافة لا تحدها الأعراق (انه من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يجاهدون في سبيل الله) . إن العالم الصهيوني ينتظر الألفية السعيدة مع إسرائيل وهذا يذكرنا بآمال اليهود الطويلة كما بينها القرآن فاضحا نفسياتهم (يود أحدهم لو يعمر الف سنة) إنهم يطلبون الخلود في دار الفناء فجعلوا من القيامة حسابات دنيوية وسياسية ولا عجب فالله في إسرائيل هو رب إسرائيل وليس رب العالمين . ونسأل أن أهدانا الصراط المستقيم (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) آمين .