كلما وقع بصري على الصور التي تحكي عن مقدار القسوة والفظاعة التي مُورست في قتل أبطالنا الذين إستشهدوا في ملحمة سبتمبر 2013، شعرت بأنني لا أستحق الحياة، وبأنني خائن وجبان، وبأن كل ما يفعله جيلنا في مقاومة النظام سَخَف وهِزار، فقد دفع هؤلاء الشباب ثمن تلكؤ الأجيال التي سبقته في القيام بواجبها في إحداث التغيير، فعظمة هؤلاء الشهداء الشباب أنهم قدموا حياتهم ثمناً لحرية وعدالة لم يذوقوا طعمها، ولم يكن لهم يد في ضياعها، فأكثر هؤلاء الشهداء خرجوا إلى هذه الحياة في وجود النظام الذي صادرها عنهم. ليس هناك من بين منسوبي هذا النظام من لم يُشارك في يوم من الأيام في مظاهرة من جنس التي حكم فيها على هؤلاء الشباب بالإعدام، وليس هناك من بين أركان النظام الذين أصدروا الأوامر بقتل المتظاهرين وضباط الأمن والشرطة الذين نفذوا هذه المجزرة ( قتل 216 شاب وشابة خلال 36 ساعة) من لم يخرج للهتاف ضد النميري أو عبود أو حتى ضد النظام الديمقراطي، وأكثر ما يُفاخر به التنظيم الحاكم أنه كان وراء ثورة شعبان (1973) التي كان لها هي الأخرى شهداء وإنطلقت شرارتها بدعوة وتنظيم من جماعة الإخوان المسلمين عقب ندوة بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم، وشارك في تلك الثورة والمظاهرات كل الذين أصبحوا فيما بعد رموزاً لهذا النظام، برغم أن ما فعله نظام مايو الذي خرجوا لإسقاطه - قبل أن يقوموا بمصالحته والإرتماء في أحضانه – بالوطن وشعبه، يُعتبر نُزهة في مقابل ما فعلته به الإنقاذ التي خرج في وجهها أبطال سبتمبر. ذلك أنه وبرغم ما حدث في عهد مايو من فظائع ومظالم إلاّ أنها سلّمت الوطن كما إستلمته دون أن تنقص منه بوصة واحدة، وكان الوطن ينعم بسلام بحيث كان اللوري السفري يقطع المسافة من وادمدني وأمدرمان إلى الفاشر والجنينة وأقصى جنوب كردفان وبظهره بضاعة بمئات الألوف وليس به رفيق للسائق سوى مساعد يجلس في أعلى البضاعة، كما أن نظام مايو الذي تظاهر ضده أهل هذا النظام القَتَلة كان قد حافظ على شكل الدولة وقومية القوات المسلحة والشرطة والخدمة المدنية ..الخ القومية، وفي ذلك كان المُعتقل السياسي يخرج من كوبر ليلحق بوظيفته دون أن تفوته ترقية أو علاوة دورية، وبرغم تسلط مايو، حافظ القضاء على إستقلاله، وأجبر القضاة النميري على التراجع عن قراره بعزل عدد من أعضاء لجنة قضاة السودان، كان لكاتب هذه السطور الشرف أن يكون واحداً من بينهم (قامت الإنقاذ بفصل 80% من قضاة السودان). كيف يُنكر التنظيم الذي أدخل لفظة "مليونية" للقاموس السياسي في وصف المسيرات والمظاهرات ضد نظام مايو وقام بمنازلته بالسلاح فيما يُعرف بأحداث الغزو الليبي (1976)، ثم يجد لنفسه العذر في إزهاق كل هذه الأرواح بمثل هذه الوحشية لمجرد خروجهم عليه في مسيرة سلمية أرادوا التعبير فيها عن بؤسهم وضيق حالهم وشظف الحياة!! إن تخليد وتكريم هؤلاء الأبطال من شهداء ومصابي إنتفاضة سبتمبر المجيدة يكون بتحقيق الهدف الذي قدموا من أجله أرواحهم، لا بإحياء الليالي وترديد الأناشيد، فقد خرج هؤلاء الشباب ينشدون لنا الحرية وكان مصيرهم أن توسدوا التراب، هتفوا بإسمنا للكرامة ولفّهم الصمت