منصور محمد أحمد السناري- بريطانيا "قل الحقيقة، و ضع عكازك بجانبك". سوداني أغبش إهداء: إلى صديقتي زبيدة: أحبك، لكنني بحب الحقيقة أكثر. و إلى ضحايا و أموات مذبحة دار فور: لن يضيع حقكم أبداً. و إلى صديقي و جاري الأنجلوساكسوني جون: أنت أفضل منهم. و إلى اللصوص، و القتلة، و قطاع الطرق، و لاعقي حذاء الطاغوت: لن تفلتوا من العقاب. و إلى عمر البشير: إذا لم تقف بلاهاي، سوف تقف أمام الله، و سيك سيك معلق فيك. و أخيراً، إلى كلب الأمن الحقير المدعو عاصم: لن تسكت قلمي، و لو ملكت سلطة الكون. "بمناسبة مرور عشرة سنوات على مذابح "الجلفاويين" بدار فور". هناك مذابح مرت في تأريخ العالم، لا يمكن للتأريخ البشري، و الذاكرة البشرية، أن تتغاضى عنها، و تتركها ليغمرها النسيان أبداً. فقد كانت أشبه بالبقع السوداء على الثوب الأبيض، في مسار حركة التأريخ البشري المحتشدة بالإنجازات العظيمة، و الصاعدة أبداً نحو تقدم، و رقي، و رفاهية الجنس البشري. لذلك تناولها بنات الحضارة الإنسانية، و مفكريها العظام، و وثقوها، و دونوا فظائعها، و كيفوها قانونياً، و ضمنوها في المواثيق الدولية، و مواثيق حقوق الإنسان، حتى تصبح جزء من الإرشيف الإنساني. و ذلك مثل مذابح النازيين بزعامة هتلر، ضد اليهود، و مذابح الغزاة الإسبان ضد الهنود الحمر، في كل من أمريكا اللاتينية، و أمريكا الوسطى، إبان الفتح الإسباني لتلك المناطق في القرن السادس عشر، ومذابح الغزو الأوربي، إبان الهجمة الإستعمارية، لكل من أفريقيا، و آسيا في القرن التاسع عشر، و مذابح الأتراك ضد الآرمن، و مذابح الإنجليز ضد "الأبورجينز" في أستراليا. هذا ما كان من أمر التأريخ البشري القديم. أما في العصور الحديثة، فيذكر الضمير الإنساني اليقظ، مذابح الصرب الجماعية ضد البوسنيين، في يوغسلافيا السابقة، و التي قدرت ضحاياها، بناءً على تقارير الأممالمتحدة، بحوالي ثمانية آلاف نفس بشرية. و منها كذلك، مذابح الهوتو ضد التوتسي، في رواندا، و التي قدرت ضحاياها بحوالي ثمانية آلاف أيضاً. و منها أيضاً، مذابح صدام حسين ضد الأتراك، في كردستان العراق، و التي قدرت في لحظة واحدة، بحوالي خمسة آلاف نفس بشرية، تم قصفهم بالأسلحة الكيماوية. و لكن من أكثر مذابح القرن العشرين هذه، من ناحية عدديتها، و بشاعتها، و عنصريتها، و شدة أهوالها، فهي الجرائم التي ارتكبتها الأوليجاركية الشمالية العنصرية ( الجلفاويين )، في دار فور، و التي قدرت ضحاياها حسب تقرير الأممالمتحدة عام 2003، و ليس الآن، بحوالي ثلاثمائة ألف نفس بشرية، أي بالرقم 300000 زول دار فوري. و دي جاي لتفاصيلها لأنه حسب تصنيفهم الزول الدار فوري ما بيساوي الزول النيلي، أي نصف، و حتى ديته نصف جلابي. و بمناسبة مرور عشرة سنوات على هذه المذبحة الرهيبة، حاولت على المستوى الشخصي، أن أحتفل بمنزلي، و دعوت مجموعة من أصدقائي من ملل عدة، و جنسيات مختلفة، و ألوان شتى. لذلك حاولت أن أضفي مظاهر الحزن على البيت، في مظهر يليق بتلك الذكرى. منعت أطفالي من الخروج من المنزل، ربطت كلبي، نكست العلم السوداني، و البريطاني، توقفت عن تناول الطعام، أطفأت أنوار المنزل ليوم كامل، و تم طلاء واجهة المنزل باللون الأسود، كإشارة إلى الحداد. و بصورة أكثر إحتفائيةً، و إعلاءً لمنطق العدالة، حاولت أن أكتب هذا المقال، لكي أتدارس مع أصدقاء لي تأريخ المذابح البشرية الجماعية، و أحاول أن أعقد مقارنة بينها، و مذابح "الجلفاويين" العنصريين في دار فور، و التي حدثت في بداية القرن العشرين، في عهد الليبرالية في أبهى تجلياتها، و عهد حقوق الإنسان، و ثورة الإتصالات التي جعلت العالم قرية، أو كرة بلورية. و لكي أحدد من خلال هذه المقارنة، أوجه الشبه، و الإختلاف بين هذه المذابح الجماعية. لذلك رأيت أن أنتخب ثلاث من أفظع المذابح البشرية عبر التأريخ: مذابح الغزو