تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما يُصبح الله مُتهماً!
نشر في السودان اليوم يوم 26 - 06 - 2011


فتحي الضَّو
[email protected]
أبدى كثير من الأصدقاء والقراء وبعض الكُتاب استياءهم وامتعاضهم الشديد من لغة البلطجية التي تحدث بها المشير عمر حسن البشير (رئيس جمهورية السودان الديمقراطية) الأسبوع الماضي بمحلية هيا، وذلك في مُستهل زيارته لولاية البحر الأحمر، حيث وجّه حديثه لأعداء الله والوطن بحسب زعمه. وقال لهم مُهدداً إن (قوات الشعب المسلحة جاهزة، وأي زول يمد أصبعه بنقطعو ليه) وأضاف مُتوعداً أي (زول يتطاول بنساويهو بالأرض) وزاد مُنذراً (أي زول يعاين للبلد بنقد عينو) وعلى هذا المنوال جاء الحديث الذي اقشعرت له أبدان السامعين، في الوقت الذي بات عصياً على الناس أن يمر أسبوع أو أقله، دون أن تطرق آذانهم كلمة طائشة من ذلك القاموس الغني بالدرر الثمينة!
من المفارقات الغريبة لكأنما الله سبحانه وتعالى أراد أن يبريء عقيدته السمحاء ممن افترى عليه كذباً. إذ بينما كنت أقرأ في موضوع لا يخص العُصبة ذوي البأس في كبير شيء، كان الرئيس الضرورة يتلو في موشحاته تلك عبر القناة الفضائية (القومية) وكنت أرمقه بنظرة عابرة بين الفينة والأخرى، وعندئذٍ وقعت عيناي تلقائياً على الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن الرسول الكريم وقال فيه: (ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء) وزد على ذلك فقد كنت أعلم سلفاً من قراءاتي المتواضعة، أنه صلى الله عليه وسلم هو القائل: (إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ووصفه ربّنا تبارك وتعالى في قرآنه بقوله (وإنّك لعلى خُلقٍ عظيم) وعندئذٍ قلت لنفسي: ما أكثر الآيات والأحاديث النبوية التي تحض عباد الله المسلمين على مكارم الأخلاق، ولكن على من تعزف مزاميرك يا داود!؟
ونعلم أيضاً – يا هداك الله – في الشأن نفسه، أن الله الذي خلق الإنسان بشراً سوياً سيُحاسِب (كل نفس بما كسبت رهينة) ولو أنه شاء أن يُعاقب عباده بجرائر حُكامهم وموبقاتهم (لهُدمت صوامعُ وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً) لكنه والرحيم إحدى صفاته، أكرم من أن يؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، بدليل قوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) ورحمة الله أوسع من السماوات السبع والأرضين. ومن فضله على العالمين إنه بشّرهم بالفردوس نُزلاً، واستثنى الكاذبين والمنافقين والمؤتفكة أهوى. بيد أنه بقدر ما اطمأن قلبي في عدالة الخالق، توجست نفسي خيفة من معايير المخلوق. فقد خشيت أن يسيء الظن قوم أحسنوا الظن بِنا من قبل، وهم ممن يظنون أن الناس على دين ملوكهم. فوسوست لي نفسي وقالت: لو أن حظنا العاثر قاد أولئك القوم لسماع حادينا وهادينا في إحدى لقاءاته الراقصة، لما توانوا لحظة في نزع ما ظللنا نتباهى به بين الأمم والشعوب!
بيد أنني مع كل هذا لم أشاطر المكلومين جزعهم وفزعهم في المصيبة التي أمطرت سِجِّيلاً على رؤوسنا. ليس لأنني أعرف سنناً وفرائض وقر بها الإيمان في قلبي كما ذكرت، وليس لأن (أسد البرامكة) ظلّ يُشنِّف آذاننا بهذه اللغة طوال عقدين من الزمن دون كلل أو ملل. ولا لنقصٍ في مشاعري وأحاسيسي الوطنية حتى أثأر لهما. ولكن ببساطة لقناعتي أن كل لسان بما فيه ينضح. وتبعاً لذلك طالما أن القاعدة الأزلية تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، هل يمكن لثمرة الحنظل أن تطرح عنباً شهياً؟ وقياساً عليه ما الذي يمكن أن يرجوه المرء من المشير وتابعه نافع علي نافع، ومن لف لفهما من أصحاب الأيادي المتوضئة والأفواه المتمضمضة!
