استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الخلافة بالدَّالَيْن؛ الدِّين والديالكتيك، غير قابلة للحياة
نشر في السودان اليوم يوم 05 - 02 - 2015


مدخل:
دولة الخلافة هى "مفهوم أيديولوجى" تعمل تحت مظلته معظم تنظيمات الإسلام السياسى اليوم، وتستوى فى ذلك المنظومات السنية (الصوفية والوهابية) والشيعية (بطوائفها المختلفة) والأخوانوية. وهو مفهوم جامع تنبسقُ منه أيديولوجيات قطرية (كالمشروع الحضارى فى السودان، والنهضة فى مصر، والنهضة فى تونس، إلخ) قد تختلف فى المسمَّى، ولكنها كلُّها تنتهى عند مفهوم الخلافة.
فالزج بدولة الخلافة - هذا المفهوم الأيديولوجى - الآن، يَنُم عن عدم دراية تامة بمسطورات التاريخ، ويفضح قصور التفكير الدينى الراهن إذا ما قورن بالتفكير الدينى فى سالفِ الأيام (والمقارنة فى الأصل لا تستقيم)، فى أزمنةِ الأنوار المحمدية والإسلام الراشدى (عصر الأنوار). فالرسول صلى اللهُ عليه وسلم القائل: "لا تُعلموا أولادكم أخلاقكم، فإنَّهم خُلِقوا لزمانٍ غيرِ زمانِكم"، والذى يقول، صلواتُ ربى وسلامُهُ عليه، فى رواية إبنِ أبى شيبة: "... يا معاوية إن مَّلَكتْ فأحْسِنْ"، يُهيئنا لسيرورة محتدمة بالصيرورة، والرجوع فيها إلى الوراء جريمة ضد الدين، ضد العقل، ضد التاريخ، وضد الفاعلية.
وفى هذه المداخلة نريد أن نثبتَ كلَّ ذلك؛ أىْ أنَّ دولة الخلافة بالحيثيات الدينية والجدلية، هى دولة غير قابلة للتطبيق، غير قابلة للحياة. وفى تقديرى يظلُّ الدفعُ بهذه الدولة فى واقع رأسمالى بعد – حداثوى، نوع من جنون البشر، نوع من الإنتحار السياسى. خاصةً إذا علمنا أنَّ النظام الليبرالى الحالى يمر بمرحلة تطور تعتبر كل العروش العربية الحالية عروش عليلة الليبرالية وغير متناغمة مع عالم عبر – حداثوى، ولذلك رمتها بحروب رأسمالية أُخرى بغرض الخلخلة، واختارت لها إسماً أيديولوجياً جميلاً يحضُّ النَّاس على فناءِ أنفسهم لأجل هذه الخلخلة، وهو "الربيع العربى". فهل يا تُرى، نظام ليبرالى يفعل كلَّ هذه الأفاعيل بحلفائه من العرب، يسمح بإقامة دولة خلافة أكثر تمسكاً بالتاريخ/الماضى من العروش الحالية، ولا تعترف بالجغرافيا (الدولة القطرية).
عدم قابلية دولة الخلافة للحياة فى إطار المنطق الدينى:
الدولة فى أبسط معانيها هى "التعبير الحقوقى والمؤسسى عن مجتمع ما، على أرض ما، بالقدر الذى يُكسبها اعترافاً دولياً وسيادة". والخلافة هى "مجموع الدول أو الأقاليم التى تدين بالدين الإسلامى ولا يعترف مُتخيَّلُها بالحدود القطرية الإستعمارية القائمة الآن، ويتمُّ فيها تنصيبُ خليفةٍ واحدٍ للمسلمين إجماعاً أو تعييناً، وتُعقد له بيعةٌ (فى الغالب من أهلِ الحلِّ والعقد) فى كلِّ جزءٍ من هذه الخلافة".
