بقلم/ أبكر يوسف آدم [email protected] لقد أصبنا بالصدمة حقاً ، ونحن نقرأ مقال الأستاذ كمال الجزولى ، الذى نشره بتاريخ 21 مارس 2013 تحت عنوان (المُعْضِلَةُ اللُغَويَّةُ فِي النِّزاعَاتِ السُّودانيَّة!) ومبعثها ، هو إنكشاف بعده التام ، ومحدودية إدراكه لتعقيدات قضايا الهامش ، مما يجعل له مكاناً فى إصطفاف صفوة المركز المصممة على عدم فهم هواجس الأقاليم السودانية ، رغم كثرة تكرارها وتداولها بواسطة سياسيي الهامش السودانى . مبعث الصدمة الثانية جراء مقال ذلك الكاتب ، هو إعتقاد أكثر جماهير الهامش ، ونحن منهم ، أن الحزب الشيوعى السودانى ، الذى إنتمى إليه الأستاذ كمال الجزولى يوماً ، وترشح لبرلمان الجمعية التأسيسية ، هو الأكثر تفهماً وحيادية فى السجالات الطاحنة ما بين المركز الهامش ، ذلكم أنه وفقاً لبرنامجه يعاضد الضعفاء ويسعى لترجيح كفتهم ، أو على الأقل تسجل مواقف تضامنية تجعل منها قبلة للمظلومين ، من هذا المنطلق يأتى الإنسجام التلقائى لعضوية وقواعد الحزب الشيوعى مع أهل الهامش ، بإعتبارهم حلفاء ثقاة ، لن يأت منهم شر إن لم يأت منهم الخير ، وهذه هى القاعدة التى أسست لمعاضدة مرشحى الحزب الشيوعى السودانى فى إنتخابات الجمعية التاسيسية 1986 وفوز عزالدين على عامر ، كما أن نسبة مقدرة من الأصوات التى نالها الأستاذ كمال الجزولى أتته من جماهير الهامش .. ومع ذلك .. وبعد 27 عاماً ،،، ما زال كمال الجزولى بعيد عن ملامسة هواجس ومؤرقات الهامش ..!! ورغم كتاباته الرفيعة والمفعمة بالحيوية ،،،، إلا أننا نقول له ، عذراً .. لقد أخفقت هذه المرة !! وفيما تناوله فى مقاله ، نراه مصطفاً على يسار الصادق المهدى الذى إعترف إنه لم يكن يعرف حساسية موضوع الهوية لأهل الهامش .. وعلى يمين الأستاذ حسين خوجلى الذى يتمنى أن يأتي اليوم الذى تنقرض فيه رطانات الحلفاويين والدناقلة والمساليت والزغاوة والهدندوة وتسود لغة الضاد الموحدة فلسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين.. !! وخلف الرئيس البشير عندما أعلن فى القضارف أن السودان أصبح دولة عربية إسلامية ولا مجال للدغمسة ..!! ولدينا من المبررات ما يقنعنا بصحة ما نذهب إليه خاصة ، فيما يتعلق بهذا الموضوع على وجه التحديد .. أوضح لك الأمر عزيزى الأستاذ كمال الجزولى رغم أنها قضية دائمة التداول !! اللغة العربية ، ومعها الثقافة العربية البدوية ، غزتا السودان غزوا ، وقضتا على ، وقزمتا لغات عديدة ومنها النوبية الشمالية ، وساهمتا بقدر وافر فى قلب الهوية السودانية إلى العربية ، وإحلال ثقافة البداوة والترحال ، مكان الحضارة وساهمت فى تشكيل عروبة سودانية تفتقر الى الإعتراف والإحترام فى أوساط المجتمع العربى ، وجلبت ذلك للكثير من السودانيين السخرية والإحتقار .. ذلك الإعتراف المنقوص ولّد فى نفوس المستعربة السودانيين الكثير من الأحقاد على معاقل هذه الثقافات المعيقة ، فتحولت إلى عنصرية وإستهداف منظم وقد أثبتها فى الفقرة الرابعة من مقالك الذى ننتقده .. يقبل أهل الهامش بالعربية لغة للتواصل الشعبى كما كان سابقاً ، والدليل على ذلك إتخاذها لغة للجيش الشعبى كما ذكرتم ، علاوة على كل قوى الهامش ، مما ينفى عنها الإستهداف ، لكن يختلف الأمر فيما يتعلق بخيارات لغة التعلم والدراسة ، وفى ذلك تأتى المفاضلة ما بين العربية والإنجليزية واللغات الأخرى.. لا أعتقد أنكم ستختلفون معنا ، أنه ليس من المناسب تعليم النشء بالعربية ولا اللغات القبلية وحدهما ، فهما الإثنان تعانيان من نفس الأزمة ومحدودية الآفاق وإنغلاق نهايات الدروب ، ودونكم تجربة تعريب الجامعات السودانية ، التى تضافرت مع عوامل أخرى الى تدهور مستوى خريجى الجامعات ، فتقوية