بما إن المحنة بالمحنة تُذكر. فثمة ما شغل بالي، وأرق مضجعي، وسهّد مرقدي، وبدّد حتى النوم من عينيّ. ففي لقاء للمذكور مع أعضاء مجلس شورى المؤتمر الوطني مطلع هذا الشهر (وما أكثر اللقاءات حين تعدهم ولكنها في النائبات قليل) قدمه رئيسه أبو علي مجذوب أبو علي وقال إنه (المجاهد الأكبر) فاعتلى المنصة منتشياً ومزهواً. ولأنها صفة ساقها الله له فلا غرو أن بدأ حديثه بشيراً ونذيراً وسعيراً.. ابتدره بالشعارات الطقسية التي ما رفعت راية ولا خفضتها. ثمَّ بعد لوازم التهليل والتكبير، قال في معرض حديثه عن انفصال الجنوب وقيام دولة جديدة في يوليو القادم (تلك مرحلة جديدة في تاريخ السودان والمؤتمر الوطني، تتطلب منّا رؤية واضحة، نجدد فيها النيّة والإخلاص لله سبحانه وتعالى، والذي كان في معيتنا طوال السنين الماضية منذ قيام الإنقاذ وحتى إن شاء الله 9 يوليو القادم)! والحق أقول ما إن طرقت أذني العبارة الأخيرة المضللة هذه، حتى بت لا أسمع ولا أعي شيئاً سوى أضغاث أحلام وأوهام!
هذا خطاب دسّ السم في الدسم. ففي ظل أُميّة تنهش في المجتمع كما تنهش الضباع فرائسها. وفي كنف قوم جُبلوا على دين الإسلام بالفطرة، وفي ضوء التخويف والترعيب والترهيب الذي برعت فيه العصبة ذوي البأس ورفعت راياته عالية خفاقة، فإن ذلك حديث خطورته تكمن في أنه يمكن أن ينطلي على الناس ويفسد عليهم دينهم وينكّد عليهم دنياهم. ولو إننا تأملناه بوعيٍ وعقل مفتوح، فسنجد حتماً أنه لن يخرج من ثلاثة احتمالات: إمّا أن الله سبحانه وتعالى ابتعث العصبة في مهمة رسالية لإخراج شعب السودان من الظلمات إلى النور، أو أن الله تنزّه وعلا كان شريكاً لهم في أخطائهم وخطاياهم، أو أنه بالحد الأدنى كان راضياً عمّا يفعلون! ولعمري كل تلك هرطقات.. لا تغني فقراً ولا تسمن ضرعاً!
ولو أن السامعين صدقوا مزاعهم تلك، فهذا يعني أنهم عندما نحروا ضباطاً وجنوداً في شهر رمضان الكريم وعشية عيد الفطر المبارك، كان ذلك تلبية لرؤية غشت خليفة المسلمين عمر بن حسن البشير في المنام. إذ رأى ما رآه سيدنا إبراهيم وهو يذبح ابنه إسماعيل. فاستيقظ وجمعهم صفاً صفاً وقال لهم يا رفاقي الأعزاء إني رأيت في المنام إني أذبحكم، فانظروا ماذا أنتم فاعلون؟ فقالوا له بصوت جهير لا لبس فيه ولا غموض، افعل ما تؤمر يا خليفتنا العادل ستجدنا إن شاء الله من الصابرين. وإن صدّقنا ما توهموا، فإن ذلك يعني أن جبريل عليه السلام، نزل عليهم من سماوات طباقاً، وقال لهم إن الله يأمركم ب (صيف العبور) فادخلوا بجيشكم أدغال جنوب السودان، وستجدون قوماً كافرين من النصارى وعبدة الطواغيت والكجور، قولوا لهم إن الله يأمركم بأن تدخلوا في دين الله أفواجاً أو تدفعوا الجزية وأنتم صاغرون!
لو أننا سلَّمنا جدلاً بترهاتهم، فذلك يعني أنه عندما سرى صوت السيدة سمية هاشم القاضي من (عمورية) وزارة التربية والتعليم، ونادت في مقالها المنشور بصحيفة الصحافة 7/5/2011 (وامعتصماه) فسمعها زوجها دكتور المعتصم عبد الرحيم وكيل الوزارة فلبى النداء بنهش 165 مليون جنيه حافزاً على امتحانات الشهادة. ذلك يحدث في بلد تقول إحصائيات مدارس العاصمة وحدها إن 140 ألف تلميذ لا يتناولون وجبة الإفطار بسبب الفقر والعوز وضيق ذات اليد. ولكن السيدة المحترمة قالت إن المعتصم من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، يأخذ الملايين باليمين، فيوزعها على أصحاب الحاجات بالشمال، ولدعاة التأصيل نقول إنه يا كرام هو (روبن هود) المستنسخ إسلاموياً!