وإذا كانت هذه الخلافة بالتعيين أو الإجماع/الإنتخاب، فإنَّ معانى الرحمة والنقاء العدلى/العصمة السياسية والإحسان التى عناها الرسول صلى الله عليه وسلم والمصاحبة للخلافة، كانت فى تمام كمالها فى حياةِ حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
فالنَّاس على امتداد الدولة الإسلامية كانوا يقبلون الخليفة المُعيَّن أو المُجمَع عليه إمتثالاً؛ لوجود تلك الرحمة وذلك النقاء العدلى وذلك الإحسان (مع بعض الإستثنآءات بالضرورة)، ومن ينتخبونه (أو يُعيِّنونه) يجئ رحيماً ونقياً – محسناً، وذلك لقبس النبوة المبثوثِ فيهم، ولتضافر الخير العظيم الذى يوفره إجماع أُؤلئك النفر المحسنين، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ولعلَّ الخلافة بهذا المتخيل الإسلاموى فى الواقع المعاصر، هى بديل قاعدى (Bottom - up) غير متصالح مع المنظومة العلوية (Top - down) المتمثلة فى منظومة المؤتمر الإسلامى (التى ربما نٌعِتَتْ دولُها بالكافرة إذا كانت مِمَّن يتبنَّى نظاماً ديمقراطياً، أو جمهورياً، أو ملكياً (راجع حزب التحرير: أجهزة الدولة 2005).
وهذا البديل القاعدى يتبنَّاه عدد من المجموعات المتطرفة إسلامياً كالأخوانوية، تنظيم القاعدة، السلفيين، حزب التحرير، والجماعات الشيعية. ومهما بلغت أعداد هذه المجموعات، فهى أقلَّ بكثير جداً من مجموع المسلمين المعتدلين فى منظمة المؤتمر الإسلامى. وهذه المجموعات (شأنها شأن كل المجموعات المتطرفة فى دول الثالث) تعتبر أنَّ أقصر طريق لتنفيذ حلم دولة الخلافة هو الإنقلابات العسكرية. وفى المرات النادرة التى وصلت فيها إحدى هذه المجموعات بالإنتخاب، لم تُكمل عامها الديمقراطى الأول حتى تحوَّلتْ إلى حالة ما يُعرف "بالدولة العميقة"، التى يسيطر فيها أفراد تلك الجماعة على كلِّ شئ.
وتعلمُنا التجربة المعاصرة أنَّه لا يستطيع أحدٌ بمفردِهِ (ولا جماعة بمفردها) أن يُقيم دولة الخلافة أو أنْ يُقيمَ الدين - فتلك خصيصة الأنبياء أصحاب النَّقاء العدلى والرحمة والعصمة السياسية، وخصيصة من تشبع بأنوارهم. ولذلك لم يستخلف سيدنا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أحداً، بالرغم من إشاراته (صلى الله عليه وسلم) الدَّالَّة على أحقية سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالأمر. لكنَّ الأمرَ قد تُرك برُمّتِهِ للصحابة رضى الله تعالى عنهم، الذين انتخبوا سيدنا أبا بكر الصديق رضى الله عنه بأغلبية كبيرة، وبايعوه خليفة بآلية الإحسان/الديموقراطية التى عرفوها آنذاك.
ولقد تأخَّرَ عن هذه البيعة/التصويت قليلاً سيدانا: على بن أبى طالب، والزبير بن العوام رضى الله عنهما، ولكن سيدنا أبو بكر الصديق لم يَخلِّهما، وقد أرسل إليهما وعاتبهما على التأخير. فقد جاء فى الحديث:
"لما تُوفىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا. فنرى أن يَلِيَ هذا الأمرَ رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا. قال فتتابعتْ خطباء الأنصار على ذلك؛ فقام زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنَّ الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام أبو بكر رضى الله تعالى عنه فقال: جزاكم اللهُ خيراً يا معشر الأنصار وثبَّتَ قائلَكُم. ثمَّ قال: أمَّا لو فعلتم غير ذلك، لما صالحناكم. ثمَّ أخذ زيدُ بن ثابت بيدِ أبي بكرٍ فقال: هذا صاحبكم فبايعوه ثمَّ انطلقوا.
فلما قعد أبو بكر رضى الله تعالى عنه على المنبر؛ نظر فى وجوه القوم فلم يرَ علياً رضى الله تعالى عنه، فسأل عنه. فقام ناسٌ من الأنصار فأتوا به؛ فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه: بن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخِتنُهُ؛ أردتَ أن تشقَّ عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثمَّ لم يرَ الزبير بن العوام رضى الله تعالى عنه؛ فسأل عنه حتى جاءوا به فقال: بن عمّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه؛ أردتَ أنْ تشقَّ عصا المسلمين! فقال: مثل قوله؛ لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه". رواه البيهقى.
