وزير الخارجية الإيطالي يؤكد أن بلاده مستعدة للتدخل عسكرياً في ليبيا ضمن الشرعية الدولية وسط تهديدات داعش باقتحام طرابلس. العرب المجتمع الدولي يترك الجيش الليبي الوليد وحيدا في مقارعة التنظيمات المتشددة طرابلس - يشكّل الانقسام الدولي حول معالجة الأزمة الليبية أحد الأسباب الرئيسة في تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية في هذا البلد الغارق في الفوضى منذ أربع سنوات. وهذا الخطر يتجاوز حدود ليبيا ليمتدّ إلى دول الجوار وحتى الدول الأوروبية، التي قرّرت تغيير استراتيجيتها باتخاذ موقف أكثر حزما للتصدي لتنظيم داعش والضغط على الإدارة الأميركية للتحرك صوب الحل العسكري. وأعلن وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، باولو جينتيلوني، أن بلاده مستعدة للتدخّل عسكريا في ليبيا، ضمن الشرعية الدولية، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ويأتي اقتراح المسؤول الإيطالي في وقت تشهد فيه الأزمة الليبية منعرجا خطيرا بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق هامة في ليبيا وأحدثها مدينة سرت الساحلية، التي أعلنها داعش، مؤخرا، ولاية إسلامية تابعة له. وقال جينتيلوني في تصريحات، لنشرة أخبار شبكة "سكاي نيوز 24" الإيطالية غير الحكومية، مساء الجمعة، إن "إيطاليا معرّضة للتهديد الإرهابي بسبب الوضع في ليبيا، حيث بات تنظيم الدولة الإسلامية في سرت الليبية على بعد 200 ميل بحري عن الشواطئ الإيطالية". وشدد الوزير الإيطالي على أن بلاده "لا يمكن أن تقبل فكرة أنّ خطرا إرهابيا فعليا موجودا على بعد بضع ساعات بالقارب منها... لذلك إذا لم تجد الوساطة نفعا في حلّ الأزمة الليبية، فيجب التفكير مع الأممالمتحدة ببذل المزيد من الجهد وإيطاليا مستعدة للقتال في إطار الشرعية الدولية". وكانت السفارة الإيطالية في العاصمة الليبية طرابلس، قد أصدرت، بعد ظهر الجمعة، توجيهات لمواطنيها بالإسراع في مغادرة ليبيا "مؤقتا". وذكر التلفزيون الحكومي في تقرير له نقلا عن مصدر في وزارة الخارجية بروما، أن "الوضع الأمني في ليبيا يزداد سوءا أيضا بسبب تقدم المسلحين الجهاديين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية المتواجدين في برقة (شرقي ليبيا)، نحو العاصمة (طرابلس)". ويشكل تنظيم الدولة الإسلامية الآخذ في الانتشار بسرعة لافتة في ليبيا خلال الأشهر الماضية تهديدا حقيقيا للأمن القومي الإيطالي، ولأوروبا بصفة عامة، كما هو الحال بالنسبة إلى باقي دول الجوار التي تراقب بعين قلقة المتغيرات في هذا البلد. المقاربات التي تم اتخاذها لمعالجة الأزمة بين الحكومة الليبية والجماعات الإسلامية تسهل تمدد تنظيم داعش في كامل أنحاء ليبيا هذا الخطر تضاعف في الآونة الأخيرة خاصة في شرقي البلاد، حيث أقدم التنظيم على جملة من العمليات لتأكيد حضوره على غرار تفجير فندق كورانثيا بطرابلس الذي أسفر عن سقوط ثمانية قتلى من بينهم فرنسي وثلاثة آسيويين، كما اقترف هذا التنظيم عمليات قتل وترويع في صفوف المدنيين، لتأتي عملية إعدام الأقباط المصريين (التي لم تتأكد بعد حسب الخارجية المصرية) لتلقي بظلالها على المشهد الليبي القاتم بطبعه. وسجّل تنظيم داعش حضوره القويّ في ليبيا، في سنة 2014، وفقا لتقارير استخباراتية غربية وعربية، حيث سجلت عودة المئات من المقاتلين الذين تدرّبوا في كل من سوريا والعراق، فضلا عن الانشقاقات المتواترة في صفوف الجماعات المتشدّدة الأخرى، التي آثرت الانضمام للتنظيم. ويرجع الخبراء استقواء الدولة الإسلامية في ليبيا إلى انقسام القوى الدولية بشأن التدخل في ليبيا وحسم المسألة عسكريا. كما أن المقاربات التي تم اتخاذها لمعالجة الأزمة بين الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، والجماعات الإسلامية، التي تلتقي أيديولوجيا مع تنظيم داعش، سهّل بطريقة أو بأخرى على التنظيم المتشدّد التمدد، خاصة مع ما تبديه الولاياتالمتحدة من تراخ في القضاء على التنظيم الذي يزحف شيئا فشيئا لينتشر في كامل أجزاء ليبيا. وحذّر أندرو إنجل، الباحث السياسي بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، مؤخرا من أن تنظيم الدولة الإسلامية نجح في التوسع إعلاميا وماديا بقوة في ليبيا، لإخافة أعدائه ولتجنيد أكبر عدد من المقاتلين. وكانت عناصر التنظيم سيطرت، الجمعة في سرت، على مقرات مؤسسات إعلامية في المدينة، على غرار إذاعة "سرت" وقناة "مكمداس" ومكتب قناة ليبيا الوطنية، وفق شهود عيان. وقد سُمعت بعد سيطرة عناصر داعش على "إذاعة سرت"، خطب لزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي والناطق باسمه "أبو محمد العدناني"، فيما بثت قناة "مكمداس" أناشيد جهادية. وسيطر التنظيم، أيضا، على مجمّع عيادات المدينة وفصل بين الجنسين من الأطباء والممرضين، كما أمهل داعش عبر "إذاعة سرت المحلية"، قوات "فجر ليبيا" حتى اليوم الأحد لترك المدينة. وأكّد شهود بالمنطقة أن التنظيم أمهل سكان بلدة النوفلية جنوب شرق مدينة سرت، ثلاثة أيام، من أجل ما سمَّاه الاستتابة (تشمل قوات الأمن والجيش الليبي)، مهددا من يتخلف عن الموعد بأنه "سيقع تحت طائلة المساءلة الشرعية". وفي مدينة صبراتة (70 كم غرب العاصمة طرابلس) وضع التنظيم إعلانا مماثلا، بث أمس السبت، يستمر لمدة ثلاثة أيام، وذلك قبل أن يقام القصاص بالقتل على كل من يمتنع عن مبايعة زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وذكر شهود عيان أن الإعلان وزع عبر مناشير علقت في الأماكن العامة والمساجد، الأمر الذي أثار الرعب في صفوف الأهالي الذين لم يغادروا بعد. وإزاء هذا الوضع الكارثي، يرى المراقبون أنه لم يعد من بد سوى التدخل عسكريا لحسم الأمر ضد التنظيم وباقي الجماعات التي تدور في فلكه، وأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار على نفس الوتيرة وترك البلاد تغرق في دوامة المتطرفين. ويتوقع هؤلاء أن تقدم دول أوروبية، في مقدمتها إيطاليا وفرنسا، على الدفع دوليا نحو هذا التدخل والضغط على واشنطن التي ترفض إلى حد الآن القيام بعملية عسكرية في ليبيا، في موقف يثير كثيرا من الريبة، خاصة وأنها كانت السباقة في تجنيد تحالف ستيني للتصدي لداعش في كل من سوريا والعراق فيما تعزف عن ذلك في هذا البلد الذي لا يقل وضعه سوءا.