بسم الله الرحمن الرحيم ظهر وبان ....الهيكل العظمي لجمهورية السودان!!. منذ أن إستولت الإنقاذ علي الحكم من حكومة منتخبة ، متأثرة بمفاهيم حركة الإخوان المسلمين بمصر ، شرعت في تطبيقها علي الفور وبدأت بمكافأة أعضاءها المؤيدين لها ، والذين كانوا يدفعون إشتراكات إبان وجودهم تحت الأرض ب " تمكينهم" من حكم البلاد ، فإنتشروا كالسرطان في مفاصل دولة السودان الفتية ، فأكلوا لحمها ونخروا عظمها لمدة تزيد عن الأربعة وعشرين عاما ، وكانت النتيجة كارثية بحق... ظهر وبان ....الهيكل العظمي لجمهورية السودان!!. لم تقدم الحركات الإسلامية في السودان خيرا ، لا للإسلام ولا للمسلمين من أبناء جلدتهم ، بل عملت فيهم قتلا وتشريدا وتجويعا وتفريقا وجعلت لنفسها حزبا صفويا متنطعا لا يقدم لمجتمعه أي خدمات ولا يتفاعل معه في الملمات ، ولا يعينيه حتي عندما تحل به مصائب الدهر. أسمعتم أنهم نزلوا الي الشوارع وأغاثوا المنكوبين من الأمطار والسيول أو واسوهم في محنتهم، أم أنهم إنتشروا في الأرض ليرفقوا بالضعفاء أو يطعموا المساكين أو يواسوا الثكالي أو يبلغوا حتي عن رسولهم ولو آية ؟ لقد أصبحوا مجرد موظفين مميزين ، مترفين يأتمرون بأمر سادتهم . هكذا يفعل الراعي بالغنم القاصية ، يخوفهم من الذئب حتي يجمعهم في حظيرة واحدة ثم يسيطر عليهم ويسلب إرادتهم الحرة. لعبت الإنقاذ بنفس الكرت الذي لعب به المستعمر الانجليزي من قبل "فقد عمدت الي كسب تأييد القبائل عن طريق إستغلال العاطفة الدينية المنبثقة أصلا من الطرق الصوفية" *1، ودخلت الساحة بأفكار وشعارات " أخوانية " مستوردة من جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر ، كان أهمها تطبيق دولة الشريعة وبعث الدولة الإسلامية الكبري . نموذج مصغر ل " سكين" صنعه الغرب وفقا لسياساته ومواصفاته ليطعن في خاصرة الدين . الم يحذرنا القرآن من ذلك بقوله تعالي : وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ /البقرة، آية109 . وعلي هذه الأسس الوهمية ، فإنه يحسب للحركة الإسلامية بالسودان أنها أول تنظيم "إخواني" في المنطقة يستولي علي الحكم ويحكم بعكس ما أنزل الله لمدة تقارب الخمسة وعشرون عاما قضي فيها علي الأخضر واليابس ولم يقدم ما يفيد ، لا الإسلام ، ولا المسلمين!!. ولأن العاطفة الدينية في السودان " جياشة" بطبعها ، فقد إنساق الناس أو قل ، إستسلموا لقدرهم طوال الفترة الماضية دون أن يحصلوا علي أي نتيجة ، فلا الشعارات المرفوعة تحققت ولا أي من مبادئ الإسلام السمحاء طبقت بل ، مورس كل ما نادي الإسلام بمحاربته من نفاق وكذب وسرقة وتدليس علي الدين وفساد عم كل البلاد. للآن يعكف " منظراتية " الحركة الإسلامية في البحث عن طرق آمنة للخروج من هذا المأزق ، فالحركة الاسلامية ومن شايعها ، تعلم تماما أنها أس ومنبع الفساد ، سواء بالفعل المباشر أو بالتهاون في تطبيق الشرع والقانون مستخدمين فقه " السترة" الذي برعوا فيه وإستعملوه لدرجة فاقت كل العصور الإسلامية السابقة. وفق هذا المنظور الواقعي ، يمكن تلخيص مسيرة " الإنقاذ" المتأسلمة ، أنها إستحوذت بالفعل علي السلطة والثروة وتنعمت بهما ولا زالت الي الآن ، مقابل تقويض أركان دولة كان سمعتها ، في يوم من الأيام مقٌيم ، كبريق