وفقط للتذكير نُعيدُ خلاصة ما جاء بعاليه هنا، وهو أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يُعيِّن أحدا خلفاً له، بالرغم من الإشارات بأحقية سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه للأمر.
غير أنَّ سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قد استخلف (تعيَّيناً) سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه. لكنَّه وهو الصديق رضى الله تعالى عنه، لم يسلم من العَتَب؛ فالنَّاسُ منذ قديم الزمان كانوا يتوقون للمشاركة الواسعة. فقد جاء فى الأحاديث عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أنَّها قالت:
"لما ثقل أبي دخل عليه فلانٌ وفلانٌ، فقالوا يا خليفة رسول الله: ماذا تقول لربِّكَ غداً إذا قَدِمتَ عليه وقد استخلفتَ علينا بن الخطاب؟ قالتْ، فأجلسناه فقال: أباللهِ تُرهِبونى! أقول: استخلفتُ عليهم خيرهم".
وجاء فى حديث آخر أنَّ يوسف بن محمد قال:
"بلغني أنَّ أبا بكرٍ الصديق رضى الله تعالى عنه أوصى في مرضه؛ فقال لعثمان رضى الله تعالى عنه: أكتبْ بسمِ اللهِ الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وأوَّل عهده بالآخرة داخلاً فيها؛ حين يصدقُ الكاذبُ ويؤدي الخائنُ ويؤمن الكافرُ؛ أنِّي استخلفُ بعدي عمر بن الخطاب. فإنْ عدل فذلك ظني به ورجائي فيه، وإنْ بدَّلَ وجارَ فلا أعلمُ الغيبَ، ولكلِّ امرئٍ ما اكتسبَ وسيعلمُ الذين ظلموا أيَّ ُمنقلَبٍ ينقلبون". رواهما البيهقى.
ولم يكن ليساورنى أدنى شك؛ لو أنَّ سيدنا أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه لم يستخلف سيدنا عمر رضى الله عنه، لاستخلفه ذلك الإحسان المكنون فى صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك الرحمة المصاحبة للخلافة.
والذى يجب أن يعرفه النَّاس أنَّ سيدنا أبا بكر الصديق رضى الله عنه هو أوَّل وآخر ذوى النقاء العدلى/الإحسان الذين وصَّوْا بأنَّ يكون خليفتهم شخصٌ بعينه.
فسيدنا عمرُ بن الخطاب رضى الله تعالى عنه رفض أمر الإستخلاف هذا، فانتخب الصحابة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، ومن بعده سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه، الذى رفض هو الآخر أن يستخلف أيَّما أحد.
لقد جاء فى الحديث عن ابن عمر رضى الله عنهما قال:
"دخلت على حفصة رضى الله تعالى عنها فقالت: أعلمك أنَّ أباك غيرُ مستخلف. قال: قلتُ كلا. قالتْ: إنَّه فاعل. فحلفتُ أنْ أكلِّمَهُ في ذلك. فخرجتُ في سفرٍ، أو قال: في غزاةٍ فلم أكلمه. فكنتُ في سفري كأنَّما أحملُ بيميني جبلاً حتى قدِمتُ فدخلتُ عليه. فجعلَ يسألني فقلتُ له: أنِّي سمعتُ النَّاسَ يقولون مقالةً فآليتُ أنْ أقولها لك: زعموا إنَّك غيرُ مستخلف. وقد علمتُ أنَّه لو كان لكَ راعي غنم، فجاءكَ وقد تركَ رعايته، رأيتَ أنْ قد ضيَّعَ. فرعايةُ النَّاس أشدُّ. قال: فوافَقَهُ قولي. فأطرقَ مليَّاً ثم رفعَ رأسَهُ فقال: (إنَّ اللهَ يحفظُ دينَهُ، وأنْ لا استخلف، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف. وإنْ استخلف، فإنَّ أبا بكر قد استخلف). قال: فما هو إلاَّ أنْ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضى الله تعالى عنه، فعلمتُ أنَّهُ لا يعدلُ برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، وإنَّهُ غيرُ مستخلف". (رواه مسلم في الصحيح، عن إسحاق بن إبراهيم، وغيره عن عبد الرزاق. وأخرجه البخاري من وجه آخر عن معمر) رواه البيهقى.
