[email protected] جاءني والأسى يكسو وجهه سائلاً : هل بالفعل قدمت ما استحق العيش له ثمانية وثلاثين عاماً.. قالها وهو يعقد حاجبيه وحالة من الاستغراب تسيطر على أفكاره كما يدور ألف ألف سؤال في ذهنه، قد يكون أول هذه الأسئلة : كيف مرت كل تلك الأعوام وشريط من الذكريات يدور في ذهنه دمعة تسللت هرباً إلى خديه في استحياء غض الطرف عنها واستمر يحكي فرحاً : (لقد تلقيت تهاني كثيرة على الفيس بوك والهاتف والرسائل، لم يتوقف هاتفي اليوم أبداً تهنئني بعيد مولدي) صمت برهة ثم واصل التساؤل : (هل استحق كل هذا الحب فعلاً ؟؟ هذا هو الكنز الحقيقي حب الناس إليك في الله دون أغراض).. صمت بعدها سعد الدين صديقي الصدوق وزميلي ورفيق الأزمات، الإعلامي المتميز سعد الدين حسن ومضي يفكر بعيداً عنا ، ربما صادف يوم كتابتي للاستراحة الأسبوعية تاريخ ميلاد سعد الدين، لكني قررت الإجابة عليه في هذه السطور فالرجل يستحق ذكر الوجه الآخر للإنسان بداخله قبل النجم الذي يعرفه الناس سواء متابعي قناة النيل الأزرق أو قناة العربية التي يرأس تحرير مكتبها بالخرطوم الآن. وإجابتي عليه هي نعم يا سعد تستحق ذلك وأكثر، فقد قدمت الكثير لكل من حولك سواء لأسرتك أو لأصدقائك وزملائك حتى لمن لا تربطك بهم علاقة قريبة. ولأن الوفاء يجب أن يكون لأهل العطاء فمن واجبي الإنساني أن اعترف بأن سعد الدين إنسان مختلف بكل ما تحمل الكلمة من معنى قبل أن يكون إعلامياً متميزاً أو مذيعاً معروفاً وأنه من النبلاء الأقلاء الذين التقيت بهم في حياتي، وكل ما فيه سعد لم يأتِ من فراغ ولا بين يوم وليلة، بل هو نتاج جهد سنوات وتراكم خبرات، فكان هو الطالب الجامعي الذي جاء بأهله من الأبيض إلى الخرطوم قبل تخرجه وظل يعمل في الإذاعة ثم مذيعاً بتليفزيون السودان ومنه إلى قناة النيل الأزرق حيث كان من مؤسسيها وذاع صيته فيها حتى عمل مراسلاً لعدة قنوات إلى أن استقر به المطاف في قناة العربية منذ العام 2005 وحتى الآن بينما ظل محافظاً على طلته بقناته المحببة إليه النيل الأزرق. هذا هو سعد الدين الإعلامي الذي يعرفه الكثيرون ، لكن طوال هذه الفترة لا يدري الغالبية ماذا يفعل؟ وماذا يقدم؟ ، كان الرجل وما زال مسؤولاً عن أسرته وعن تعليم إخواته البنات حتى أصبحت ابتهال مصرفية في واحدٍ من أكبر بنوك الخرطوم ، كما صارت إسراء دكتورة صيدلانية تخرجت في جامعة الأحفاد، وحتى إيناس التي ما زالت بالجامعة تدرس الاقتصاد. ولم يقتصر عطاء سعد على مجتمعه الصغير فقط فلم أرى طوال معرفتي به لخمس سنوات أنه رد أحداً لجأ إليه، فكان دافعاً لعدد من الإعلاميين والإعلاميات الرجال منهم والنساء أبرزهم نسرين سوركتي وسلمى السيد من نجمات قناة الشروق ومحمود عبد الكريم الذي صار مذيعاً بقناة العربية في دبي كما فتح أبواب الاكتشاف لغيرهم مثل الشابة سارة حسبو وغيرها إضافة للكثيرين وقد لا تكفي هذه المساحة لذكرهم . أما عن شخصي الضعيف فأقر رغم إننا تعارفنا وحينها كنت صحافية بالصحف المصرية، وهو في التليفزيون إلا أنه قدم لي الكثير سواء في اللغة التي يتميز فيها بمفردة رفيعة إضافة لعدد من الاتصالات والعلاقات، ولأن الشهادة يجب أن تكون كاملة فعليّ أن أحكي بعضاً مما عايشته معه في العمل سواء في دارفور حيث كان ينام أرضاً بالقرب من النار في الخلاء مع جنود مناوي ليحرسنا أنا والزميلة بالرأي العام وقتها أميرة الحبر حرصاً منه على حمايتنا، أما في الجنوب فلا أنسى أبداً والمواقف توضح معادن الناس عندما انقلبت بنا السيارة في مدينة تركاكا وكانت تلك لحظات موت كل يفكر في نفسه وفي حياته لكن سعد الدين وقتها لم يفكر في الخروج من السيارة التي كنا نتوقع احتراقها في أية لحظة إلا بعد أن اطمأن على خروجي وبقية الزملاء أولاً، شاءت الأقدار أن التحق بقناة العربية ولم أجد سوى العون والدفع.. دمت يا صديقي نبعاً للعطاء والوفاء لكل من حولك ..وعلى أمل (أن تخارجني هذه الكلمات من هدية غالية).