العربية وإضعاف ومحاربة الإنجليزية لم تحقق الأهداف الكلية للعملية التعليمية ، فأضحى المنتج النهائى مصفداً فى ظل الترجمات المحدودة ، ومعاق من الوصول للإستفادة من الدوريات العلمية ونقاشاتها المستمرة ، بل مقيد الحركة للإستفادة من وثائق الإنترنت ، إذن لا مقارنة ما بين العربية التى تعتمد على الإنجليزية ، والإنجليزية التى تعد لغة العلم الأولى فى العالم. إذن فإن تفضيل أهل الهامش للإنجليزية لغة للتعلم ، ينبع من هذا المنطلق ، ومن المهم للسودانيين جميعهم النظر لأمر التعليم من خلال أقصر الطرق التى تحدث التجسير مع منابع العلم ، حتى لا تبدد للدارسين طاقتهم فى الترجمة .. لكن ماذا على أهل الهامش فعله فيما يتعلق باللغات القبلية ..؟؟ حرصهم على المحافظة على لغاتهم المحلية ، ينبع من القلق المتنامى جراء التآكل المستمر لأرضيتها وضياع مفرداتها جيلاً بعد آخر ، رغماً أن تقلص قواعدها الشعبية ، ليس رفضاً لها ، ولكن تعاملاً مع مفردات الواقع ، مع المفارقة فى بقاءها راسخة فى دول أخرى تتعدد فيها اللغات القبلية ، إذن لماذا قويت هناك وأخذت فى الإنقراض هنا ؟؟ لأنها دخلت فى المنظومة التعليمية هناك ، وفى المقابل منعت مجرد التحدث بها فى مدارس السودان خلال بعض الفترات .. من هنا أتت فكرة بعض قيادات الهامش ، فى ضرورة الوقوف على تجارب تلك الدول وسر نجاح المجهودات الرامية للمحافظة وإبقائها صامدة فى وجه الإنجليزية والفرنسية ، ففهموا منهج عملهم ، وسر تميزهم فى أنهم إدخلوها السلم التعليمى فيدرس تلميذ المدرسة بلغة قبيلته ، خلال الثلاث سنوات الأولى ، ثم يكمل باقى دراسته بالأنجليزية أو الفرنسية ، وكلاهما لغات علم ومراجع ، ثم تركوا الطبيعة لتأخذ مجراها ، فيما يتعلق بتواصل أفراد الشعب فيما بينهم فى حياتهم اليومية ، فملأت اللغة السواحيلية والتى هى مزيج من العربية والإنجليزية وبعض اللغات المحلية ذلك الفراغ . وهذا بالضبط ما يحاول أهل دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق فعله على أن تظل العامية السودانية فى مكانها لغة لتواصل أفراد الشعب ، والقفز بالنشء وإيصالهم مباشرة إلى منابع العلم ..!! أما الإخفاقات التى تسجل هنا وهناك ، فإنما مراحل مخاض متعثرة جراء حدة النزاع وإستمرار الحروب !! ضرب الإستاذ كمال الجزولى مثلا ، بالمعضلة اللغويَّة فى دولة جنوب السودن على مستوى التعليم الجَّامعي. ذلكم أن من تلقوا تعليمهم العام بالعربيَّة في دولة الشَّمال الأم قبل الانفصال ، ثمَّ التحقوا بعده بجامعات الجَّنوب ، يعانون الأمرَّين من التعلم بالإنجليزيَّة. وقد أوضح أن أحد هؤلاء قد فسر سبب رسوبهم في الامتحانات بأنَّهم ، ببساطة لا يستطيعون فهم الأسئلة ! (انتهى) هنا رغماً أن الموضوع يخص سياسات دولة أخرى ، إلا أننا نسأل الأستاذ ، عمن تسبب فى إيصال طلبة غير مؤهلين لا يستطيعون فهم الأسئلة ، إلى كنب الجامعات ؟؟ سياسة التعريب بكل تأكيد ، وهذا تماماً ما يحدث ليس للطلبة السودانيين وحدهم ، بل المبعوثين للدراسات العليا فى الخارج ، فكم منهم فشل وعاد إلى السودان بخفى حنين ، أو إنزلق إلى شيئ آخر ؟ ثم كم من الدارسين ترسلونهم الى الخارج لتلقى علوم حقيقية ؟؟ القليل جداً أليس كذلك ؟؟ لأنهم لا يستطيعون مجاراة وملاحقة ومواكبة المستويات العلمية الرفيعة لجامعات الغرب ، ثم لم لا نتساءل عن جدوى إضاعة مبعوثينا أعوام فى سبيل دراسة الإنجليزية ، ليتمكنوا بعد ذلك من التواصل مع الأستاذ الذى أمامه ، يجب أن تكون هذه محاكمة لمنهج التعليم فى السودان ، وليس إنتقاصاً من كفاءة تعليم دول أخرى. إن إختيار وتطوير لغة محلية واحدة وتنصيبه لغة للتواصل الرسمى ، ما هى إلا إعادة تدوير لنفس الأزمة السودانية التى إتخذت من العربية لغة رسمية لكل من التواصل والدراسة ، فنجحت فى التواصل وأخفقت فى الدراسة ، وأى لغة يتم إختيارها ستكون صعبة التعامل بها على مستوى التواصل مع الخارج ، هذا خلافاً للتجهيل الذى سيتم على ضوء محدودية المواعين وقلة التجربة والإحتكاك ، مما سيحدث تعقيدات قانونية تكون الدولة فى غنىً عنها ، ويجب أن تطمئن ، إن كانت خشيتك على العربية ، فالعامية السودانية باقية وراسخة ولا أحد يقوى على إستهدافها. إنتقد الأستاذ كمال الجزولى ، قادة الحركة الشعبية فى جبال النوبة على الآيديولوجيَّة التي تبنَّتها الحركة لم تكن تساعد على إتخاذ سلام جبال النوبة نموذجاً يحتذى في مناطق النِّزاعات السُّودانيَّة الأخرى، وذكر أنه في ما يتَّصل باللغة ، فقد تم الترويج على أوسع نطاق للفكرة الزائفة حول أن الإنجليزيَّة هي لغة التَّحرر، بينما العربيَّة هي لغة الطغيان ، أو القاطرة التي نقلت إليهم الشَّريعة الإسلاميَّة وسلطة الخرطوم ! (أنتهى).. حسناً .. لنترك نوبة الجبال جانباً .. فهل لديك شك فى أن العربية لغة وثقافة قد دمرت الحضارة السودانية ذات الأصول الراسخة وجعلت منها ومن السودانيين مسخا مشوها تسخر منه الأمم.. ؟؟ هل لديك شك فى أن العربية ، ما أن حلت بالأرض السودانية ، حتى أخذت الحضارة السودانية فى التفكك والتداعى ؟؟ ، والشخصية السودانية فى الضمور والإنكماش ؟ ، أتعتقد أنكم تتربعون اليوم على نفس مكانتكم التاريخية ؟ ، ثم أى حضارة حملتها العربية إلينا ؟؟ حضارة القتل والإغارة من أجل الطعام والنسوة ، أم العبودية وتصفيد الأطفال بالسلاسل وبيعهم فى مكة ، أى حضارة ؟؟ أى حضارة ؟؟ أذكر مثالاً واحداً ..!! والإنجليزية !! ألم تكن لغة التحرر والتطور والإنتاج ، ألم تتأمل ساعة فى المنجزات الضخمة للإنجليز فى السودان من قطارات وترام وبريد وخدمة مدنية وصحة عامة ؟؟ ومشروع الجزيرة التى نتباكى عليها ألم تكن تنفذ فى حقبة لغة التحضر بأيدى وأموال سودانية وخبرة وإدارة بريطانية ، فى أكثر فترات القارة الأفريقية ظلامية .. إذن أيهما لغة تحضر وتحرر العربية ؟؟ أم الإنجليزية ؟؟.. فى ذلك تجدنى متفقاً مع قادة الحركة الشعبية أن الإنجليزية هى لغة التحرر ، والعربية هى لغة الطغيان والعبودية والتخلف ، وهى القاطرة التى نقلت الشريعة الإسلامية إلى السودان ، وهى الناقة التى حملت سلطة البدو إلى أرض النيلين. يقول الأستاذ كمال الجزولى ، أن العربيَّة هي اللغة الأفريقيَّة الوحيدة الأكثر تأهيلاً لأن تكون أداة تواصل بين مفردات أمَّة، كأمِّتنا، لم تعبُر طور التَّكوين بعد، ولأن تضحى حامل ثقافة المشروع الدِّيموقراطي للوحدة المتنوِّعة في بلادنا، إذا تمَّ تخليصها مما شابها، تاريخيَّاً، وعلق بها، من عيوب الاستعلاء والتَّعصُّب البغيضين. (أنتهى) غريبة !! يثبت الكاتب ما سبق أن أنتقده بشأن مواقف قادة الحركة الشعبية تجاه اللغة العربية رغماً أنهم يتخذون إجراءات تحول للأفيد كما أوضحنا ، وها هو يؤكد بعض من مترتبات تبنى اللغة العربية من إستعلاء عرقى وتعصب بغيض ، وكأن هذه الأشياء سهلة التعامل معها ، كمن يرفل ذبابة ، أو يهش دجاجةً ، متجاهلاً بذلك مترتبات ذلكم الإستعلاء العرقى من تسليح قبائل للهجوم على أخرى ، وإستيراد من يعتقد أنهم عرب من مالى للمساعدة على قتل وإبادة شعوب فى دارفور. أن هذا التبخيس لمجهودات الهامش الساعية لحماية وإحياء الهوية السودانية ، وعدم إعتباره لهواجس أصحاب اللغات والثقافات السودانية المهددة بالإنقراض ، تنزع عن الإستاذ كمال الجزولى أهليته فى إصدار الأحكام فى قضايا الهامش ، وتجد له مكاناً للإصطفاف خلف كل من الصادق المهدى ، وحسين خوجلى ، وعمر البشير .. فى هذه القضية ..!!