داخل القبور، لم يخرجوا ليطالبوا بوظيفة أو قطعة أرض أو لشكوى من بطالة، فالشعب مدين لهؤلاء الأبطال بأن دماؤهم هي التي أوقدت شرارة التغيير التي جعلت النظام اليوم يدور حول نفسه ويلهث خلف أعدائه. لا يُقاس هؤلاء الأبطال بالعدد، فقد ترك كل شهيد/ه وراءه أم ثكلى وأب مكلوم، وأخوة مفجوعين، وأصدقاء موجوعين، والذين قدموا لنا هذه الأرواح الغالية لا نعرف حتى أسمائهم (سوى ما حظي به شهيد بطل واحد من إهتمام بسبب إنتمائه لأسرة معروفة وقرابته لأحد كبار الأثرياء)، وأقل واجب نحوهم أن نرفع عنهم الظلم الذي وقع عليهم من النظام وأذياله من الصحفيين حتى بعد أن إنتقلت أرواحهم للسماء، بوصقهم بأنهم صيّع ومخربين ولصوص. اليوم يمضى عام على هذه المجزرة دون ظهور أي أثر للمُجرمين الذين نفّذوا الجريمة، ولا تصدقوا ما يقول به النظام بأن هناك تحقيق يجري حول هذه الأحداث، فالمجرم لا يُوقع العقاب على نفسه، والنظام لا يزال يتمسك بروايته الأولى التي تقول بأن الذين أطلقوا الرصاص مخلوقات مجهولة، ولكننا على يقين بأنه سوف يأتي اليوم الذي يتحقق فيه القصاص من الذين سلبوا الحياة من هؤلاء الأبطال، فهذه الأرواح الطاهرة لن تضيع هباءً ولن تصبح دماءهم الذكية دلقة ماء، وعلى المجرمين الذين شاركوا في هذه المجزرة أن "يركزوا" لمثل ذلك اليوم، فكثير من وقائع القتل موثقة بالصوت والصورة وجرت في حضور شهود. والقصاص لا يتوقف فقط عند الذين ضغطوا على الزناد وأطلقوا الرصاص من البنادق، فقد علّمتنا التجربة أن الذين يُصدرون الأوامر بالقتل يفعلون ذلك من داخل جحور دون أن يظهروا في الصورة، ويعتمدون على التملص من المسئولية بالإنكار يوم يأتي عليهم وقت الحساب، تماماً مثلما فعل الرئيس مبارك والعادلي وكبار ضباط الداخلية في مصر، الذي أقسموا بالذي خلقهم أنهم لم يعرفوا بأن هناك قتلى من بين المتظاهرين إلاّ من شاشة التلفزيون، ونعلم أن كل مسئول سوف يُدحرج المسئولية ويُلقي بها على الذي يليه حتى تتوقف عند العساكر الأنفار. أقل ما نفعله للذين قدموا أرواحهم من أجلنا أن نقتص لهم من القتلة الحقيقيين الذين وقفوا خلف هذه المجزرة وسلبوهم الحياة، فدماؤهم أعزّ وأغلى من أن تُسبّل، فالمجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين سوف يكون عمرهم أطول من عمر جلاديهم، والعار واللعنة والقصاص من الجبناء والسفهاء الذين جعلوا من أرواح هؤلاء الشباب ثمناً لإستمرار النعيم الذي يعيشون فيه. فعُذراً شهداء سبتمبر الأبطال، فقد تأخرنا عليكم حتى جاءت ذكرى إستشهادكم الأولى، وغداً سوف تشرق شمس الحرية لتضيئ الدرب الذي أوقدتم له الشموع بأجسادكم. سيف الدولة حمدناالله [email protected] //////////// مولانا سيف بعد التحية نتابع بشغف مقالاتك التي تعري بها النظام الفاشي في السودان،وجميل منك أن تخلد ذكرى شهداء سبتمبر بمقالك الأخير. غير أنه ورد في هذا المقال تلميحات تحمل إشارات سالبة في حق إبنناالشهيد صلاح الدين مثر الريح السنهوري. إذ ذكرت في مقالك أنك لا تعرف أسماء الشهداء (سوى ما حظي به شهيد بطل واحد من إهتمام بسبب إنتمائه لأسرة معروفة وقرابته لأحد كبار الأثرياء) والتلميح بلا شك كان المقصود به الشهيد صلاح والسؤال المطروح أولا ما هو نوع الإهتمام الذي حصل عليه الشهيد؟ وثانيا من أي جهة حصل الشهيد على الإهتمام؟ وثالثا من هو الثري المقصود؟ وما هو دور هذا الثري في الإهتمام الزائد الذي حصل عليه الشهيد؟ وهل هنالك ما يعيب في إستشهاد أفراد من أسر معروفة؟ كل هذه الأسئلة دارت بخلدنا ونحن نقرأ مقالك الأخير ولم نجد لها إجابة. ففي ثورة أكتوبر 1964 حظي الشهيد القرشي بإهتمام بالغ بالنسبة لباقي الشهداء ومنهم الشهيد بابكر عبد الحفيظ على الرغم من أن هذا الأخير من أسرة الخنادقة المشهورة . غير أننا لم نسمع أي شخص يلمح أو ينتقص من الشهيد القرشي لما ناله من شهرة. الحقيقة يا مولانا لا نشك في حسن نياتك لكننا ننبه أن بعض الكلمات التي وردت في مقالك تحمل تلميحات سالبة غير دقيقة وقابلة لعدة تفاسير . والحقيقة الثابتة إستشهاد الصيدلي صلاح في مظاهرات سبتمبر الماضي وهو أعزل برصاص السلطة الغاشمة فهل يمكنك أن تقول لولده مدثر ووالدته حنان إن إبنكما حظي بإهتمام نسبة لقرابته لأحد الأثرياء وأنه من أسرة معروفة. رحم الله شهداء سبتمبر وتقبلهم الله ولك خالص الود يحيي الشاذلي الشيخ الريح /////////////// الأخ يحي الشاذلي لقد أدهشتني رسالتك حول مقالي المنشور اليوم حول ذكرى شهداء سبتمبر والتي ذكرت فيها بأنه - وبحسب تعبيرك - قد وردت فيه إشارات سالبة في حق إبنكم الشهيد صلاح الدين الريح السنهوري، وذلك في ضوء فهمك للعبارة التي أرورتها أيضاً من المقال التي تقول: (والذين قدموا لنا هذه الأرواح الغالية لا نعرف حتى أسمائهم سوى ما حظي به شهيد بطل واحد من إهتمام بسبب إنتمائه لأسرة معروفة وقرابته لأحد كبار الأثريا). قبل الإجابة على الأسئلة التي طرحتها في رسالتك، دعني أقول لك أن ما قصدته من هذه العبارة هو عكس ما فهمته انت، ويمكنك أن تجد تفسير ذلك في إجابتي على أسئلتك بوضوح وإختصار وبحسب ترتيبها في رسالتك: أولا: ما هو نوع الإهتمام الذي حصل عليه الشهيد؟ 1- تغطية إعلامية مكثفة شملت الكتابة عن الشهيد في الصحف الورقية والإسفيرية واليوتيوب شمل مقاطع للحديث عنه من أصدقائه..الخ 2- زيارة نافع علي نافع لتعزية أسرة الشهيد وما صاحبها من تغطية نتيجة طرده من العزاء. ثانيا : من أي جهة حصل الشهيد على الإهتمام؟ من الجهات الموضحة أعلاه ثالثا: من هو الثري المقصود؟ سعود مامون البرير. رابعاً: ما هو دور هذا الثري في الإهتمام الزائد الذي حصل عليه الشهيد؟ قيام مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع بالتعزية كان بسبب ذلك الثري بحسب ما ورد بالصحف، ومعلوم أن نافع لم يذهب للتعزية في غيره من الشهداء. خامساً : هل هنالك ما يعيب في إستشهاد أفراد من أسر معروفة؟ بالطبع لا. ومن قال ذلك؟ واقع الحال أن الشهيد صلاح قد أصبح رمزاً لإنتفاضة سبتمبر ومن بين ال 216 شهيد لم يستقر في ذهن العامة سوى إسم الشهيد صلاح للأسباب الموضحة بعاليه، وليس هناك ما ينتقص من دور شهيدنا البطل بأي من هذه الأسباب، فقد كتبت عن واقع ولم آت بشيئ من عندي،، الشهيد صلاح بطل وقدّم روحه للوطن، وأنا لم أسيئ إليه ولا ينبغي لي أن أفعل. مع خالص تقديري