كذلك فإن زعم العصبة باصطحاب الله يعني أنه عندما أزهق محمد طاهر أيلا أرواحاً بريئة في مذبحة بورتسودان. وحينما واصل أسامة عبد الله مهمته الجهادية التي بدأها في بيوت الأشباح، وقتل الأنفس التي حرّمها الله إلا بالحق في (أمري وكجبار) فينبغي ألا نسأل هؤلاء عن أشياء إن تبدي لنا تسؤنا، لا سيّما، وأن الأخير هذا حظي بما لم يحظ به أحد في دولة إسلامية أو علمانية، حدث هذا حينما أصدر خليفة المسلمين فرماناً قرأه الناس في الصحف السيارة، دون أن يثير فضول أحد، تمّ بموجبه تعيين أسامه عبد الله مسؤولاً عن إدارة السدود بدرجة وزير، على ألا يخضع لقانون الخدمة المدينة، ولا ديوان المراجع العام، ولا أي هيئة رقابية، وكاد المنشور أن يقول إن حسابه عند ربّ العالمين وحده لا شريك الله! أما إن قلت لي في مقابل ماذا يا هذا؟ سأصمت كمن في فمه ماء. لأن هذا مالا يستطيع أن يجرؤ أسامة نفسه على ذكره. ربّ قائل إن أسامة بن عبد الله قد تمثّل سيرة زيد بن حارثة والد سَمّيه أسامة بن زيد، ولزيد الوالد مأثرة تحفظها له الأضابير وبطون الكتب، حيث إنه آثر رسول الله (ص) على نفسه، فتزوج الرسول زينب بنت جحش لحكمة يعلمها، ذلك بعد أن قضى زيد منها وطراً. فهل فعل أسامه بن عبد الله شيئاً مماثلاً حتى ينال تلك الدرجة الرفيعة؟ والاجابة في بطن الفاعل والمفعول وبطانتهما!
إذا كان الله بمعيتهم طوال الفترة الماضية، فذلك يعني أن القائل وعصبته يتبرأون مما أثمت أيديهم لأنهم فعلوا ما فعلوا استجابة لأوامر الله، وطبقاً لذلك علينا ألا نحاسبهم. فعندما يعترف المشير بأن عدد القتلى في دارفور لا يتعدون العشرة آلاف، ويقول إنه لا يريد أسيراً ولا جريحاً. فلا ينبغي لمدعٍ أثيم أن يهدده بالوقوف أمام المحكمة الدولية في لاهاي. وإذا حدث وبنى آية الله أحمد علي الإمام بيتاً لنفسه من ريع بيت من بيوت الله أوتمن على بنائه، ينبغي علينا أن نُزيّن داره بحدائق غُلبا حتى يكون مزاجه معتدلاً لكي يعمل بهمة في إصدار الفتاوى التي تنغّص علينا حياتنا. وعندما يبرم وزير المالية عقداً لمدير سوق الأوراق المالية بالمليارات المقنطرة، علينا أن نتذكر أنه ينتمي لحزب خزائنه كعطايا السيدة العذراء، كلما دخل عليها زكريا وجد عندها رزقاً، قالت له: هو من عند الله! وعندما تفوح رائحة الفساد في (سوداتل) بعين رأت وأذن سمعت ولم يخطر على قلب بشر، فاعلم أن تلك نفحات الصحابي الجليل المهندس عماد الدين حسين، الذي كتب عنه ابن عصبته الطيب مصطفى في صحيفته المُطهّرة الانتباهة 29/5/2011 (أجدني في غاية الأسف أن أسطر هذه الكلمات التي أرجو أن تعذرني وتتقبلها بصدر رحب فقد حاولت أن أكون رفيقاً بك، فوالله لا أريد إلا الإصلاح وليست المسألة شخصية، فقد بكيت أكثر من مرة وأنا أستمع إلى خُطب الجمعة التي تقدمها من بعض المساجد وجلَّ من لا يخطيء) أما أنتم فابحثوا عن حائط بين من بكى وأبكى!