وجاء فى سنن البيهقى أيضاً، عن شقيق بن سلمة قال:
"قيل لِعَلِيٍّ رضى اللهُ تعالى عنه: استخلف علينا، فقال: ما استخلفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فأستَخْلِف! ولكن إن يردِ اللهُ بالنَّاسِ خيراً، جمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم على خيرهم".
فالخلافة (بمعنى التعيين) التى يُشهرُ المتطرفون الإسلامويون دولتها فى وجوهِ النَّاس تخويفاً هذه الأيام، لم يستنَّها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّما استنَّاها سيدنا أبوبكر الصديق (رضى الله تعالى عنه (وبالقطع له شاهده فى ذلك من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنذكره بعد قليل). وقد خالفه فيها صُراحاً سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وسيدنا على بن أبى طالب كرّم الله وجهه، كما جاء بعاليه؛ والكلُّ مهدىٌّ والكلُّ يُتَّبَعُ رضوان اللهِ تعالى عليهم أجمعين.
فنحن إذاً أمام فسطاطين: فسطاط به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلاثةٌ من خلفائه لم يستخلفوا أحداً، وفسطاط آخر به خليفة واحد (وهو أفضل الخلفاء بلا منازع). فالأولى بالإتباع دون أدنى مقارنة هو الفسطاط الذى يوجد به سيد الخلق أجمعين صلوات ربى وسلامه عليه.
وإتباع سيدنا أبى بكر الصديق وحده رضى الله تعالى عنه له شاهدُهُ من الدين أيضاً (أصحابى كالنجوم بأيِّهُم إقتديتم إهتديتم). ولكن أنْ تحمل النَّاس (تطرفاً وإكراهاً وإنقلاباً وتقتيلاً) على إتباع رأىٍ يأتى فى المرتبة الثانية من حيث الرجاحةً لأنَّه يحقق مآربك، فذلك عَيْنُ الأدلجة يا سيادة الدواعيش، والتى تنتفى معها الرحمة المصاحبة للإستخلاف التى ذكرها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث أدناه:
16410 - حدثنا أبو بكر بن فورك، أنبأ عبد الله بن جعفر، حدثنا يونس بن حبيب. حدثنا أبو داود، حدثنا جرير بن حازم، عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجارح ومعاذ بن جبل رضى الله تعالى عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال ":
"إنَّ اللهَ بدأ هذا الأمرَ نبوةً ورحمةً، وكائناً خلافةً ورحمةً، وكائناً مُلكاً عضوضاً، وكائناً عُتُوَّةً وجَبْريةً، وفساداً في الأمَّةِ؛ يَسْتَحِلُّونَ الفروجَ والخمورَ والحريرَ؛ ويُنْصَرونَ على ذلك، ويُرزقونَ أبداً، حتى يَلْقوا الله عزَّ وجلَّ". رواه البيهقى.
يُخبرنا من لا ينطقُ عن الهوى (صلوات ربى وسلامه عليه) فى هذا الحديث المهم عن حركة التاريخ من وجهة نظر النبوة، عن سيرورة مليئة بالتراكمات البشرية كما أسلفنا. فبدأت: نبوةً ورحمة - خلافةً ورحمة - ملكاً عضوضاً (وفى رواية ملكاً ورحمة) – عُتوةً وجبرية منتهية بفسادٍ فى الأمة (يستحلون الفروج والخمور والحرير؛ يُنصرون على ذلك ويُرزقون أبداً، حتى يُلاقوا الله عزَّ وجلَّ).
ولعلَّ صديقنا الإسلاموى قد بات يدرك بموجب هذا الحديث الشريف العظيم (بموجب الدِّين) بألاَّ رجعة فى حركة التاريخ (فالتاريخ لا يُعيد نفسه)؛ لا رجعة من زمان الفساد إلى زمان الرحمة (تلك المنعدمة عند كلِّ المنادين بدولة الخلافة الآن). فأىُّ حديثٍ عن عودة دولة الخلافة هو فزَّاعة أيديولوجية مصادمةً لهذا الحديث، مصادمة لسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالى مصادمةً للدين.