الإسباني ضد الهنود الحمر، و مذابح النازيين ضد اليهود، و مذابح الجلفاويين للدار فور يين. وقعت مذابح الإسبان الجماعية ضد الهنود الحمر، في أمريكا اللاتينية، و أمريكا الوسطى، إبان الفتح الإسباني، لتلك المناطق، في القرن السادس عشر. كان كولمبس، مكتشف أمريكا في الأساس، إيطالي الجنسية، من مدينة جنوة. و قد كان يهودي متعصب، و عاشق للمغامرة، و ركوب البحر. و حضر إلى إسبانيا، و تمكن بواسطة دهائه، و ذكائه، من إقناع ملك إسبانيا المدعو "الفرديناند"، و زوجته "إيزابيلا"، من تمويل رحلته عبر البحر، لكي يكتشف دنيا جديدة، و ذلك بالإتجاه غرباً، و التي كانت تداعب مخيلة الإنسان الأوربي. و كما هو معروف في التأريخ الإسباني، فإن فيردناند، و زوجته إيزابيلا، كانا مسيحيين متعصبين. و كانا هما من قاما بتنفيذ جرائم التطهير العرقي، و أحدثا في التأريخ الإسباني، ما يسمى بمحاكم التفتيش ضد العرب، و المسلمين، بعد سقوط مملكة غرناطة، عام 1492م، كآخر معاقل الحضارة العربية، و الإسلامية في الأندلس. و قد كان كل من فيردناند، و إيزابيلا، يطمعان بالإضافة لنشر الديانة المسيحية، في الحصول على الذهب، و بقية المعادن، و الثروات، و التي كان يروج الحديث عنها على ألسنة الناس، و قصص الكتاب الأسطورية. لذلك بعد أن تمكن "كولمبس من إقناع فرديناند، و إيزابيلا، بفكرة الفتح، و تمويل حملته، قام و بدهاء غريب، و إنتهازية واضحة، بتغيير اسمه، من كريستوفر كولمبس، إلى "كريستوبال كولون". و كريستوبال، في الإسبانية تعني، "حامل الصليب"، و "كولون تعني الفاتح، أو الغازي. و من ثم قام بتغيير دينه من اليهودية، إلى المسيحية. و بذلك يصبح اسمه الجديد، هو "الفاتح حامل الصليب"، و تصبح مهمته الجديدة، هي الفاتح المبشر بالديانة المسيحية، و هي فكرة قريبة من فكرة، "عبء الرجل الأبيض"، التي حاول بها الغزاة الأوربيين تبرير غزو أفريقيا، و آسيا إبان الحقبة الإستعمارية. لذلك كون حملته من السفن، و اتجه غرباً عبر المحيط الأطلنطي، بغرض إكتشاف دنيا جديدة، عام 1492م. إلا أنه لم يتمكن من إكتشاف هذه الدنيا الجديدة، إلا بعد مرور عشر سنوات، أي في العام 1502م. و لكن لم يتعرف العالم على مذابح الإسبان الجماعية الرهيبة للهنود الحمر، إلا في العصور الحديثة، و ذلك من خلال مصدرين: المصدر الاول، أتى من داخل السياق الأوربي، و هو الناقد البلغاري، النابه، تزفيتان تودوروف، الذي تناول مسألة الفتح الإسباني لأمريكا في كتاب بعنوان: "فتح أمريكا و مسألة الآخر- قصة الفتح". و قد قام بذلك من خلال دراسته للمدونات، و المراسلات بين كولمبس، و ملك إسبانيا، و من خلال يوميات كولمبس، و البحارة المرافقين له. و يكفي للتدليل على بشاعة جرائم الفتح الإسباني، أن أقتبس فقط العبارة التالية من كتاب تودوروف: " يجب أن نتذكر، أن عدد سكان الأرض في عام 1500، لابد و أنه يبلغ 400 مليون نسمة، يسكن 80 مليون منهم في القارتين الأمريكيتين. و بحلول أواسط القرن السادس عشر، أي في عام 1550م، لم يبق من هذه الملايين الثمانين، غير عشرة ملايين. أما إذا قصرنا حديثنا على المكسيك، فإن عدد سكانها عشية الفتح الإسباني، يبلغ نحو 25 مليون نسمة، و بحلول عام 1600م، فقد بلغ مليون نسمة فقط." لذلك هنا يضيف تودوروف أيضاً قائلاً، " إذا كانت كلمة إبادة قد استخدمت، استخداماً دقيقاً في الحديث عن حالة ما، فهذه الحالة، هي تلك التي نتحدث عنها. فهذا رقم قياسي، ليس فقط من الناحية النسبية، أي تدمير بشري بنسبة 90% أو أكثر، و إنما من الناحية المطلقة أيضاً، لأننا نتحدث عن إنخفاض لعدد السكان يقدر ب 70 مليون إنسان." "الجلفاويين" مصطلح من إختراعي يشير إلى المجموعة السكانية الممتدة من الجيلي إلى حلفا". و نواصل في الحلقة القادمة الحديث عن مذابح النازيين في ألمانيا، و مذابح الجلفاويين في دار فور إن شاء الله.