في دولة الخلافة الراشدة إن سألت لماذا ظلّ صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان في موقعه لعقد ونصف دون أن يتزحزح قيد أنملة؟ فلا تنتظر أن يقولوا لك إنه آدم أسميث زمانه، ولكنك ستعلم - شئت أم أبيت - أنه أحد رواد حلقة تلاوة الجمعة التي يؤمها خليفة المسلمين، وتلك مزية كافية بأن يجدد له العام تلو العام. وعندما عيل صبر الخمسة المُبشرين (بضم الميم) بالعذاب، لم يجد الخليفة العادل سوى الانصياع لرغبتهم. واحتسب صابر أيام تلاوته ليوم شرُّهُ مستطير، ثمّ خرج للبرية شاهراً سيف النقد، وبشرنا للمرة الأولى في الصحف باقتصاد سيدخل غرفة الإنعاش بعد يوم الفصل في يوليو القادم. تلك عبارة يا سيدي لو قالها وهو على سدة البنك المركزي، لقالت الرعية لله درك يا صابر فقد أعدت لنا سيرة خالد بن الوليد. لكنه قالها بعد أن طرح وجمع وضرب الثروة التي بحوزته وقال إنها لن تبيد أبداً!
فهؤلاء قوم إذا انتقدهم صابر هذا كافؤوه، وإذا انتقدهم فيصل محمد صالح أقاموا عليه الحد. فالسيد وزير المالية بجلالة منصبه عزَّ عليه (السوداني 20/6/2011) أن ينفي أو يثبت أربعة مليار جنيه، هي عبارة عن مكافأة نهاية خدمة صابر. ولا أدري إن كان يعلم أو لا يعلم أيضاً أن غرفة التجارة والصناعة أقامت حفل وداع للمذكور وأهدته شيكاً بمليار جنيه، وللذين لا يحسنون قراءة الأرقام المخيفة، نقول إن هذا المليار يساوي 330 ألف دولار بسعر اليوم. أي أن صابر غادر منصبه بنحو مليون ونصف دولار، جزاءاً وفاقاً لهذا الوطن الصابر أهله! علماً بأنه نفس الرجل الذي انهار في عهده الميمون بنك نيما وبنك الصفا، وهرب فيها العراقي عبد اللطيف حسن مهدي (صقر قريش) بملايين الدولارات، وفرّ فيها أيضاً الأردني الربضي بسبعة ملايين دولار واجبة السداد لبنك السودان وقضايا أخرى. وعلى ذات الدرب سار السعودي جمعة بن فهد الجمعة. كذلك هي الفترة التي شُيّد فيها برج بنك السودان بصفقة مريبة تحدثت عنها الصحف ولا حياة لمن تنادي. فضلاً عن استشراء ظاهرة الشيكات الطائرة والمرتدة والقروض القارضة، وما خُفي كان أعظم!
دعونا نختم بالرسالة التي قرأناها لأخينا في الله والقلم الأستاذ عادل الباز (الأحداث 2/6/2011) والتي وجهها للمشير عمر البشير يسأله إلحافاً أن يبدي رأيه في فساد (سوداتل) الذي زكمت رائحته الأنوف. ويهمنا من تلك الرسالة فقرة صغيرة جاءت كصك براءة، لو تمعنتها لحسبت أن الممدوح هو خامس الخلفاء الراشدين (قد يقولون عنك أي شيء وكل شيء، ولكنهم أبداً ما استطاعوا أن يشككوا في نظافة يدك ولا في براءة ذمتك ولا اقتربوا من أن يدمغوك بتهمة تسيء إليك، فكنت لا زلت في نظرنا ونظر الشعب رمزاً نظيفاً لم تشبه شائبة فساد، حاشاك) فهل هذا يعني أن عمر بريء من فساد أخيه وزوجه وصاحبه وبنيه. تلك شهادة يسأل عنها الباز يوم لا ظلّ إلا ظلّه، في مشهدٍ يُرى فيه الناس سكارى وما هم بسكارى. وليت عمر بن البشير الممنوح صك البراءة ينظر يمينه، ويسأل نفسه هل قال لأخيه عبد الله، ما قاله عمر بن الخطاب لابنه عبد الله في الإبل التي صادرها لصالح بيت المال. وهل أبلى العباس شقيقه في بدر أو أحد حتى يكون له الخُمس من غنائمهما. أما (دبي) التي ذكرها الباز عرضاً، فتلك نقرة أخرى، سيعلم المنقبون ولو بعد حين إنها (كعب أخيل) الصحابة والصحابيات، فصبراً آل عادل!
اللهم يا من تؤتي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء. نشهد أنك لو كنت تريدها دولة ثيوقراطية كهذه التي يعبث بها المدّعون، لكنت قد أوحيت لرسولك الكريم أن يختار وريثه ولا يترك الأمر جدلاً بين صحابته يوم السقيفة. فتعاليت ربنا ذو الجلال والإكرام وتنزهت عما يزعمون. ونسألك أن تعيننا على حفظ دينك في ظل دولة مدنية ديمقراطية، الحاكمية فيها للشعب وبالشعب ومن الشعب.. واستووا يرحمكم الله!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.