وإذا سلَّمنا بحق الجماعات الإسلاموية التكفيرية المتطرفة فى إختيار دولة الخلافة القاعدية التنظيم بناءاً على الحديث الآخر الذى يقول،
("تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت". رواه الأمام أحمد؛ وروى الحديث أيضًا الطيالسي والبيهقي في منهاج النبوة، والطبري، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط)،
فكم من الأنظمة الكافرة؛ الديموقراطية، الجمهورية، الملكية، وغيرها التى يجب أنْ تُزال، وكم من الأرواح يجب أنْ تُزهق وصولاً لتلك الدولة المزعومة؟ وهل ذلك ممكناً فى عالم صراعى بعد - حداثوى؟ ودونكم أعداد القتلى فى السودان وأفغانستان، والصومال، والعراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، وغيرها من الدول، حينما بدأت هذه الجماعات بالزحف على السلطة.
وبأىِّ شواهد الدين ينسبُ الدواعيش أنفسهم إلى دولة الخلافة الموسومة بالرحمة، وينسبون ذات الخلافة إلى أنفسهم؛ وهم يعوثون فى الأرض الفساد، ويقتلون المسلمين (أطفالاً ونساءاً) قبل الكافيرين بلا رحمة وبلا قلب، وكأنَّهم يريدون أن يكتبوا نهاية التاريخ نيابة عن الله عزَّ وجلّ!
وهنا تصطرع عدد من الحقائق الدينية التى لم يُفكْ اشتباكُها بعد، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الخلافةُ فى أمتى ثلاثون سنة، ثم مُلك بعد ذلك" (رواه أحمد وحسنه الأورناؤوط).
وبالحساب ذلك ينتهى بخلافة سيدنا على كرم الله وجهه. وهناك من ينسب الخلافة المرحومة الأخيرة إلى عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. وهذا أيضاً يصطدم مع حديث الطبرانى عن حاصل الصدفى (الذى ضعفه الألبانى) الذى يقضى بأنَّ الخلافة الأخيرة هى خلافة المهدى:
"عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا، ثم يؤمر بعده القحطاني. فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه" (وبناءاً على هذا الحديث يُكثر الشيعة من الهرج والمرج بين السنة يستعجلون بهما ظهور المهدى).
وبالرغم من تلبَّسِ هؤلاء الدواعيش لحالة الخلافة المتأخرة ليكتبون بها نهاية التاريخ نيابة عن الله عزَّ وجلَّ بحسب زعمهم، إلاَّ أنَّ الحديث الذى أوردناه فى البداية هو الأقرب للحيثيات التاريخية والدينية معاً؛ أىْ أنَّ الحلافة ذات الرحمة ولَّتْ إلى غير رجعة، وأنَّنا الآن فى عهد العتوة والجبرية، وفساد الأمة. ولعل الدواعيش فى هذا الحديث أوثق الشواهد على تلك العتوةِ والجبرية والفساد؛ كونهم يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ الذين يشهدون بالشهادتين، وينهبون ويسرقون النفط وممتلكات النَّاس، ويسترقُّون الحرائر ويتفحشون بهنَّ (100 رجلً على امرأة واحدة، كما فعلوا بملكة جمال داعش)، ويتاجرون فى الخمر والمخدرات وفى النَّاسِ وفى أعضائهم.
2- بالديالكتيك:
لقد رأينا بشكل واضحٍ بعاليه، كيف أنَّ دولة الخلافة الموسومة بالرحمة، هى بالدِّين لا تعدو أن تكون سوى مجموعة أفكار (أيديولوجيا) غير قابلة للتطبيق وبالتالى غير قابلة للحياة. والآن، علينا أن نُثْبِتْ أنَّ ذلك جدلياً غير ممكن، وأنَّ من يَحادَّ تطور القوى المنتجة فى المجتمع، ستموضعه حركة التاريخ فى موضعه الصحيح لا محالة كالمُحادِد للدِّين؛ ويا لِكُلفة الوعى الباهظة.
فمثلاً تخبرنا نظرية أنماط الإنتاج (المشاعيةالأولى/المجتمع العبودى/الإقطاع/ الرأسمالية/ ...) أنَّ الإقتصادى هو محدد البنى الفوقية (ويتحدد بها جدلياً فى نفس الوقت كما يقول ألتوسير) فى ظل كل الأنماط. غير أنَّ السيادة/الهيمنة قد تكون للأيديولوجى، أو السياسى (والسياسى يستبطن العسكرى)، أو الإقتصادى نفسه، أو النظرى/العلمى؛ وذلك بحسب تطور القوى المنتجة فى المجتمع المعين.
