غياب الزوج أو اختفاؤه عن أسرته لفترة طويلة كان أمراً ﻻ يحدث في سابق الزمان، إﻻ في حاﻻت الحروب أو الكوارث الطبيعية، ولكن في الآونة بات سفر الزوج أمرا ضروريا بحثاً عن لقمة العيش لتوفير احتياحات أسرته وتحسين وضعها الاجتماعي، وهناك أيضاً من يفر بجلده هرباً من مسؤولياته، وغيرها من أسباب الغياب، وفي كل الأحوال الزوجة هي اﻷكثر تضرراً من هذا الواقع بسبب انتقال المسؤولية بكاملها إليها، وفي أغلب اﻷحيان ﻻ تجد من يساعدها أو يمد لها يد العون، فضلاً عن ضياع اﻷبناء.. هذه القضية أثارت الكثير من الجدل المجتمعي، فما رأي اختصاصيي النفس والاجتماع وماذا قالت الزوجات في ذلك؟. احتياجات ولكن.. تزوجت ريان مصطفى محجوب (موظفة) قبل (22) عاما خرجت منها بأربعة أطفال، سافر زوجها للعمل بالخارج، قالت: "لم يقصر زوجي يوما في تلبية احتياجاتي أو متطلبات أبنائي، لكن بعد أن مضت السنين وكبر اﻷبناء أصبحت تربيتهم تشكل عبئاً كبيراً على كاهلي، وتعرض أحد أبنائي لحالة نفسية سيئة، عندها أدركت سوء الموقف وطلبت من زوجي العودة إلى السودان، إﻻ أنه ظل يؤجل عودته في كل مرة حتى تطورت الأمور، ووصلت حالة ابني حد اﻹدمان، وأسعى الآن إلى معالجته وأنا في شدة اﻷلم". صمتت برهة ثم أردفت: الحالة الاقتصادية السيئة التي يعاني منها الشعب السوداني سبب رئيس دفع كثيرا من اﻷزواج الذين ضاقت بهم سبل العيش إلى الابتعاد عن زوجاتهم وأطفالهم، وجعلتهم يقاومون الصعاب ويبقون من أجل أسرهم. أفكار شيطانية اما فاطمة عبد النبي (موظفة) التي تزوجت بعد قصة حب طويلة، فقالت: "بالرغم من إمكانياتنا المحدودة، إﻻ أننا كنا نعيش في سعادة راضين بما قسمه لنا الله من رزق، فجأة قرر زوجي السفر للعمل خارج البلاد، لتحسين وضعنا الاقتصادي، وبعد سفره كان يهاتفنا عدة مرات في الأسبوع، وبعد فترة قلت مكالماته، وتدريجاً لم يعد يتصل للاطمئنان علينا سوى مرة أو مرتان فقط في السنة، وهكذا نسي زوجته وأوﻻده، ومضت قائلة: في الفترة الأخيرة باتت تراودني أفكار شيطانية؛ لكن خوفي من الله والتزامي بتعاليم ديني هو ما يمنعني في كل مرة". وحذرت فاطمة من مغبة غياب الأزواج لفترات طويلة عن منزل الزوجية وقالت: يمكن أن يكون غياب الزوج لفترات طويلة عن المنزل مفتاحا لمفاسد أكبر، وشرور أخطر بكثير من فقدان المشاعر أو فتورها. وحشة وجفاء وما نﻼحظه في قصة أم إيمان (ربة منزل) التي تقترب من قصة فاطمة، وتختلف عنها في أنها وبناتها اعتدن غياب الأب، واعتبرت وجوده في المنزل لدى عودته في الإجازة السنوية كالضيف الثقيل، وقالت: أشعر بالجمود تجاه زوجي، بالإضافة الى عدم الرغبة في وجوده، ومع استمرار هذه الحالة أصبح زوجي يفتعل معي المشاكل باستمرار ما جعل من أطفالي أيضا يشعرون بالوحشة تجاهه، ما جعلهم