الذهب!. بفضل هذا الحكم الفاشل ، أصبح السودان الآن دولة مفلسة ، منبوذة من دول الجوار ومن المجتمع الدولي ، تعيش علي المنح والمساعدات من أهل المصالح الخاصة ومن أهل البر والإحسان مقابل المزيد من الذلة والخنوع . أما عن الشعب الذي كان يعرف في السابق ب " الأصيل" فقد تغيرت ملامحه تماما ، وتقوقع داخل النظام القبلي الشرس وإحتمي بهويات وشرفيات كاذبة ومزيفة، فبتنا نري القبائل تتناحر وتتقاتل فيما بينها ، وبسلاح الحكومة ، والحكومة تقف تتفرج وهي عاجزة عن حل مشاكل إختلقتها بنفسها ، وعاد بنا الزمان الي القرن التاسع عشر ومحاولات صلح القبائل القديم الذي كان يرعاه أجدادنا! . بالنسبة للسلوك العام ، فقد وصلت به درجة الإنحطاط والإنحراف عن الخلق القويم أقصي مداه ، ولم يعد بالامكان ضبط سلوك المجتمع ، أخلاقيا وقانونيا فقد تسيس كل شئ ، وأصبح من العسير الإقتراب من أولاد الإنقاذ أو المؤتمر الوطني كي يحاسبوا ، والكل يعلم أنهم منبع الفساد. لم يكن من المستغرب إذن ، أن يحاكم ضابط شرطة جرئ ، كانت كل جريمته أنه جمع من الأدلة الموثقة ما يدين به الفساد والمفسدين ؟!!. أنا شخصيا فهمت أن الحكومة لا تريد أن تدين او تحاكم نفسها ، والدليل علي ذلك أن اقطاب النظام أنفسهم يعلمون ويعترفون بوجود الفساد ويعجزون عن محاربته خشية إسقاط النظام ، وهذا يعني بداهة أن النظام كله فاسد!!. إذن ، المطلوب منا ان نشاهد الفساد بأم أعيننا ونعايشه ونتعايش معه حتي يحل علينا غضب الله!!. هذا هو مربط الفرس ، لا الحكومة تريد أن تعترف أنها جنت علي هذا الشعب وعلي مستقبله ، فتسارع بالتوبة والاعتذار العلني ورد كل حقوقه المسلوبة ، ولا هي تريد أن ترحل وهي تعلم علم اليقين أنها ، بالاضافة الي فسادها ، فاشلة ، وأن إستمرارها في الحكم يعني إستمرارها في الفشل بل ، بدلا من ذلك، يعكف الرئيس علي الإعداد لإزاحة " أحمد" ومن معه ليأتي بالحاج أحمد وتابعيه!!. وبالنظر إلي المتغيرات الإقليمية ، وبالأخص ما يحدث في الجارة مصر ، فإنه لا يتوقع أن تقوم الحركة الاسلامية ( بالرغم من قلقها الآن علي ما يحدث من مستجدات وما آلت إليه المألات المحبطة والمزعجة لرصافائها ) بالقيام بأي إصلاحات جوهرية تذكر ، بداء بمراجعة مسيرتها وكل مخرجاتها والإختلاء بضميرها مرة واحدة ، في عمرها المديد ، لنقد النفس وجلد الذات لتكتشف أنها كانت في واد وأن رسالة الإسلام ، دين الله العظيم في واد آخر ، فرسوله الكريم ، صلي الله عليه وسلم ، بعث للناس كافة كي يرفع راية التوحيد الخالص لله، ويتمم مكارم الأخلاق ، وينشر الرحمة من خلال أمة واحدة وليس دولة أو دويلات تعشعش في خيال عصابات ، ربما يكون ولاءها لزعماءها أكثر من ولاءها لله !!. لم يحجر المولي تبارك وتعالي علي عباده ، فمنحهم كل الحرية ، وجعل لمن شاء منهم أن يؤمن وله إيمانه ، ومن شاء منهم أن يكفر وعليه كفره ، ومن رحمته بهم أوصاهم ، أنه لا يرضي لعباده الكفر. كما أنه تبارك وتعالي لم يأذن لأي من أنبياءه أو رسله أن يكونوا وكلاء أو أوصياء علي الناس ولا مسيطرين عليهم ، وإنما ترك لهم أمر البلاغ عنه فقط . قال عيسي إبن مريم عليه السلام " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به". فكُتب عند الله صديقا. إن الإسلام