وقد إرتبطت سيادة/هيمنة الأيديولوجى بالمجتمع المشاعى والعبودى، وارتبطت هيمنة السياسى بالإقطاع، وحسب هذه النظرية يجب أن يكون الإقتصادى مُحدِّداً ومُهيمناً فى ذات الوقت فى زمن الرأسمالية. والبعض (Poulantzas for example) يعزى تداخل الهيمنة (كهيمنة الأيديولوجى أو السياسى فى ظل الرأسمالية، مثلاً) لسوء تموضع هذه العناصر؛ السياسى/الأيديولوجى/ الإقتصادى (Displacement of elements). وأنا شخصياً أعزيه لواقع التشكل الإقتصادى /الإجتماعى وتطور القوى المنتجة فى اللحظة التاريخية المحددة.
وبالتالى تصبح سيادة الأيديولوجى (المروجة لدولة دينية فى الوقت الراهن) أو السياسى (المروجة لدولة حماية قومية فى عالم ليبرالى بعد - حداثوى) فى زمن الرأسمالية، خارج سياقها التاريخى ما لم ترتبط بتطور القوى المنتجة فى المجتمع. وليس ثمة شئ خارج السياق التاريخى الآن (فالعالم كلُّهُ رأسمالى)؛ وإذا كان الأمر كذلك، وأنّ كل ما ذكر بعاليه مستمر الصلاحية، فإنَّ جملة إسترداد دولة الخلافة (لتكون إسلوب الحكم الإسلامى الوحيد فى العالم الإسلامى) تصبح جملة مرسلة (أيديولوجيا) غير قابلة للحياة (إذ أنَّ عليها أنْ تُزيح نمط الإنتاج الرأسمالى من الوجود أو تُنكره، وتعود بنا إلى الإقطاع وتمحاه، ثم تزجَّ بنا فى نمط الإنتاج الخارجى/الرِّيعى: ينظر الواحد منهم للسحابة فيقول لها أينما صببتِ فسيأتينى خراجك) ولكنها قد تساهم فى موضعة المنادين بدولة الخلافة (أو جزءٍ منهم) فى موضعة الهيمنة.
وقد رأينا بأمِّ أعيننا إهتراء الأيديولوجيا الدينية للإنقاذ (التى إستخدمتها لتتموضع رأسمالياً فى التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية فى السودان، وقد نجحت فى ذلك) واستبدالها بأيديولوجيا إقتصادية (التلويح بالمنجز الإقتصادى: من البترول حتى الهوت دوغ). إذاً هذه الدولة الدينية (دولة الخلافة) المستنبطة من النصوص (لا من حاجتنا التاريخية لها) تظل أكذوبة لأنها تصادم حركة التاريخ فى الوقت الراهن. ويظل التلويح بها فى الرّاهن تجارة أيديولوجية بحتة وبخسة، وقد تجد طريقها للرواج بحسبان عوامل عدة أهمّها: تخلُّف القوى المنتجة فى المجتمع، تخلُّف بنية وعى المجتمع، ضعف الطبقات الوسطى/الإنتلجنسيا وتقاعسها عن أداء دورها على الوجه الأكمل لظروف تخصها.
والشاهد أنَّ هذه الدولة الدينية (دولة الخلافة) قابلة للعصرنة أكثر من الرجعنة بمنطق الدين نفسه، وبحسب درجة ترسملها من وجهة نظر الإقتصاد البايوسياسى (حالة الإنقاذ مثالاً)، أى بالإزدياد المضطرد فى: عدد الأفراد المستفيدين من الإنفاق على مقومات التنمية، معدلات عدلها الإقتصادى/الإجتماعى، معدل الإستنارة المجتمعى فيها (أنظر مشروع الإستنارة عند د. عبد العزيز حسين الصاوى، على سبيل المثال).