يترقبون موعد سفره بفارق الصبر حتى ينعموا بالهدوء والراحة. وأشارت "أم إيمان" إلى أنها ﻻ تريد من زوجها سوى المال، وأضافت: ﻻ تستغربي حديثي فنحن الآن لا نريد سوى أن نحيا حياة كريمة، أما أمور الحب والشوق فضاعت مع العمر، وشبابي الذي أفنيته في تربية بناتي دون مشاركته فيها، ولا أريد أن يأتي لهدم كل ما بنيته في تلك السنوات. لفت علي محمد "المحامي" إلى أحد الجوانب الخطيرة لغياب اﻷزواج عن أسرهم لفترات طويلة وقال: شهد قسم أم درمان وسط قصة مأساوية، ترجع حيثياتها الى غياب الزوج، فأثناء زيارة أخ الزوج اﻷصغر لﻸسرة لعب الشيطان برأسه وارتكب الخطيئة مع زوجة أخيه، وفي إحدى مهاتفات زوجها أخبرته بأنها حامل، فرح الزوج بالخبر، وكاد يطير من السعادة بقدوم مولوده الجديد، لكن لم تمض سوى أيام قلائل حتى قام أخوه الخائن بإختطاف الطفل وقتله، ﻷنه لم يستطع أن يقاوم إحساسه بخيانته ﻷخيه، وتدفع اﻷسرة الآن ثمن ذلك. المراقبة مهمة وفي السياق حذر اختصاصي علم الاجتماع د. عادل جمال من سفر الأزواج وغيابهم لفترات طويلة تمتد لسنوات، وقال إن سفر الزوج تدفع ثمنه اﻷسرة بأكملها أو أحد أفرادها على أسوأ الفروض، ولفت إلى أن الشخص الذي ينصب تفكيره في جمع المال لا يشبعه القليل وإنما يطمح في كل حين إلى المزيد منه، وتابع: "وهناك بعض ضعيفات النفوس من الزوجات اللاتي يستغللنّ غياب أزواجهنّ ويمارسنّ الرذيلة مع الجار أو القريب أو دون ذلك. ونصح الآباء بضرورة توخي الحذر ومراعاة احتياج ابنائهم لوجودهم حتى يستطيعوا مراقبتهم، والدفع بهم بعيداً عن منابت الانحراف والإدمان الذي راج في البلاد، لاسيما وسط الطلاب فيقل تحصيلهم الأكاديمي، فيفشلون في حياتهم التي ضاعت بغياب الأب وغياب رقابته وسط حياة الترف التي تقوده إلى الفساد. عملية ناقصة أما الاختصاصية النفسية د. آمنة محمد صالح فتؤكد على أن تربية الأبناء ﻻ تصلح وﻻ تستقيم إﻻ بوجود العنصرين معاً، وقالت: من الضروري أن يصطحب الزوج زوجته وأبناءه معه إذا اضطر للاغتراب، ﻷن فقدان أحدهما يجعل عملية التربية ناقصة، لاسيما فقدان عطف اﻷم وحنانها الذي يجعل اﻻبن مفتقداً البناءء العاطفي في شخصيته، فيترك خلﻼً يمكن أن ينتج عنه فجوة نفسيَّة وسلوكيَّة في الكبر، وعدت د. آمنة فقدان اﻷب كارثة وحطت على الأسرة، حيث ينشأ اﻻبن منفلتاً غير آبه بالضوابط والقيود الاجتماعية التي تفرضها سلطة اﻷب وسطوته التي تجعل اﻻبن يخاف منها ويحترمها، التي تعوده مستقبلاً على التعامل مع اﻷفراد والهيئات، ليختزل كل هذه الخبرات وينقلها ﻷبنائه فيما بعد، ولفتت الاختصاصية النفسية إلى أنه ليس من المقبول أو الصحيح أن تخفي اﻷم وتتستر على أخطاء أبنائها عن ابيهم بدافع عاطفي بحت، لأنه سيفاقم من حجم المشكلة ويزيد الأمر سوء. اليوم التالي