يحكم نفسه بنفسه إذا ما إستوعبه الناس جيدا والتزموا به في أنفسهم وعكسوه في سلوكهم العام ، ولن يحتاج في هذه الحالة إلي وكلاء أو مندوبين يسوقونه ، ويجعلون من أنفسهم اوصياء في حكم الناس، بل إلي دعاة يبصرونهم بدينهم ويعرفونهم بحدود الله . في تاريخ الدعوة المعاصر ، لعلنا نذكر الداعية أحمد ديدات ، رحمة الله عليه وتلميذه الآن الدكتور ذاكر نايك وغيرهم من الدعاة المخلصين كيف إستوعبوا الرسالة ورحوا يبلغونها فرادي وسط مجتمعات هي في أشد الحاجة إليها فأسلم علي يديهم الآلاف من الخلق . هذه هي ديناميكية الإسلام العظيمة ، الإقتناع ثم الإتباع. من فرط ربكتها وإفلاسها الفكري تبحث الحركة الإسلامية الآن في جعبتها الخاوية عن "مخارجات" تبقيها علي الأقل إلي حين ، فتارة تستخدم لغة " الأشواق" والحميمية لضم الصف ولم الشمل المنفرط ، وتارة تحاول تغيير الوجوه القديمة بأخري شابة ، ولم تفكر قط في تغيير المفاهيم المغلوطة والآراء الفاسدة . بل لم تفكر بداية في محاربة الفساد ببسط القانون وتفعيل العدالة الناجزة ، وإنما تبرر دائما فشلها وتحوله إلي وجهة اخري باختلاق فزاعات محاربة العلمانية تارة والماسونية تارة أخري!!. أو لا يعلم الجهلاء أن توصيف المثقفين والمستنيرين وأهل الفكر والرأي بهذا الوصف أنما هو مغال فيه ومجحف؟!. وماذا لو كان هؤلاء أكثر تدينا وتقوي من أولئك المتفيقهون؟ . كل ما هنالك هو الحكم المسبق علي الآخرين بسبب تحجر الفكر والتشبث بالرأي الخطأ وصم الآذان عن الرأي الآخر الذي يمكن أن يطرح الحجج ويستدل بالبراهين لضحض الباطل وتبيان الحق والصواب . كل ما تحتاجه الحركة الاسلامية هو إعادة مراجعة أسس العقيدة من مصادرها الأصلية ، حسب ما بينها النبي ، صلي الله عليه وسلم ، وصلح علي أمرها حال الأمة. أما عن تغلغل الماسونية في عقر دارنا وأنهم السبب في كل ما حل بنا ( كما يردد دائما بوقهم الإعلامي ولا يفصح عن إسم واحد منهم ) فلماذا لم يحاربهم الإسلاميين منذ البداية ، طالما أنهم يعلمون بوجودهم بين ظهرانينا وأنهم يشكلون خطرا علي الأمة؟ . بل أين جهاز أمننا الوطني من كل ذلك ،ولماذا لم يحددهم ويوقفهم ويسمهم لنا ، أم لعلهم يكونوا من كبراءنا ونحن لا ندر؟!!. الحقيقة المعروفة أن الماسونيين هم صناع الفساد في الأرض وعليه ، فلا يمكن محاربة الفساد بالفساد. في مصر الجارة ، إمتلك الشعب إراداته الحرة وإنحاز الجيش والشرطة معه ، وهاهو يترسم طريقه نحو مستقبل جديد ، وهذا حق يخصهم وحدهم رغم أنف ورأي الآخريين ، بينما نحن ، وبكل الحسرة ، لا جيش يقف معنا ، يحمينا ويدافع عن حقنا في الحياة وفي الوطن ولا قضاء يفعل القانون ولا يخشي في الله لومة لائم ولا شرطة تنفذ القانون دون محاباة ، فالكل بات مسيسا وملكية خاصة للحزب الحاكم ، يأتمر بأمره ويعمل بالريموت كونترول ، وبضغطة زر ، يمكن ، وفي أي وقت أن ينكل بهذا الشعب الصابر الأبي . يا أهلنا الكرماء...أصبروا.....وصابروا فإن الله مع الصابرين ، ولابد من بعد الضيق فرجا ومخرجا ، ولابد من بعد العسر يسرا. أستغفر الله العظيم. الدمازين في :25/08/2013م. محمد عبد المجيد امين ( عمر براق) [email protected] المراجع: *1: أضواء علي النظام القبلي والإدارة في السودان : السني بانقا