المحصلة:
إتخذت المداخلة أعلاه الأخوانوية/دولة الخلافة كمصطلح أساس (إن جاز التعبير) للحديث عن الدولة الدينية، بحسبان أنَّ الأخوانوية ذات قاسم مشترك مع كل التيارات الفكرية فى المنطقة: حيث يتداخل العمل القاعدى فى هذه التيارات ليشكِّل كُلاًّ متناغماَ فى السلوك والإسلوب.
والحديث عن الإستخلاف بالإنتخاب الراجح دينياً (لا التعيين الأقل رجاحة) والشرائع والكليات يحتاج إلى مؤسسات مجتمعية ديموقراطية متنوعة وحرة العقل والتفكير خارج أُطر الجماعة المذهبية والحزب والطبقة والفئام (كأهل الحل والعقد). ولماذا تُضيِّقُ هذه الدواعيشُ واسعَ الإنتخاب (الشورى/الديموقراطية، البيعة/التصويت) وتلجأ إلى ضيق أُفُقِ التعيين، خاصة بعد إنتفاء النقاء العدلى الآن؟ فالحرصُ على التعيين بحسب التدين فى هذا العصر ليس حرصاً على الدين، ولكنه على التمكين (التمكين الرأسمالى البحت، حيث تسقط الأيديولوجيا الدينية وسرعان ما تتفسخ فى ظل رأسمالية سائدة ومهيمنة، ويبقى على الأرض التراكم الرأسمالى الفاحش– السودان مِثالاً).
أقول ما أقول، وقد شهدنا بأُمِّ أعيننا كيف أنَّه باحتكار الوهابية للحديث عن الدين، قد انطمس جلُّ الفكر؛ وحين نازع الشيعةُ الوهابيةَ الحديثَ عن الدِّينَ، قد تشوّه الفكر؛ وحين أدخلت الأخوانوية أنفها فى الدين، أُرْجِسَ الفكر؛ وحين فرَّ الصوفية بدينهم إلى كهوفهم، إنطفأ الفكر.
وفى خضم هذا الإنطماس والتشيؤ الفكرى، إعْتَلَتْ الشريحة الرأسمالية فى المنطقة عبر التاريخ مجموعات إقتصادية تختلف درجة مواكبتها للتطور الرأسمالى والبعض منها يستغل الدين والمتدينين ليتموضع ويتربع على وضعية الهيمنة، والخاسر فى نهاية المطاف هو الدِّين والمتدينين من البسطاء.
وهؤلاء المتدينون، هم فصيل مغبون ومغررٌ به، يتحرك بين تورا بورا وتومبُكتو، وبين البريقة والبصرة والقصيم، وبين قُم - صنعاء - ومقديشو - والخرطوم، يناصر الشيعة تارة، والوهابية/السلفية تارة، وتارةً يناصر الأخوان فى مصرَ والسودان. فهو فريق منكفئٌ على الماضى، يستحلُّ كلَّ شئٍ للوصول إليه، ويستلهم منه العنف والعَوارْ، ويذر السماحة والرحمة.
هذا الفصيل بدأ يشكِّل إحتياطيّاً إستراتيجياً للحركات البراقماتية كالأخوانوية، خاصةً مع موجات الإنشقاقات الإصلاحية فى السودان، وهزيمة الأخوانوية فى مصر. ولكن الشئ الذى لم يعقله هؤلاء المساكين والمُغرَّر بهم، هو أنَّهم سينهزمون بسباحتهم عكس التيار لا مُحالة؛ فقد إنتهى زمان الأيديولوجيات، والدولة المؤدلجة دينياً غير قابلة للحياة، وسيحيى رأسمالياً فقط مَن يستغِلَّهم.
فائدة:
إنَّ الدولة التى تقوم على العنف والعوار والقهر، ولا تقوم بذاتها فى المناخ الديموقراطى، غير قابلة للحياة. فالتطور الذى يشُقُّ طريقه حتف الأنوف، سيجعل أبناءَ الطغاةِ وأحفادَهم أكثر إستنارة على طريق التطور الرأسمالى، وسيتلاشى الجبرُ والقهر وكلُّ شئٍ غير قابل للحياة. ووقتها، ووقتها فقط؛ سيعلم الأخْلاف المستنيرون رأسمالياً، كم كان خصومُ أسلافهم متقدمين فى الوعى والفكر، وكم كانت إستنارتُهُم مُكْلِفة.
حسين أحمد حسين،
باحث إقتصادى مقيم بالمملكة المتحدة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.